موريتانيا: دعوات رئاسية للحوار تنتظر موافقة المعارضة

05 يناير 2015
الرئيس يريد حواراً انطلاقاً من نقاط مشتركة (فرانس برس)
+ الخط -

يبدو أن الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز يستشعر بحجم الأزمة التي تمرّ بها البلاد، ما دفعه للإعلان عن استعداده للحوار مع القوى السياسية المعارضة انطلاقاً من "النقاط المشتركة"، حسب تعبيره.

وأكد ولد عبد العزيز في حفل في مدينة شنقيط التاريخية أمس الأحد "استعداده التام لحوار سياسي يهدف إلى تحقيق مصلحة البلد"، معتبراً أن الوحدة الوطنية النابعة من الإسلام هي "صمام أمان" المجتمع الموريتاني ضد دعوات الكراهية والتفرقة، ومشدداً على أن انتهاج نظامه للديمقراطية واحترام حقوق الانسان "لم يأتِ خوفاً من المنظمات الحقوقية الغربية".

إعلان الرئيس عن استعداده للحوار مع المعارضة، يأتي بعد يوم واحد من إعلان "منتدى المعارضة" رفضه إجراء انتخابات التجديد الجزئي لثلثي مجلس الشيوخ من دون تشاور مع المعارضة. واتهم المنتدى في بيان له النظام بالهروب إلى الأمام "وبالأحادية" في اتخاذ القرارات.

وكان الرئيس الموريتاني أبلغ في وقت سابق، زعيم المعارضة الحسن ولد محمد، عن استعداده للحوار مع منتدى المعارضة، واشتكى له من عدم تجاوب أطراف داخل المعارضة مع دعوات الحوار، بحسب مصدر داخل المعارضة.

كما تأتي هذه الدعوة للحوار بعد أن تحدثت مصادر سياسية لـ "العربي الجديد" عن وجود اتصالات ولقاءات بين ولد عبد العزيز وقادة أحزاب "المعاهدة من أجل التغيير"، لضمان مشاركتهم في انتخابات مجلس الشيوخ، في ظل مقاطعة متوقعة من منتدى المعارضة. وتضم "المعاهدة" مجموعة من الأحزاب المعارضة التي سبق لها أن أجرت حواراً سياسياً مع النظام في عام 2011، وتُعرف إعلامياً بـ "معارضة الوسط".

وينشط الرئيس الدوري لأحزاب "المعاهدة" مسعود ولد بلخير، منذ فترة لإطلاق مبادرة للحوار بين النظام ومنتدى المعارضة. وكشفت وسائل إعلام محلية عن بعض بنود هذه المبادرة، والتي ترتكز على إجراء انتخابات تشريعية ورئاسية مبكرة كما تطالب المعارضة، على أن يتم تعديل الدستور بما يسمح للرئيس الموريتاني بإعادة الترشح للرئاسة مرة جديدة، ورفع سن الترشّح لفتح المجال أيضاً أمام بعض قادة المعارضة الذين لم تعد أعمارهم تسمح لهم بالترشح للرئاسة من جديد.

وعلى الرغم من عدم تأكيد هذه الأنباء، إلا أنها أثارت حفيظة النشطاء الموريتانيين وعززت المخاوف بشأن ما يمكن أن تجرّه سياسة المقايضة هذه من مخاطر على البلاد.

ويقول المحلل السياسي محمد الأمين ولد سيد مولود، لـ "العربي الجديد"، إن "دعوة الرئيس الموريتاني إلى الحوار تعكس شعوره بوجود أزمة فعلية على الرغم من نفي نظامه المتكرر هذا الأمر"، معتبراً أن "هذه الدعوة ستبقى محل شك بجديتها ومصداقيتها، ما لم يثبت العكس".

ويحدد ولد سيد مولود "الضمانات الأساسية لأي حوار ناجح"، بألا يكون من بنود الحوار المرتقب لا من قريب ولا من بعيد تغيير الدستور، وخصوصاً المادة التي تحدد فترة الرئيس في ولايتين، لأن الرئيس الحالي هو الآن في ولايته الأخيرة، وأن تُسند محاربة الفساد المنتشر في المؤسسات العامة إلى جهات مستقلة وذات مصداقية وصلاحيات، خصوصاً مع الفضائح الأخيرة التي أدت إلى هدر المليارات من المال العام، إضافة إلى ضرورة ابتعاد المؤسسة العسكرية نهائياً عن السياسة، وأن تُتخذ إجراءات ملموسة تضمن حياد الإدارة واستقلال القضاء بشكل يعيد مصداقية هاتين المؤسستين.

ووفق ولد سيدي مولود، فهذه الخطوات "هي التي قد تشجع المعارضة الموريتانية الجادة، ممثلة في منتدى المعارضة، على الدخول في الحوار، وإلا فإن هذه الدعوة ستبقى كسابقاتها مجرد استهلاك إعلامي واستعراض من الرئيس كما دأب عليه في بعض إطلالاته الإعلامية".

وقد جرت في السابق العديد من الحوارات بين النظام والمعارضة، آخرها قبل الانتخابات الرئاسية، ولكنها فشلت في التوصل إلى حل.

ولا يُعرف مدى جدية الأطراف السياسية الموريتانية، موالاة ومعارضة، في حديثها المتكرر عن الحوار، ولكل من هذه الأطراف أولوياته وأهدافه، فالنظام الحاكم يعتبر نفسه خارجاً للتو من انتخابات تشريعية ورئاسية كرّست هيمنته السياسية، ووفرت له أغلبية نيابية مريحة وجددت للرئيس لولاية ثانية، وبالتالي فهو يريد من أي حوار مقبل أن يكون تحت سقف هذا الواقع وليس من أجل إعادة إجراء الاستحقاقات الانتخابية.

أما المعارضة في المنتدى، والتي قاطعت الانتخابات باستثناء حزب "تواصل"، فهي تريد حواراً على أساس أن الانتخابات الماضية كانت أحادية وتفتقر لمشاركة المعارضة، وبالتالي لا مناص من إعادتها وفق قواعد متفق عليها.

أما أحزاب المعاهدة فهي لم تحقق نتائج تذكر من الانتخابات التشريعية، على الرغم من مشاركتها فيها، فتتعلق بحبل الأمل من أجل التوسّط بين الطرفين بحثاً عن دور مناسب ولترويج خطاب معارض معتدل.