محاكمة القرن: النيابة قدمت أدلة براءة مبارك ومعاونيه

30 نوفمبر 2014
صدمة لدى أهالي الضحايا من القرار (العربي الجديد)
+ الخط -

كأن ثورة 25 يناير لم تقم في مصر، وأن 1057 قتيلاً لم يسقطوا ولا آلاف المصابين، تعرض المئات منهم لعاهات دائمة، وكادت تزهق أرواحهم من أجل إسقاط حسني مبارك. وكأن الأخير ونظامه لم يرتكبا أي جريمة خلال أيام الثورة أو في أعقابها، أو أن وزارة الداخلية وقناصيها وبلاطجتها لم يطلقوا أي رصاصة تجاه الثوار المصريين الذين ملأوا الشوارع لأيام وأسابيع، بحثاً عن عدالة لا تزال بعيدة المنال في ظل قضاء اختار تبرئة الرئيس المخلوع حسني مبارك ونجليه علاء وجمال ووزير الداخلية الأسبق، حبيب العادلي، و6 من كبار مساعديه، في قضية قتل المتظاهرين بثورة 25 يناير.

القاضي محمود كامل الرشيدي الذي بدا واثقاً من نفسه و"عدالة حكمه"، كرر أمس السبت، للمرة الثانية "الاستعراض" قبل النطق بالحكم الذي جاء بعد نحو 1300 يوم على بدء محاكمة المخلوع تخللتها 100 جلسة محاكمة، من ضمنها قرابة 25 جلسة سريّة، وذلك على غرار ما فعل في 27 سبتمبر/أيلول الماضي عندما استغرق قرابة نصف ساعة من التبريرات للإعلان عن قراره بتأجيل النطق في ما يعرف بـ"قضية القرن".

كما حوّل القاضي أمس السبت جلسة النطق بالحكم إلى مهرجان لتقديم الجوائز وتكريم النيابة وإدانة الشعب، إذ لجأ الرشيدي إلى "منح الأوسمة للنيابة العامة"، في ما بدا أنه مكافأة على كل الأخطاء التي ارتكبتها منذ تكليفها بالقضية، إذ قدمت جميع الأدلة الكفيلة بتبرئة مبارك ورموز حكمه، عوضاً عن أدلة ادانتهم.

كذلك حرص القاضي على ضمان ترهيب الحاضرين للجلسة، مانعاً إياهم من إبداء أي ردة فعل قبل رفع الجلسة في أعقاب نطقه بالحكم الذي انقسمت ردود الفعل عليه، على الرغم من أنه قرار متوقع في ظل مسار الأحداث في البلاد، وخصوصاً منذ الانقلاب الذي شهدته مصر في الثالث من يوليو/تموز 2013، والذي أعاد حكم العسكر.
وتراوحت ردود الفعل بين فرحة غمرت مبارك وأنصاره وأنصار العادلي في وزارة الداخلية التي شهد ديوانها العام حالات من الفرح وتبادل تهان، فور صدور قرار محكمة جنايات القاهرة بتبرئة وزير الداخلية الأسبق ومساعديه، فيما انتشرت أنباء عن توزيع كبار القيادات الحلوى احتفالاً بالقرار القضائي، في مقابل حسرة لأهالي الشهداء وغضب عارم من قبل القوى الثورية التي توعدت بالعودة إلى الشارع.

وبموجب قرار الأمس، بات الرئيس المخلوع على بعد شهرين من الخروج من السجن، بحسب ما أكدت مصادر لـ"العربي الجديد" التي أشارت إلى أن "فترة الحبس الاحتياطي التي أمضاها الرئيس المصري المخلوع حسني مبارك، على ذمة اتهامه بقضية قتل المتظاهرين، خلال أحداث ثورة الخامس والعشرين من يناير 2011، التي امتدت سنتين، اعتباراً من 13 أبريل 2011 حتى 13 أبريل 2013، سيتم احتسابها، ضمن فترة العقوبة الصادرة ضده بالسجن المشدد 3 سنوات بقضية القصور الرئاسية". وأوضحت المصادر أن "مبارك قضى منها فعلياً 10 أشهر، وبذلك يتبقى له شهران في الحبس"، مشيرةً إلى أن "ذلك سيتم دون النظر لموقف محكمة النقض من أي من القضيتين".

في المقابل "سيستمر حبس كل من وزير الداخلية الأسبق حبيب العادلي وعلاء وجمال مبارك بمحبسهم بمنطقة سجون طرة، نظراً لاستمرار تنفيذهم أحكاماً قضائية أخرى".

وشكك وزيرا العدل المصريان الأسبقان، أحمد سليمان وأحمد مكي في حيثيات إصدار محكمة جنايات القاهرة حكماً ببراءة المتهمين، مؤكدين أن هناك عواراً في هذه الحيثيات.

