أيد تسعون حزبا سياسيا مطالب أهالي مدينة درنة، التي أعلنوها خلال مظاهرة حاشدة في ساحة مسجد الصحابة، مساء الاثنين الماضي، على خلفية الأضرار الكبيرة التي خلفتها سيول وفيضانات العاصفة دانيال، وأودت بحياة الآلاف وتشريد غيرهم.
وأشادت الأحزاب السياسية، في بيان مشترك حمل أسماء تسعين حزبا وصدر مساء الأربعاء، بالهبة الشعبية لدعم ومؤازرة المنكوبين بمدينة درنة، واعتبروها دليلا على اللحمة الوطنية والترابط البعيد عن مظاهر الانقسام السياسي.
وشددت الأحزاب على موقفها الثابت الداعي إلى ضرورة "احترام إرادة أهالي مدينة درنة، الذين طالبوا بحقهم في إعادة تشكيل المجلس التسييري الجديد للبلدية، من أبناء المدينة المشهود لهم بالكفاءة والنزاهة"، بالإضافة لمطالبة المفوضية العليا للانتخابات بالإسراع في انتخاب المجلس البلدي الجديد للمدينة في أسرع وقت ممكن.
كما شدد بيان الأحزاب السياسية على ضرورة "احترام حق التظاهر السلمي، الذي يكفله الإعلان الدستوري، ويحميه القانون، ومطالبة الأجهزة الأمنية باحترامه، ونحث المتظاهرين كذلك على الابتعاد عن كل مظاهر التخريب والتعدي على الممتلكات العامة والخاصة"، وكذلك على حق "إسماع الشعب الليبي لصوته بطرق سلمية حضارية، من خلال حراك شعبي سلمي حضاري فعال باستعمال الأساليب السلمية التقليدية والمبتكرة؛ لإنهاء مسلسل العبث والانهيار".
كما حثت الأحزاب السياسية "الجميع على العمل المتواصل مع الصبر والمثابرة، واتباع أقصى درجات ضبط النفس، وتجنب الانجرار إلى أي شكل من أشكال العنف، وتفادي الوقوع في فخ خطاب الاستفزاز والكراهية والتحريض، وتغليب مصلحة الوطن والمواطن على المصالح الضيقة".
وتلا أهالي درنة خلال مظاهرة شهدت مشاركة الآلاف منهم، مساء الاثنين الماضي، عديد المطالب، منها حل المجلس البلدي للمدينة ومحاسبة مسؤوليه، ومطالبة النائب العام في ليبيا بسرعة إعلان نتائج التحقيق في الكارثة التي حلت بالمدينة، واتخاذ "الإجراءات القانونية والقضائية كافة ضد كل من له يد في إهمال أو سرقات أدت إلى هذه الكارثة دون التستر على أي مجرم كائنًا من يكون، فليس هناك من هو أعز من أهلينا الذين فقدناهم".
وجاء بيان الأحزاب السياسية بعد يومين من إطلاق أجهزة أمنية تابعة لقيادة اللواء المتقاعد خليفة حفتر لعدة قيود وإجراءات أمنية في مدينة درنة، بعد احتشاد المئات من سكان المدينة، مساء الاثنين، في مظاهرة حاشدة طالبوا خلالها بإسقاط مجلس النواب ورحيل رئيسه عقيلة صالح، بالإضافة للمطالبة بإسقاط المجلس البلدي للمدينة، وقام عدد من المتظاهرين لاحقا بإضرام النيران في منزل عميد المجلس البلدي.
خوف وهلع
واعتقلت الأجهزة الأمنية التابعة للجنرال المتقاعد خليفة حفتر عدداً من الفاعلين في التحشيد للمظاهرة، وعلى رأسهم رياض الأحمر، الذي كان أول من دعا المواطنين للتظاهر في ساحة مسجد الصحابة، وفقا لشهادة مواطنين من داخل درنة لـ"العربي الجديد".
والأحمر من وجوه النشاط المدني والمجتمعي المعروفين بدرنة، وسبق أن نظم مقاومة شعبية واسعة في مدينة درنة عام 2013 أثناء وجود جماعات أنصار الشريعة فيها.
ووفقا لذات المصادر، فإن حالة من الخوف والهلع تسود أوساط المواطنين، خصوصا من شارك في المظاهرة مساء الاثنين الماضي، مخافة أن تطاولهم حملة الاعتقالات الليلية التي أطلقتها أجهزة أمن حفتر واعتقلت خلالها أبرز الفاعلين في المظاهرة بتهمة الارتباط بمنظمات إرهابية.
وبعد أن طلبت أجهزة أمن حفتر، الاثنين الماضي ليلا، من الصحافيين والإعلاميين مغادرة المدينة، عادت وطلبت منهم البقاء لكن داخل مقر المركز الإعلامي وقيدت حركتهم للتغطية في عمليات الإنقاذ وانتشال الجثث للحد من حركتهم داخل المدينة.
وسبق أن أفادت مصادر ليبية متطابقة لـ"العربي الجديد" بإنشاء لجنة الطوارئ التابعة لصدام حفتر (نجل اللواء خليفة حفتر)، مركزا إعلاميا في درنة، يتولى بشكل حصري إذاعة ونشر الأخبار المتعلقة بالإغاثات والأعمال داخل المدينة، على أن تسيره شعبة الإعلام الحربي التابعة لقيادة حفتر.
وفي اعتراف ضمني بوجود قيود على حركة الصحافيين والإعلاميين داخل المدينة، أشار المتحدث الرسمي باسم غرفة الطوارئ بدرنة، محمد الجارح، خلال مؤتمر صحافي مساء الثلاثاء الماضي، إلى تأكيد غرفة الطوارئ على "أهمية وجود بروتوكول للصحافيين"، وقال "سيتم الإعلان عن المناطق التي لا يسمح للصحافة بدخولها".
وعادت الاتصالات إلى مدينة درنة ومحيطها، الأربعاء ليلا، بعد يومين من الانقطاع الذي برره الجارح بأنه كان بسبب عطل في كابل الألياف البصرية الناقل لبث الإنترنت، دون أن يحدد موقع العطل.
وفي إجراء آخر يبدو أنه يتجه إلى الحد من استمرار تدفق المتطوعين وسيارات الإغاثة باتجاه الشرق الليبي، وتفريغ درنة من أعداد المتطوعين الذين يعدون بالآلاف، طالب المتحدث الرسمي باسم قيادة قوات حفتر، أحمد المسماري، خلال مؤتمر صحافي الثلاثاء، المواطنين المتطوعين "بتخفيف الزيارات إلى المناطق المتضررة"، مرجعا طلبه إلى إفساح المجال للشركات العاملة في إعادة تأهيل هذه المناطق المتضررة.
ومنذ الاثنين الماضي لم تخرج مظاهرات جديدة لأهالي درنة، في وقت نقلت فيه وسائل إعلام مقربة من حفتر تصريحات لمسؤولين موالين لحكومة مجلس النواب تصف المظاهرات التي شهدتها درنة بـ"الفتنة".
واتهم عبد الكريم المريمي المستشار الإعلامي لرئيس مجلس النواب عقيلة صالح، المتظاهرين بـ"الإرهابيين" وانتمائهم إلى "جماعات متشددة".
وفي إشارة للقيود والإجراءات الأمنية المفروضة على درنة، قال المريمي "من الآن الجهات الأمنية ستكون منتبهة لهذه الأمور".