مع حلول الذكرى السابعة لاجتياح العاصمة اليمنية صنعاء، تبدو جماعة الحوثيين مصممة على وأد تحركات المبعوث الأممي الجديد هانس غروندبرغ الهادفة لمحاولة تحريك العملية السياسية ووضع حد للحرب المدمرة التي أنهكت اليمنيين في مهدها، وذلك من خلال توجيه بوصلة الحرب مجدداً نحو مدن جنوبية دُحرت منها قبل سنوات، وكأنها تريد إعادة عقارب الزمن إلى الوراء. الجماعة التي سيطرت في عام 2014 على محافظة عمران، البوابة الشمالية للعاصمة، عادت وحاصرت صنعاء لعدة أسابيع، قبل اجتياحها في 21 سبتمبر/ أيلول 2014، وذلك بتسهيل كبير من قوات موالية للرئيس السابق علي عبد الله صالح الذي قتلته في 4 ديسمبر/كانون الأول 2017. ظاهرياً رفعت الجماعة يومها مطلب "الشراكة في السلطة" لكنها فعلياً كانت تريد "السيطرة المطلقة"، وهو ما اتضح سريعاً إذ عمدت إلى تعطيل كل محاولات التفاهم معها سياسياً ونقض الاتفاقات وصولاً إلى فرض إقامة جبرية على الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي في 20 يناير/كانون الثاني 2015. وهدفت من ذلك إلى تنفيذ مطالبها المتمثلة بتعيين قيادي موال للجماعة بمنصب نائب رئيس الجمهورية، لكن المفاجأة حدثت عندما أعلن هادي استقالته من رئاسة البلاد وكذلك فعل رئيس الحكومة في ذلك الحين خالد بحاح. بعدها تصاعدت الأمور عقب تمكن هادي من الهروب والتوجه إلى عدن في 21 فبراير/شباط 2015 ليعلنها عاصمة مؤقتة متراجعاً عن الاستقالة، قبل أن يبدأ الحوثيون هجوماً على عدن، خصوصاً قصر معاشيق الرئاسي في 25 مارس/آذار 2015، ويضطر هادي للهروب مجدداً، لكن هذه المرة إلى خارج البلاد. وافتُتحت بذلك صفحة جديدة من الحرب بإعلان السعودية التدخل عسكرياً في اليمن، تحت ما سُمي بـ"عاصفة الحزم" التي شارك فيها تحالف عسكري كانت أولى وأبرز ثماره حتى الآن دحر الحوثيين من عدن منتصف يوليو/تموز 2015.
أعدم الحوثيون 9 أشخاص أخيراً بتهمة اغتيال الصماد
ومنذ دحرها من عدن ومدن الجنوب منتصف 2015، اكتفت جماعة الحوثيين بالتموضع في محافظات الشمال اليمني ذات الكثافة السكانية الأبرز، لكن التشرذم الذي يسيطر على معسكر الشرعية المناهض لها، والإمكانيات التسليحية النوعية التي توفرت لها بدعم إيراني، جعلت طموحها يتجدد بشكل أكبر لالتهام كل مدن البلاد. وهو ما عبّر عنه زعيم الجماعة، عبد الملك الحوثي، بشكل صريح، مطلع سبتمبر/ أيلول الحالي. تسعى جماعة الحوثيين لفرض أمر واقع على كافة المدن اليمنية كما صنعت عقب اجتياح صنعاء في 21 سبتمبر 2014. وخلال الأيام الماضية، لجأت للمرة الأولى للكشف عن مكاسب ميدانية في مأرب، بأثر رجعي، بعضها يعود إلى مطلع العام 2020، عندما أعلنت سيطرتها على مديريتي مدغل ومجزر، بذات الطريقة التي فعلت بإعلان السيطرة على مديريتي رحبة وماهلية. في الذكرى السابعة لاجتياح صنعاء، والتي تصادف اليوم الثلاثاء، يتم تتبع مصير التحركات الحوثية الجديدة نحو مدن الجنوب والسيناريوهات المتوقعة. كيف استمر الانقلاب الحوثي 7 سنوات ومن السبب في ذلك، وكيف أصبحت صنعاء أرضاً للخوف ومحرومة من أي نشاط سياسي أو دبلوماسي، بعد أن كانت عاصمة لكل اليمنيين؟ تدشين مرحلة دموية بعد مرحلة تحولها النوعي ونقلها من أقاصي الشمال اليمني إلى قلب العاصمة صنعاء، باتت جماعة الحوثيين تنظر إلى سبتمبر باعتباره شهر الفتوحات والانتصارات العسكرية داخل مدن اليمن أو على الأراضي السعودية. تقوم الجماعة بالتحضير للاحتفاء بذكرى ما تصفها بـ" ثورة 21 سبتمبر"، منذ وقت مبكر، وما إن يقترب موعد ذكرى اجتياح صنعاء، حتى تبدأ باستعراض القوة عبر هجمات مكثفة في العمق السعودي، أو التمدد في مناطق يمنية جديدة، في خطوة تعكس نزعتهم لمزيد من العنف، وفقاً لخبراء. على الأرض، ورغم احتفاظها بمواقعها المطلة على مديرية لودر التابعة لمحافظة أبين طيلة السنوات الماضية، إلا أن جماعة الحوثيين تحاشت الدخول في أي تصعيد حقيقي نحو مدن الجنوب اليمني، حتى جاءت التغييرات التي حدثت في خريطة السيطرة والنفوذ بمحافظة البيضاء مطلع سبتمبر الحالي لترسم توجهات جديدة للجماعة. وخلال الأسبوعين الماضيين، أعلن الحوثيون رسمياً السيطرة على مديريتين في البيضاء وأربع مديريات جنوبي مأرب وغربها، رغم أن المكاسب التي تم الإفصاح عنها في مأرب كانت بأثر رجعي وتحققت قبل نحو عام. بناء على ذلك، شنت الجماعة هجمات مزدوجة لتهديد أبين بالسيطرة على منطقة الحلل والتوغل صوب منحدر ثرة، الشاهق المطل على مديرية لودر، فضلاً عن هجمات على مكيراس، مجبرة المقاومة على التراجع. وفي اتجاه شبوة، بدأ الحوثيون، بتحقيق اختراقات نحو مديرية بيحان، التي تبدو الهدف الرئيسي للجماعة، بهدف تضييق الخناق على منابع النفط والغاز في مأرب. وحول هذه التحرّكات، ترى مصادر عسكرية ومحلية في أحاديث لـ"العربي الجديد"، أن جماعة الحوثيين تسعى إلى إبقاء محافظة أبين تحت تهديداتها وعدم المغامرة في اجتياحها، خلافاً لمديرية بيحان في شبوة، والتي تتميز بموقع استراتيجي، يمنح المسيطر عليها قدرة تهديد منابع النفط والغاز في مأرب وشبوة. وخلافاً لهذه التطورات التي سفكت المزيد من دماء اليمنيين، وتسببت بموجة نزوح لمئات الأسر من مديريات رحبة، جنوبي مأرب والصومعة والحازمية في البيضاء، كانت جماعة الحوثيين تحتفل بذكرى الانقلاب هذا العام بطريقة مغايرة أيضاً. نفّذت الجماعة أكبر عملية إعدام جماعي طاولت تسعة مواطنين، بتهمة التخابر مع التحالف السعودي ومساعدة الطيران الحربي على استهداف القيادي البارز، صالح الصماد في مدينة الحديدة في 19 إبريل/نيسان 2018. قوبلت عملية الإعدام الحوثية باستهجان محلي وإقليمي ودولي واسع، ووفقاً لخبراء، فإن تنفيذ تلك العملية لم يكن دافعه تطبيق القانون الذي أقرته محاكمة صورية مشكوك في نزاهتها، أو الاقتصاص من قتلة صالح الصماد كون القاتل هو التحالف العربي، ولكن تدشين مرحلة مخضبة بالدم.
