الحملة العالمية للتضامن مع المعتقلين السوريين: لا تفاوض على تحرير المدنيين

10 ديسمبر 2018
الحملة ستتواصل حتى تحرير جميع المعتقلين(زكريا عبد الكافي/فرانس برس)
+ الخط -


عقدت في العاصمة الإسبانية مدريد، وفي العديد من المدن الأوروبية والتركية، إضافة الى الداخل السوري، السبت الماضي فعاليات متنوعة للتضامن مع المعتقلين في سجون النظام السوري، والذين يزيد عددهم عن نصف مليون معتقل وفق تقديرات المنظمين. وقال المنسق العام لاتحاد التنسيقيات في سورية، زكوان بعاج، لـ"العربي الجديد"، إن الحملة العالمية لتحرير المعتقلين السوريين، تحت شعار "قافلة القلوب البيضاء لتحرير المعتقلين السوريين"، تأتي للرد على تقاعس المجتمع الدولي نحو السوريين بشكل عام والمعتقلين والمغيبين قسراً بشكل خاص. وأضاف "جاءت حملتنا لتذكير المجتمع الدولي بمسؤولياته، خصوصاً الدول الكبرى الأعضاء في مجلس الأمن الدولي لتحمل مسؤوليتهم وحماية الشعب السوري، ومن أجل البحث عن حل لتحرير المعتقلين السوريين، خصوصاً أنه لم يتم تحقيق أي إنجاز لهم من خلال هيئة التفاوض ومسار أستانة. وتم تشكيل هيئة حقوقية للمتابعة وتنسيق الجهود لخدمة قضية المعتقلين".

وتضمنت فعاليات أول من أمس عقد مؤتمر حقوقي في مدريد، كما في عشرات العواصم والمدن في العالم وداخل سورية في الوقت ذاته. وقال البيان الختامي للمؤتمر إن "سورية وطن معتقل منذ خمسة عقود، لا حرية فيها إلا لمافيات سلطة الطغيان الأسدي الكيماوي، ومافيات أسياده وتفرعاته السوداء ومقتلة فريدة لشعب معروف بقيمه الحضارية". واستنكر البيان صمت العالم عن هذه "المأساة الإنسانية الكبرى، وهو صمت يتضمن التشجيع على هذه الجرائم"، مشيراً إلى أن الاعتقال في سورية "ليس حاجة دفاع عن دولة أو محاولة مشروعة لفرض الاستقرار في المجتمع، بل هو سلوك مرضي متأصل مسعور وفلسفة سلطة أسدية في تدمير وطن وإبادة شعب".

واعتبر البيان أن إخفاء الرقم الحقيقي للمعتقلين، والذي يتجاوز بكثير الأرقام الموثقة، "مأساة وطنية وإنسانية بحد بذاته". وقدر عدد المعتقلين بأكثر من نصف مليون شخص، تم الإجهاز على الكثير منهم، ومن يخرج حياً يكن مصاباً بعاهات دائمة وأمراض اجتماعية. وأكد البيان أن هذه القضية كانت تتطلب"جهودا جدية وفعالة، وأداء سياسيا مختلفا من قبل هياكل المعارضة والتفاوض، والتزاماً حاسماً لا يسمح بأي تجاهل أو تنازل أو تسويف تحت أي حجة، كونها قضية فوق التفاوض حتى وفق قرار مجلس الأمن 2254". وأوضح أن الحملة القانونية والشعبية في مدريد ومختلف النقاط، داخل وخارج الوطن، قررت مواصلة الحملة المنظمة تحت شعار "قافلة القلوب البيضاء لتحرير المعتقلين" حتى تحرير آخر معتقل سوري ومعرفة مصير المغيبين قسراً، وتشكيل هيئة حقوقية للمتابعة وتنسيق الجهود لخدمة قضية المعتقلين السوريين والمغيبين قسراً، وحقوق اللاجئين وملاحقة المجرمين وتطبيق العدالة. ولتحقيق ذلك تم إطلاق مبادرة من اتحاد تنسيقيات السوريين حول العالم تقضي بتشكيل لجنة تأسيسية كنواة للعمل. ورأى البيان أنه "لم يعد من المقبول الاستكانة لروسيا في تعطيل مجلس الأمن إزاء كل القرارات المتعلقة بالنظام السوري، وإهمال واقع أنها دولة محتلة ومشاركة في أعمال القتل بحق الشعب السوري، وكذلك الدور الإيراني".



