"إنكليزجي يوك"... جهل الأتراك اللغات نحو "صحوة"

20 أكتوبر 2022
عدم انتشار اللغات الأجنبية عامل إضعاف للسياحة التركية (بولنت كيليتش/ فرانس برس)
+ الخط -

يكتشف بدهشة من يدقق في تاريخ الدولة العثمانية قبل أن يؤسس مصطفى كمال أتاتورك الجمهورية التركية عام 1923، أن لغة العلم كانت العربية والأدب الفارسية. وتزداد الدهشة لدى معرفة أن معظم العلماء ورجال الدين كانوا يتقنون لغة ثانية إلى جانب العثمانية، كما يروي المترجم محمد خير عبد اللي لـ"العربي الجديد"، والذي يشرح أن "إعلان الجمهورية التركية على أسس قومية شكل السبب الأبرز في تلاشي تعلم اللغات الأجنبية بتركيا واستخدامها، واستمر ذلك نحو نصف قرن، حتى وصول حزب الوطن الأم، الذي يملك إيديولوجية ليبرالية ونهجاً منفتحاً على الخارج، إلى السلطة، وإطلاقه عام 1983 مسيرة الانفتاح على الغرب والدول المجاورة. لكن جهل الجيلين السابقين باللغات حينها أبطأ تعلّم الأجيال اللاحقة اللغات الأجنية، كما أن عدم تكريس وزارات التعليم المتعاقبة تعليم اللغات الأجنبية لعب دوراً مهماً، إذ كان تعلم اللغات غير التركية يبدأ في المرحلة الإعدادية من خلال حصتين أسبوعياً فقط، مع اختيار إحدى اللغتين الإنكليزية أو الألمانية". 
يتابع: "مع حلول الألفية الجديدة، ووصول حزب العدالة والتنمية إلى السلطة، فرضت الظروف الدولية والانفتاح التركي الإقبال على تعلّم اللغات، لكن زوار البلاد ما زالوا يشتكون حتى اليوم من عدم معرفة المواطنين اللغة الإنكليزية الأكثر استخداماً وتداولاً في العالم. ويشمل ذلك ولايات إسطنبول وأنطاليا ومدن البحر الأسود التي يقصدها نحو 30 مليون سائح سنوياً". 

مبادرة حاكم أنطاليا
وأخيراً حاول حاكم ولاية أنطاليا إرسين يازجي كسر هذا المفهوم عبر إخضاع سائقي سيارات الأجرة إلى دورات أساسية في اللغات الإنكليزية والألمانية والروسية، وقال خلال لقائه مجموعة من هؤلاء السائقين، في حضور نائب الأمين العام لبلدية أنطاليا علي أرسلان، ورئيس اتحاد غرف التجار والحرفيين في أنطاليا أدليهان ديري، ورئيس غرفة السائقين محمد علي ألكان: "سيكون الأول من ديسمبر/ كانون الأول المقبل موعد بدء تعليم السائقين المستوى الأساسي من لغات أجنبية عدة بعد وضع خطط كاملة لتنفيذ هذا الأمر. يشكو السياح من عدم تحدث السائقين لغات أجنبية، ولا بدّ من إزالة هذا الحاجز في التواصل أمام الأشخاص الذين يقصدون الولاية بهدف المتعة ومشاهدة جمالها". 

مراحل "الانغلاق"
ويعلّق الباحث والإعلامي هشام جوناي بالقول لـ"العربي الجديد": "ربما قد تكون هذه الخطوة بمثابة صحوة متأخرة في معظم الولايات التركية، وليس في أنطاليا فقط، لكن المنهج التعليمي أدخل أيضاً منذ نحو عشرين عاماَ تعليم اللغة الإنكليزية إلى المرحلة الابتدائية عبر حصتين، ما وسّع استخدام اللغات في المحلات التجارية والدوائر الرسمية، خاصة الإنكليزية والعربية، إضافة إلى الألمانية والروسية في ولايات يكثر فيها عدد الزوار من تلك الجنسيات، وكذلك أصحاب المحلات والعقارات". 
ويعدد جوناي بعض أسباب عدم استكمال مسيرة الثمانينيات في نشر اللغات الأجنبية بأن "أولها عدم بقاء حزب الوطن الأم فترة طويلة في السلطة، إذ خرج منها عام 1989، ما أعاد حال شبه الانغلاق إلى السياسة العامة للدولة، والسبب الثاني طبيعة الفكر القومي التي منعت نقل العلوم إلى اللغات الأجنبية، والذي تأثر أيضاً بعدم وجود كفاءات تركية لتدريس اللغات ونشرها. وهكذا استصعب المواطن التركي تكلم اللغة الإنكليزية، وأحجم عن تعلمها". 

