"بوكو حرام": ذريعة جديدة للتدخّل في جنوب ليبيا

06 يناير 2015
تخطط "بوكو حرام" للتوسّع من تشاد باتجاه ليبيا(فرانس برس)
+ الخط -

قليلاً، وتُصبح القارة الأفريقيّة ساحة صراعات اقليميّة واسعة، انطلاقاً من الجنوب الليبي. هناك كلّ الحكاية، التي تختصر جوهر القتال في ليبيا، بالنسبة إلى دول عدّة. ليست فرنسا أولها، ولا دول الساحل الأفريقي آخرها. "بوكو حرام" تبقى العنوان العريض للنزاع الآتي. انطلقت الجماعة في نيجيريا، ورسّخت نفوذها بدمويتها وعنفها. تمكنت من المحافظة على وجودها، على الرغم من مكافحة السلطات النيجيريّة لها. وسّعت نطاقها الجغرافي لتطال الكاميرون المجاورة. لكن ياوندي لم ترحمها، واستهدفتها بالطائرات، لتقرر الجماعة "النزوح". ومن بوابة بحيرة تشاد، على الحدود مع نيجيريا، تنوي "بوكو حرام" توسيع أفقها، وصولاً إلى الجنوب الليبي.

تلك الخطوات تذكّر بتنظيم مشابه في الشرق الأوسط، انتقل في غضون بضعة أيام من مجموعة مسلّحين يقاتلون على جبهة في شمال مدينة حلب السورية، إلى دولة خلافة، عابرة للحدود العراقيّة ــ السورية: "داعش". توسّع "بوكو حرام" يثير القلق كثيراً، تحديداً للدول الخمسة التي اجتمعت في موريتانيا، أواخر ديسمبر/كانون الأول الماضي. فلكل من موريتانيا ومالي والنيجر وبوركينا فاسو وتشاد همومها من "بوكو حرام" أو أمثالها، ولكل منها قصتها الخاصة مع التنظيمات المشابهة.

وفي مطالبة الدول الخمس بالتدخل الأجنبي في جنوب ليبيا، فرصة حقيقية للقضاء على كل ما يُمكن أن يؤدي إلى ضرب الاستقرار في بلادهم. وإذا كان لموريتانيا ومالي والنيجر وبوركينا فاسو، حسابات تتراوح بين المحافظة على الحكم أو الاهتمام بالسياحة أو الخطوط النفطيّة، فإنّ لتشاد حساباً قديماً من أيام العقيد الليبي معمّر القذافي، تريد الانتهاء منه الآن.
الجميع يحتاج إلى ذريعة. تماماً، كما حدث في مدينة الموصل العراقيّة. يريدون أن تلاقي "بوكو حرام"، بعضاً من قبائل التُبو الليبية في جبال تيبستي الجرداء، وكذلك بعضاً من قوات الطوارق، الذين يشابهون الأكراد في الشرق الأوسط. شعب من دون دولة، رغم تلاصق تمدّده الديمغرافي. فالتلاحم بين تلك المجموعات سيؤدي حكماً، إلى تدعيم حجّة التدخل الأجنبي في الجنوب الليبي. لن يحصل ذلك مجاناً، إذ لم يعد سراً معرفة أنّ في الجنوب الليبي بحراً من النفط، تريد فرنسا الوصول إليه قبل الصين. وفي ظلّ انخفاض أسعار النفط العالميّة، بات هدف الوصول إلى المنابع النفطيّة في الجنوب الليبي، أولوية أكثر من ذي قبل. فالأسعار سترتفع في مرحلة لاحقة، ولن تبقى على ما هي عليه، وباريس ترغب في أن تكون في قلب لعبة الأسعار حين يحين الوقت.

على هذا الملعب أسفل الصحراء الأفريقيّة الكبرى، يبدو الوضع معقداً بعض الشيء. لا تريد الجزائر أيّ نوع من أنواع التدخّل الأجنبي، وذلك بعد إعلان حربها على "جند الخلافة"، التي كشّرت عن أنيابها عبر قتل الدليل السياحي الفرنسي إيرفيه غورديل في أكتوبر/تشرين الأول الماضي. للجزائر همومها. لا تستطيع تحمّل "جند الخلافة"، والطوارق معاً، وامكانية هروب الجميع من الجنوب لليبي إليها في حال بدأ الهجوم الدولي في وقتٍ ما. بالنسبة إلى السودان، فإن المسألة ستزيد الوضع قتامة، فالاستقرار لم يعرف طريقه بعد إلى اقليم دارفور، المتاخم للحدود الشرقيّة لتشاد. والرئيس السوداني عمر البشير لن يعنيه الأمر، فتركيزه منصبٌّ على الجنوب، وفي الداخل هذه الأيام. أما مصر، فستكون أمام فرصة جديدة في تأدية دور شبيه بدور الأردن، في مسألة "داعش". مؤتمرات حوارية، أو لقاءات قمم، أو ممر لطائرات عسكرية فرنسية، بعد اتفاق الرئيسين المصري عبد الفتاح السيسي والفرنسي فرانسوا هولاند، على "محاربة الارهاب في ليبيا"، أثناء زيارة السيسي إلى باريس في 26 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي.

أما المعني الأهم، ليبيا، فتبدو غير قادرة على تقرير مصيرها، لا بل تبدو مستسلمة تماماً للعنف الدائر على أرضها، في ظلّ الصراعات الدستوريّة والميدانيّة. وسبق أن تلقّى الليبيون تهديداً على لسان نائب وزير الخارجية الأميركي السابق، وليام بيرنز، قبل تقاعده. هدد بيرنز في مارس/آذار الماضي، بإمكانية تأمين الغطاء الأممي لأي تدخل عسكري أجنبي في ليبيا، "في حال لم يتفق الليبيون على تجاوز خلافاتهم". الآن، انغمست ليبيا في خلافات متجددة، لا يبدو أي حوار داخلي، في غدامس أو غيرها، قادراً على معالجتها.

الجديد في الحالة الليبية، هو الصين. فبكين، التي عملت وتعمل بصمت في القارة السمراء، تجد في المسعى الفرنسي الحالي محاولة لضرب نفوذها المتنامي. ولذلك، تبدو واشنطن أقرب إلى النظرة الفرنسيّة. فوصول الصين إلى القارة الأفريقيّة، سيجعلها تقرع أبواب أوروبا لاحقاً، وهو ما لن تستطيع الولايات المتحدة تحمّله، هي التي شاركت في حربين عالميتين سابقتين بغية "تحرير" القارة العجوز من السطوة الألمانية.

لم يقضِ أحد على "داعش" لحظة تمدّده، بل تُرك حتى نما وكبر، قبل إعلان هجمات التحالف الدولي، وما يليه من خطوات غربيّة. كذلك "بوكو حرام"، ستُترك لتنمو وتكبر، قبل أن تنتظر باريس ضوءاً أخضر من دول أفريقيّة، لشنّ الهجمات على الجنوب الليبي. لم تعد المسألة في إمكانية قيادة فرنسا تدخلاً عسكرياً أوعدمها، بل بات السؤال "متى ستتدخّل فرنسا؟".

المساهمون