وقال سليمان "إن المستشار محمود الرشيدي قاضي محاكمة القرن أخطأ عندما حكم بعدم جواز الدعوى، بإحالة الرئيس المخلوع حسني مبارك للجنايات في قتل المتظاهرين خلال أحداث ثورة ٢٥ يناير 2011". واعتبر أن "مصر الآن لم يعد بها قانون حتى يتم الاحتكام له"، مؤكداً أن "بعض القضاة أنفسهم لا يحترمون القانون".

كما شكك سليمان في المناخ القضائي العام بمصر، قائلاً إنه "في الوقت الذي يتم فيه الحكم على فتيات في جامعة الأزهر خرجن يهتفن للحرية بالسجن 17 عاماً، يتم الحكم على من قتل 37 شخصاً في سيارة الترحيلات سنة مع إيقاف التنفيذ".

وحول تأثير الحكم خلال الفترة المقبلة، قال سليمان إنه "بغض النظر عن جوانب العدالة التي أهدرت، فإنه إذا تصور النظام الحالي أنه قادر على أن يُسكت، أو يقمع شباباً رأوا الموت بأعينهم، ولم يهابوه، فإنه من المؤكد يكون واهماً".

من جهته، قال وزير العدل الأسبق وأحد قامات تيار الاستقلال القضائي المستشار أحمد مكي لـ"العربي الجديد" إن الحكم على حسني مبارك لم يصدر اليوم، وإنما كتبت أسبابه يوم بدأت النيابة العامة بالتحقيق في الأدلة، تحقيقا غريباً"، موضحاً "أنه إذا كانت النيابة لم تقم بجمع الأدلة في جنايات قتل المتظاهرين وقت الحدث نفسه تكون هذه هي النتيجة الحتمية، لأن النيابة تتأثر بعد ذلك بنظام الحكم المتواجد في السلطة".

وأضاف "بما أن نظام الحكم الذي كان في السلطة وقت فتح باب التحقيق لم يكن يرغب بالأساس في محاكمة مبارك وأعوانه، ولم يكن يرغب من الأساس في حبسه، كانت القضية خالية من الأدلة التي تدينه أو تظهر مسؤوليته عن الوقائع المنسوبة إليه". ولفت مكي إلى أن "إن السجال السياسي لم ينته بعد، كما يظن البعض"، مشدداً على أن "الأوضاع لم تهدأ حتى الآن".

وكشفت حيثيات حكم براءة الرئيس المخلوع حسني مبارك ونجليه علاء وجمال مبارك، ووزير داخليته حبيب العادلي، ومساعديه الستة، ورجل الأعمال الهارب حسين سالم، بقضية قتل المتظاهرين إبان ثورة 25 يناير 2011، وقضايا الفساد المالي وتصدير الغاز لإسرائيل، عن فشل وعوار أشبه بالمؤامرة بين المحكمة والنيابة العامة من خلال طريقه عمل كليهما في القضية.

البداية مع ما قامت به النيابة العامة بالقضية وتقديم أدلة براءة المتهمين بدلاً من إدانتهم، إذ أقرّ الرئيس الحالي بمحكمة استئناف القاهرة، المحامي العام الأول بالمكتب الفني للنائب العام سابقاً، المستشار أحمد فاضل بأن "النيابة العامة قدمت المتهمين للمحكمة بأن اشتركوا بطريقي التحريض والمساعدة مع بعض ضباط أفراد الشرطة في القتل العمد مع سبق الإصرار والترصد للمجني عليهم والشروع في قتل الباقين، وهو خطأ واضح ومعروف في تبرئة المتهمين".

وأوضح فاضل أن ذلك يعرف في القانون بـ"شيوع الجريمة"، فلا تصحّ أدلة الثبوت التي قدمتها النيابة العامة أن تكون "شائعة"، وهو خطأ لا يقع فيه وكيل نيابة صغير. ووفقاً لفاضل، فالغريب أنه تكرر في القضية وغيرها من القضايا، وهو ما أدى إلى براءة جميع الضباط في قضايا قتل المتظاهرين، بدءاً من ثورة 25 يناير 2011، وحتى قضية مبارك، فهذه الصورة المقدم بها المتهمون للمحكمة هزيلة وضعيفة في الحجة، ولا يعتدّ بمبدأ شيوع الجريمة في الحكم، وإنما يجب أن توصف الجريمة بكاملها ومرتكبيها.

وهو ما أيده المحامي والباحث القانوني، صالح حسب الله، مؤلف كتاب "الوجيز في المحاكمات التأديبية لطلاب الجامعات وأساتذتها"، الذي أكد أنه من خلال أدلة ثبوت الاتهام يتضح في حقيقتها أنها أدلة ثبوت البراءة وليس الاتهام بل استقتها النيابة العامة على أنها أدلة اتهام.

ولفت إلى أن "ما ورد على لسان النقيب محمد فكري بقطاع البساتين بأنه عين في فض الشغب أمام نقابتي الصحافيين والمحامين، وكان تسليحهم "خرطوش" وطلقات رش خفيف وطلقة كاوتشوك، فهذا القول لا يصح أن يكون دليل إدانة بل هو في حقيقته دليل براءة وليس إدانة".

