وتأتي هذه الندوة، التي نظمت افتراضيا عن بعد، لبحث إعادة البناء المغاربي وفرص التكامل في ظل تداعيات أزمة كورونا، وللخروج من الأزمة بأخف الأضرار.
وقال وزير الخارجية الأسبق رفيق عبد السلام، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إنّ أبرز تحديات البناء المغاربي المطروحة هي ذات طابع جيواستراتيجي، خاصة في ظل تفاقم مضاعفات أزمة كورونا، حيث ستتأثر بلدان المغرب العربي بالمحيط الإقليمي، خاصة من جهة أوروبا جنوب المتوسط، التي ستتأثر سياسيا واقتصاديا بالأزمة، موضحا أن اقتصاديات بلدان المغرب العربي مرتبطة بالاقتصاديات الأوروبية.
وأضاف عبد السلام أن تفاقم الأزمة الليبية وتحولها إلى حرب أهلية أثر على أوضاع المغرب العربي، وهو ما يدعو إلى إيجاد مقاربة مغاربية لإطفاء الحريق الليبي وعودة ليبيا لممارسة دورها في الحاضنة المغاربية والمجال المتوسطي وجنوب الصحراء، مشيرا إلى أن من التحديات المطروحة أيضا تفاقم الخلاف الجزائري المغربي، وهي مسألة عميقة لا حلول جذرية لها حاليا، ولكن المطلوب تهدئة الأزمة والتركيز على الجوانب العملية، من حيث التكامل والتعاون بين دول المغرب العربي، وبصورة خاصة بين الجزائر والمغرب.
وبين المتحدث أنّ الفضاء المغاربي يعتبر من أكثر الفضاءات تجانسا ثقافيا ودينيا ومجتمعيا، ولكنه للأسف من أكثر الفضاءات التي تبدو وكأنها تسير ضد اتجاه التاريخ، مضيفا أن غياب الإرادة السياسية المغاربية وراء عدم بناء الاتحاد المغاربي، حيث إنه ومنذ تأسيسه في فبراير/ شباط 1989 لم يتقدم خطوات عملية، ما يعني ضعف الإرادة السياسية المشتركة، وهو ما أدى إلى ضعف التكامل السياسي والاستراتيجي المغاربي.
وتابع عبد السلام أنه لا يمكن لأي دولة بمفردها، ومهما كانت إمكاناتها، أن تحل المشكلات بمعزل عن اعتبارات ومصالح الدول المجاورة، مؤكدا أن أزمة كورونا قد تكون منبها للاستفاقة من مشكلات الانقسام المغاربي، لأن هذا الانقسام مكلف على مستوى التنمية والمجال المعيشي لشعوب المغرب العربي، ولابد أن تستفيق هذه البلدان لتوثيق التكامل والتعاون فيما بينها.
وبين مدير مركز دعم السياسات لحكومة الوفاق الوطني الليبية، محمد إبراهيم الضراط، أنّه في ظل الظرف الصعب التي تمر به المنطقة المغاربية والعربية، وخاصة ليبيا، التي تشهد حربا شرسة، فإنه لابد من تغيير حقيقي، مضيفا أن ليبيا قبل الثورة كانت تبحث تركيز المناطق الحرة وفتح المجالات لتصبح بوابة أفريقيا، ولكنها للأسف لم تحظ بالاستقرار بعد الثورة، وانطلق اللواء المتقاعد خليفة حفتر في مشروعه الانقلابي بدعم من عدد من الدول، كالإمارات والسعودية، مشيرا إلى أنه بعد كورونا ستتشكل تحالفات جديدة وتندثر أخرى.
وأكّد الضراط أنّ الموضوع المغاربي أُهمل بعد الثورات، وليبيا تمثل صمام أمان للدول المغاربية، وهو ما يدفع إلى التفكير في كيفية الخروج من الوضع الحالي والتعامل مع مثل هذه الأزمات، منبها من أن حفتر إذا ما سيطر على الوضع فإن الارتدادات ستنعكس على البلدان المغاربية، وخاصة على تونس والجزائر، مضيفا أن جائحة كورونا رغم سلبياتها إلا أنها قد تكون لها جوانب إيجابية، فبعثة الأمم المتحدة كان دورها محدودا في ليبيا بعد هجوم حفتر، إلا أنها أصبحت بعد التحرك التركي تتحرك أكثر وتقيم الاتفاق الحاصل، ولعل كورونا غيرت حسابات العديد من الدول.
وذكر أن جائحة كورونا ستكون فرصة لإعادة الحسابات، وليبيا لا يمكن أن تنهض بذاتها، لأنها تحتاج لمساعدة الجيران والحلفاء للاستقرار السياسي ولبناء سياسة يتفق عليها الجميع.
وقال رئيس الوزراء الموريتاني سابقا يحيى ولد أحمد الوقف إن الظرفية الحالية، خاصة بسبب جائحة كورونا، ستؤدي إلى العديد من التغيرات، وبالتالي تستلزم توفر الإرادة السياسية للتغيير والدفع نحو التكامل المغاربي، لأن المعوق الأساسي للبناء المغاربي هو العامل السياسي، وهو ما يدفع إلى تحييد الجانب السياسي عن الخيارات الاقتصادية، مضيفا أن على البلدان المغاربية استغلال نقاط القوة، وأيضا موقعها الاستراتيجي لتحقيق الوحدة، ولابد من العمل من أجل الاندماج الناجع وللدفع نحو التبادل البيني.
وقال المنسّق العام للندوة والمدير التنفيذي للمعهد العربي لرؤساء المؤسسات مجدي حسن إن الاتحاد المغاربي فرصة لحلم جديد ولبناء المغرب العربي، فبناء الاتحادات والفضاءات الإقليمية يكون بإرادات سياسية، وعدم تشكله خسارة لبلدان المغرب العربي، مشيرا إلى أنه في فترة الخطر الذي يفرضه فيروس كورونا فإن الحاجة إلى التآزر مطلوبة أكثر من أي وقت مضى، ولأن الفترة المقبلة هي فترة صمود، ولكي تعود إلى طبيعتها، فإن هذا الأمر يتطلب استراتيجيات صمود ومقاربة إقليمية.
وبيّن حسن أنه رغم توفر إرادة الشعوب، إلا أنه لوحظ أن الإرادة السياسية غائبة، وبالتالي فالفترة القادمة ستكون صعبة، وهو ما يتطلب سياسة مغاربية واضحة للمحافظة على رأس المال البشري.