الصورة
يتكبد التجار خسائر من عدم تكلم لغة أجنبية (بوراك كارا/ Getty)
يتكبد التجار خسائر من عدم تكلم لغة أجنبية (بوراك كارا/ Getty)

ويصنّف جوناي اللغة التركية ضمن عائلة اللغات المنغولية التي تضم المنغولية والتتارية والتركية الحالية، وتتشابه كثيراً مع اللغة الفارسية التي استقت عبارات وكلمات منها على غرار الفرنسية والعربية، بفعل التجاور والتشارك في الدين، لكنه يفرّق بين اللغتين العثمانية التي كانت تكتب بحروف عربية وتستخدم أكثر من 6 آلاف كلمة عربية، وبين اللغة التركية الحالية التي بدأت مع التوجه القومي، وربما الانغلاق الداخلي، وهو ما يعتبره السبب الأهم في عدم إجادة اللغات قبل أن يتبدل الحال خلال العقدين الأخيرين، بعد تكثيف حصص اللغات في المدارس وانتشار تلك الدولية في تركيا، وأيضاً بدء جامعات في التدريس باستخدام اللغة الإنكليزية وحدها، لذا لا يمكن تصنيف الجيل الشاب الحالي بأنه يجهل اللغات، وثمة أتراك من جيل الشباب يتعمدون الحديث باللغة الإنكليزية في جلساتهم الخاصة". 
ولا يقلل جوناي من أهمية تأثير الانفتاح التركي والاقتصادي في فرض ضرورة تعلم اللغات الأجنبية، ويقول: "إجادة اللغة الإنكليزية على سبيل المثال تكاد تكون عامل جذب إضافياً للسياح والمستثمرين في تركيا، في حين كان موظفو شركات السياحة ودوائر الاستثمار، وحتى أكاديميين وسياسيين يجهلون تكلم أي لغة غير التركية في ظل تتريك التعليم بالكامل، ودبلجة الأفلام ومسلسلات الدراما العالمية إلى التركية، وانتشار المترجمين في جميع الدوائر والأماكن التي يقصدها غير الأتراك". 

"أرابجا إنكليزجي يوك"
لكن ذلك لا يمنع السائح السعودي إسماعيل الهيبي من القول لـ"العربي الجديد": "أصبنا بعقد من الرد علينا بكلمتي أرابجا يوك (لا عربية) وإنكليزجي يوك (لا إنكليزية)، ولم نستطع التعامل مع الباعة وسائقي إسطنبول الذين لا يتكلمون غير لغتهم، ولا يعرفون الإنكليزية". 
ويرى الهيبي أن "عدم انتشار لغات غير اللغة التركية عامل إضعاف للسياحة في تركيا الساحرة بطبيعتها وطعامها، والمعاملة الجيدة لشعبها. وقد تعمدنا خلال وجودنا فيها قصد شبان صغار موجودين في المحلات ليكونوا صلة وصل بيننا وبين الباعة، وقد واجهنا مواقف محرجة وتكبدنا خسائر مادية بسبب عدم توفر لغة تواصل بيننا وبين الأتراك".

قضايا وناس
التحديثات الحية

"أنتم غرباء"
ويرد السوري حسن فاضل، الذي يقيم في القسم الآسيوي من إسطنبول، على سؤال "العربي الجديد" عن عدم إجادة أتراك غير لغتهم، بدعابة أن "الأتراك مضطرون إلى تعلم العربية، فيما أجد شخصياً صعوبة كبيرة في تعلم اللغة التركية بسبب قواعدها المختلفة، وكونها لغة صوتيات. وقد اكتفيت خلال 8 سنوات من إقامتي في تركيا بتعلّم كلمات وعبارات محددة تسهّل حياتي اليومية في التعامل مع باعة المحلات ومسؤولي المدارس والمراكز الطبية. وعموماً يكشف الأتراك هويتنا فوراً من لهجة حديثنا للغتهم، ويقولون لنا سان يا بانجي، أي أنتم غرباء". 
ويرى فاضل أن "الأتراك غير متعصبين للغتهم، ويحاولون تعلم كلمات عربية ينطقونها بشكل غريب، والجيل الشاب يجيد الإنكليزية". 
واللافت أن مؤسس الجمهورية التركية أتاتورك الذي ألغى استخدام الحروف العربية واعتمد تلك اللاتينية في اللغة التركية، وأسس جمعية خاصة بهذه التركية عام 1932 من أجل إصلاحها واستبدال الكلمات العربية والفارسية، تحدث نفسه باللغة العثمانية في خطاب شهير ألقاه أمام البرلمان التركي عام 1927. واستغربت الأجيال اللاحقة بعض كلمات هذا الخطاب، ما اضطر تركيا إلى ترجمته إلى اللغة المعاصرة ثلاث مرات، في أعوام 1963 و1986 و1995.

المساهمون