كما أن الشهادة الثانية في أدلة الثبوت قدمتها النيابة من أجل البراءة وليس من أجل الإدانة؛ فما ورد على لسان شاهد الإثبات المقدم ضياء إسماعيل أنه كان تسليحهم رشاش "هيكلر أند كوخ" وعدد مائة طلقة حية عيار 9 مللي استمر معه لمدة خمسة أيام ثم تم إعادته بالذخيرة ولم يستخدمها فهذه لا تصلح كدليل إثبات بل هو دليل نفي التهمة عنهم".

ووفقاً لحسب الله، "أكد أيضاً رئيس قسم السيدة زينب في شهادته أن تسليح الأمن كان العصي والدرع. وساقت النيابة العامة كل هذا على أنه أدلة اتهام، ولكن في حقيقة الأمر فإن هذه الأدلة هي أدلة براءة وليست اتهاماً، وكان يستوجب على النيابة أن تتحقق من كل هذه الأقوال قبل أن تسوقها كأدلة اتهام".

وأضاف "يمكن القول بأن أدلة الثبوت جميعها أو بعضها كان تحت إمرة وإرادة المتهمين، فهم إن قالوا بغير هذا لأصبح الشهود متهمين لأنهم حملوا أسلحة ونفذوا تحريض المتهمين لهم وكان يجب على النيابة تفنيد أقوال شهود الواقعة، وإن كان في حقيقة الأمر أنهم هم أصحاب الواقعة".

أما في ما يخص المحكمة، فيقول حسب الله إن محاكمة "القرن أصبحت مهرجاناً لتقديم الجوائز وتكريم النيابة، وإدانة الشعب، وقامت بمنح الأوسمة للنيابة العامة، رغم أنها أساساً لم تتقيد بأدلة اتهامها بل ونسفت كل ما ورد من أدلة ساقتها النيابة العامة لاتهام المتهمين".

وأضاف أن المحكمة وقعت في أخطاء قانونية عدة، حيث استندت في حكمها إلى أحكام سابقة صدرت عن دوائر أخرى لصالح ضباط الشرطة، وهذا يعد سقطة في الحكم لأن القاضي يبني عقيدته على ما ورد في الأوراق وليس بما حكمت به دوائر أخرى. وقد استدل القاضي في حكمه على الحكم النهائي في الجناية رقم 1816 لسنة 2011 قسم أول دمياط والمتهم فيها مدير أمن طنطا والذي تم الحكم ببراءته والقضاء الصادر من 9 محافظات ببراءة ضباط الشرطة في غير هذه القضية، ولا يصح الاستناد إلى قضايا أخرى لبناء عقيدته في هذه القضية.

كما أشار حسب الله إلى أنه ظهر في ثنايا الحكم الثوب السياسي وليس القانوني عندما سطر في الحكم أن مبارك خدم مصر 36 عاماً أصاب فيها وأخطأ، علماً بأن القضية ليس مهمتها تقييم إنجازات مبارك، بل مهمتها الفصل في القضية المنظورة وبحث الاتهامات وليس التقييم السياسي، وهو أمر كفيل بمفرده بإبطال الحكم.

وأوضح حسب الله أنه من العجب في حيثيات الحكم تصرف النيابة وتصرف المحكمة في ردها على قول الشاهد الطبيب عمرو علي مختار، والذي قال إنه بتاريخ 3 فبراير 2011، أصيب أحد الأشخاص بطلق ناري في الرأس من أحد القناصة بصفته كان متواجداً بالمستشفى الميداني، وأنه شاهد إصابات بطلقات نارية، هو وغيره من الأطباء.

وبعد سماع شهاداتهم التي تتفق مع هذه الشهادة ردت المحكمة على هذا الشاهد بأن هذه الواقعة وقعت خارج النطاق الزمني ولن تحقق المحكمة في هذا الأمر، وكان يتعين على المحكمة أن ترجعها إلى النيابة العامة للتحقيق فيها مرة أخرى لتقديم المتهمين الحقيقيين في هذه الواقعة، ولا سيما أن القناصة ظهروا بوضوح في فيديوهات القنص بالتحرير أعلى كوبري أكتوبر في هذا التوقيت، والذي تزامن مع موقعة الجمل.

كذلك تجاهلت المحكمة أن سبب ثورة 25 يناير هو فساد الشرطة وفساد الأمن الوطني أو أمن الدولة سابقاً، واستندت النيابة والمحكمة إلى جهاز أمن الدولة الذي قامت ثورة 25 يناير من أجل فساده، لتطلب المحكمة منه تحريات حول ما حدث في 25 يناير، علماً بأن الشرطة وأمن الدولة هم محل اتهام وشهادتهم مع المتهمين هي طوق نجاتهم هم أيضاً في المستقبل.