حزب الله ــ إسرائيل: انتهاء زمن رسائل "الحرب الباردة"

29 يناير 2015
يستوجب التوتر الحاصل على الحدود ردود فعل متبادلة (الأناضول)
+ الخط -

آن لهدوء الجبهة الجنوبية بين لبنان وإسرائيل أن ينتهي، على وقع كل ما يحصل في المنطقة من حروب وجبهات داخلية في سورية والعراق واليمن. انتهى زمن الرسائل الأمنية بين حزب الله وإسرائيل وأصبحت الحرب على الأبواب. لم يعد إطلاق صاروخ عشوائي على مستعمرات العدو يشفي الغليل من غارات إسرائيلية متكررة على مقاتلي حزب الله، والعكس. قتلت إسرائيل ستة مقاتلين من حزب الله وضابطاً إيرانيّاً في غارة القنيطرة، عند الحدود السورية الفلسطينية في 18 يناير/كانون الثاني الجاري، فجاء الردّ من جنوب لبنان. بما في ذلك من تأكيد تلازم الجبهتين اللبنانية والسورية في الحرب ضد إسرائيل، للمرة الأولى منذ حرب عام 1973.

نام الجولان السوري وحدود سورية مع فلسطين في ظل هدوء اتفاق الهدنة بين النظام السوري ودولة إسرائيل منذ عام 1974، ليعود ويتحرّك اليوم على وقع تحركات حزب الله في تلك المنطقة. وفي حين لا تزال آثار العدوان الإسرائيلي الأخير على لبنان في يوليو/تموز 2006، حاضرة عسكريّاً وسياسيّاً واجتماعيّاً، تأتي عملية شبعا الأخيرة لتشرّع الأبواب أمام مجهول من لهب ونار على الجبهة اللبنانية.

وعلى الرغم من الخطابات المتكررة للأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله، عن "استعداد المقاومة للرد على أي عدوان بالدخول إلى الجليل وما بعده" (في 15 يناير/كانون الثاني الجاري)، فإنّ الظروف التي يعيشها الحزب ليست هي نفسها لتمكّنه من تكرار سيناريو عام 2006 لجهة منع إسرائيل من تحقيق انتصار. حتى أنّ مقارنة العدوان الأخير مع ما يمكن أن يحصل اليوم لا تجوز بالمطلق، نتيجة الكثير من المتغيّرات التي طرأت إقليميّاً وعربيّاً ولبنانيّاً، على المستويات كافة.

أولاً، وسّع حزب الله رقعة نشاطه لتشمل الأراضي السورية بدءاً من كسب (شمال غرب سورية) وصولاً إلى درعا والقنيطرة (أقصى الجنوب)، مروراً بمدينتي حلب ودمشق والقلمون على الحدود الشرقية مع لبنان. كما كشفت التوترات الحاصلة في العراق تقديم الحزب مساعدات لوجيستية للمليشيات العراقية، بالإضافة إلى دور استشاري لعدد من قياديي الحزب في بغداد والبصرة. كما أنّ عين نصر الله توجّهت إلى البحرين، إذ قال قبل أسبوعين في معرض حديثه عن كون الثورة البحرينية "لم تنحدر إلى العنف ليس لأنه لا يمكن استخدام السلاح في البحرين أو إيصاله للمقاتلين، بل لكون القادة السياسيين فيها يصرون على المسار السلمي". بما معناه أنّ الحزب، أو المحور الذي يمثله الحزب قادر على مدّ المعارضة البحرينية بالسلاح لمواجهة النظام فيها. يقود هذا الواقع إلى القول، إنّ حزب الله بات مشغولاً على أكثر من جبهة أمنية وعكسرية وسياسية، ومنتشراً على مساحة جغرافية واسعة تستوجب منه أضعاف ما كان مطلوباً منه فعله قبل تسعة أعوام.