وكان المؤتمر تضمن إلقاء كلمات لمشاركين يمثلون منظمات حقوقية وإنسانية وشخصيات من المعارضة السورية، إضافة إلى التواصل مباشرة مع ممثلي التنسيقيات في الداخل السوري ونقل شهادات حية لمعتقلين سابقين في سجون النظام وتنظيم "داعش". واعتبرت كلمة اتحاد التنسيقيات السورية أن سلطات النظام "ما زالت، ومنذ عقود، تستخدم الاعتقال التعسفي والإخفاء القسري في السجون والمعتقلات السرية والقتل تحت التعذيب، كوسيلة ردع لأي إنسان يتجرأ على السلطة الحاكمة أو بعض أجهزتها الأمنية، أو شخوصها برأي أو موقف أو لمجرد الشبهة والوشاية فقط". وأشارت إلى توسع تلك الممارسات خلال سنوات الثورة السورية لتشمل جميع فئات وشرائح الشعب السوري، سواء أكان معارضاً أم غير ذلك، "بمن فيهم الأطفال والنساء وكبار السن والمرضى وجميع الفئات العمرية الأخرى كوسيلة ردع وتخويف استباقي". ولفتت إلى أنه لا يمكن حصر أعداد المعتقلين بشكل دقيق، لأن الأهالي يخافون من الإعلان عن أسماء أبنائهم المعتقلين خوفاً عليهم من انتقام النظام، إلا أن التقديرات تتجاوز نصف مليون معتقل على الاقل. وأعرب اتحاد التنسيقيات عن أمله بأن يؤدي "التعاطف الشعبي الدولي الواسع مع المعتقلين السوريين إلى إجبار حكومات الدول الكبرى للضغط على نظام بشار الأسد للكشف عن مصيرهم، والسماح لأهاليهم ولمحاميهم بزيارتهم وتحويلهم للمحاكم، وتسليم جثامين من قتل منهم، إذ سلمت السلطة الغاشمة بيانات وفاة آلاف المعتقلين بعد أن قتلتهم بدم بارد، بالإضافة لإصدارها مرسوماً بأن من فقد منذ أكثر من أربع سنوات يعتبر بحكم المتوفي، وذلك تهرباً من مسؤولياتها والتغطية على جرائمها".

ولفتت الكلمات، التي ألقيت خلال المؤتمر، إلى أن الخوف من الاعتقال كان ولا يزال هاجس السوريين المقيمين في سورية، أو الذين يرغبون بالعودة إليها، لأنهم يدركون أن النظام لا توجد لديه حدود في التصفية المباشرة أو الإخفاء القسري ومن دون إعلام ذويه نتيجة تقرير أو شبهة، و"هذا ما يجعل عودة السوريين إلى سورية، مع بقاء النظام الفاشي الإجرامي، شبه مستحيلة". وأكدت أن إطلاق سراح المعتقلين ليست عملية قابلة للتفاوض حسب القرار 2254 وغيره، كما رفضت مبادلة المعتقلين مع معتقلي النظام الموجودين عند المجموعات المسلحة كأسرى حرب كما تم في أستانة أخيراً، فالمعتقلون هم مواطنون سوريون تم اعتقالهم في وطنهم وليسوا أسرى حرب وعلى النظام إطلاق سراحهم، خصوصاً أن من اعتقل في بداية الثورة بجرم مشاركته بالتظاهرات قد أنهى محكوميته. وأشارت إلى أن المفاوضات لم تنجح سوى في الإفراج عن عشرة معتقلين من أصل مئات الآلاف. وطالب بعض المتحدثين وفد المعارضة في جنيف بعدم استئناف المفاوضات قبل إطلاق سراح جميع المعتقلين، لافتين إلى أن غالبية المفرج عنهم من سجون النظام هم من العسكريين وحملة السلاح، بينما يتمسك النظام بالمدنيين والنشطاء السلميين، كوسيلة لتحطيم المجتمع وشل إرادته. وحث المعارض السوري، ميشيل كيلو، على مأسسة الحراك الثوري السلمي، وتأسيس هيئة وطنية للمعتقلين السوريين. وأكد أن العالم لن يرتاح سياسياً ولا أخلاقياً إلا بالسماح بأن يكون للسوريين حصة في وطنهم.

وروى معتقلون سابقون لدى النظام، بينهم مروان العش وسحر زعتور ونجاح سرحان، تفاصيل عمليات التعذيب الفظيعة داخل سجون النظام. وينظم هذه الحملة اتحاد تنسيقيات السوريين حول العالم، بالتعاون مع العديد من المنظمات الحقوقية الدولية، مثل "الشبكة الحقوقية الدولية لدعم العدالة في سورية" و"المركز السوري للدراسات والأبحاث القانونية" و"الهيئة السورية للعدالة والإنقاذ الوطني" و"الهيئة السورية لفك الأسرى والمعتقلين" و"منظمة كافي الدولية لحقوق الإنسان" و"AAFI O.N.G International Human Rights" و"المنظمة الدولية لإغاثة الطفل" و"O.N.G International S.O.S Children". كما أعلنت العديد من المنظمات الحقوقية السورية مشاركتها في الحملة مثل "الشبكة الحقوقية الدولية لدعم العدالة في سورية" ومنبر "مسار للديمقراطية والحداثة".