ثانياً، على المستوى الميداني، لم يعد للحزب أرض تنصره عكسريّاً كما كانت الحال عام 2006. كانت تأتي الإمدادات العسكرية المختلفة للحزب عن طريق سورية، بينما اليوم الحزب مشغول في الدفاع عن النظام السوري والمحافظة عليه وعلى مواقعه ومراكزه. حتى أنّ الحزب تلقى أكثر من ضربة أمنية وعسكرية من العدو على الأرض السورية، أكان في اغتيال القائد العسكري في الحزب عماد مغنية (12 فبراير/شباط 2008)، أو في استهداف الطيران الإسرائيلي لشاحنات ومواكب للحزب طيلة السنوات الأربع الماضية؟

ثالثاً، لا تبدو الساحة اللبنانية مهيأة لحرب ضد إسرائيل تحديداً في البيئة التي تختلف جذريّاً مع حزب الله سياسيّاً حول الملفات الداخلية وإدارة البلد أو حتى تجاه الثورة السورية. في يوليو/تموز 2006 فتحت العاصمة بيروت أبواب مدارسها ومجمّعاتها للنازحين من نار العدوان في الجنوب والضاحية الجنوبية لبيروت (الخزانان البشريان للحزب). لكن ما تبع العدوان في السنوات السياسية من أعوام 2007 إلى اليوم يؤكد أنه صعب لهذه الأبواب أن تُفتح بذلك الرحب من جديد. إذ لا تزال تكمن آثار اجتياح حزب الله لبيروت في مايو/أيار 2008، كما أنّ إقصاءه لزعيم تيار المستقبل، سعد الحريري، عن الحكم عام 2010 لا تزال مفاعيله سارية. يضاف إلى كل ذلك قتال حزب الله في سورية ودعمه النظام في وجه المعارضة السورية. لمن يغيب عنهم واقع الأمور في لبنان، فإنّ المجتمع المتعدّد في بيروت أصابته حمّى توزيع الحلويات لدى وقوع المصائب والجرائم لدى الخصوم؛ وزّع أنصار الحزب الحلوى ابتهاجاً بقتل رئيس فرع المعلومات في قوى الأمن الداخلي اللبناني، اللواء وسام الحسن، عام 2012. كما فعل جمهور المستقبل الأمر نفسه لدى تفجير أكثر من سيارة مفخخة في الضاحية الجنوبية.

كل هذا الواقع يقود إلى القول إنّ حزب الله غير مرتاح داخليّاً وخارجيّاً للوقوف في وجه عدوان إسرائيلي جديد، ولو أنّ تلويحه بعشرات آلاف الصواريخ قد يكون رادعاً أمام أي تهوّر إسرائيلي باتجاه الأراضي اللبنانية.

يوضح مسار المواجهة الأمنية بين حزب الله وإسرائيل بأنّ التوتر الحاصل، اليوم، على الحدود يستوجب ردود فعل متبادلة. منذ اغتيال مغنية عام 2008، شهدت الحدود الكثير من العمليات على الجبهة اللبنانية أو داخل الأراضي السورية. فبينما عمد الجيش الإسرائيلي إلى استهداف شحنات أسلحة قرب العاصمة السورية في ثلاث مناسبات، بين يناير/كانون الثاني وأكتوبر/تشرين الأول 2013، ردّ الحزب بتفجير عبوات ناسفة بقوات إسرائيلية راجلة بالقرب من الحدود اللبنانية في أغسطس/آب ونوفمبر/تشرين الثاني من العام نفسه. وتلا ذلك اغتيال القيادي في حزب الله، حسان اللقيس، في 4 ديسمبر/كانون الأول  2013، في مرآب منزله في ضاحية بيروت الجنوبية كان لها بصمات إسرائيلية وتوعّد الحزب بالرد على العملية. 

وفي عام 2014، استمرّ الحوار الأمني بين الطرفين، فكررت إسرائيل استهداف شحنات للحزب على الأرض السورية، في فبراير/شباط وديسمبر/كانون الأول، وصولاً إلى استهداف قافلة للحزب في القنيطرة قبل عشرة أيام أدت إلى مقتل ضابط إيراني وستة مقاتلين من الحزب أبرزهم جهاد مغنية، نجل عماد مغنية. كما شهدت الحدود اللبنانية مع فلسطين المحتلة، منذ 2006 إلى اليوم، حالات إطلاق صواريخ "لقيطة" باتجاه المستعمرات لم تتبنها أية جهة حزبية أو سياسية.

المساهمون