الباحث والمحلل السياسي مصطفى ناجي يؤكد هذه النقطة، معتبراً أن الاحتفال الحوثي الدموي بالذكرى السابعة لاجتياح صنعاء "تأكيد على الطريقة التي ابتدأوا فيها هذه المرحلة، والإعلان مرة أخرى عن طبيعتهم الدموية وابتعادهم الكبير عن السياسة وحقل التوافق والعيش المشترك". ويضيف ناجي في حديثٍ مع "العربي الجديد"، أن جماعة الحوثيين بتلك الإعدامات "تضع اليمنيين أمام حقيقة واحدة، وهي أنها غير قادرة على أن تكون جزءاً من النسيج الاجتماعي، أو جسراً للسلام المجتمعي، بل جماعة غاصبة وقاتلة لا أقل ولا أكثر". ويتزامن تدشين مرحلة العنف الجديدة، مع بدء المبعوث الأممي الجديد، هانس غروندبرغ، أولى تحركاته لإنهاء الأزمة اليمنية، بقيامه بجولة استهلها من السعودية قبل الانتقال إلى سلطنة عمان أول من أمس الأحد. وتبدو مهمة المبعوث الأممي التي يقوم بها برفقة المبعوث الأميركي تيموثي ليندركينغ معقدة بعض الشيء، مع توجيه الحوثيين بوصلة الحرب نحو مدن الجنوب للمرة الأولى منذ منتصف 2015. وعلى الرغم من أن نيرانها باتت تصل إلى القواعد العسكرية في لودر وبلدات بيحان، إلا أن مصدراً حكومياً يقلّل في حديث مع "العربي الجديد"، من حجم التهديدات الحوثية الجديدة، مشيراً إلى أن قوات الجيش قادرة على التعامل مع أي اختراق. ويرى أن جماعة الحوثيين تسعى فقط للحصول على المزيد من الأوراق التفاوضية تزامناً مع استئناف الجهود الدولية لوقف الحرب، من خلال الإعلان أنها باتت تهدد مدن الجنوب، أو امتلاك مساحات شاسعة داخل محافظة مأرب. حلم إنهاء الانقلاب منذ بدء التدخل السعودي في اليمن أواخر مارس 2015، والحكومة اليمنية المعترف بها دولياً تردد أنها عازمة على إنهاء الانقلاب الحوثي واستعادة مؤسسات الدولة، لكن النتيجة كانت أن جميع أراضي اليمن، بما فيها المحررة من جماعة الحوثيين، دخلت مرحلة اللادولة، وباتت في قبضة مليشيات لا تختلف كثيراً عن تلك التي تُحكم قبضتها على صنعاء. ومع إطالة عمر الحرب وتفكك التحالف السعودي، فضلاً عن خسارة "الشرعية" مكاسب مهمة في البوابة الشرقية للعاصمة صنعاء مطلع العام الماضي، انتقلت جماعة الحوثيين من وضعية الدفاع إلى الهجوم، ابتداء من الجوف والبيضاء ثم مأرب، ما جعل مسألة إنهاء الانقلاب حلماً بعيد المنال على الأرجح. وفي ظل مؤشرات استحالة الحسم العسكري، لم يتبق أمام "الشرعية" من وسيلة لإنهاء الانقلاب سوى التشبث بما يطلق عليها بـ"المرجعيات الثلاث"، وهي القرار الأممي 2216 والمبادرة الخليجية ومخرجات الحوار الوطني، التي تعتبرها الحكومة اليمنية أساس أي حل مرتقب بما يضمن إنهاء الانقلاب الحوثي وعودة عبدربه منصور هادي رئيساً لكل اليمن باعتراف جميع الأطراف، ولو لفترة زمنية معينة. هذه الفرصة الأخيرة لن تكون سهلة التحقق في ظل الرفض الحوثي المطلق لتلك المرجعيات، ووفقاً لخبراء، فإن الشروط المسبقة التي ترفعها كافة الأطراف، ليست سوى شمّاعة، الهدف منها إطالة أمد الحرب أطول فترة ممكنة، خصوصاً المليشيات الحاكمة التي تحولت إلى سلطات أمر واقع شمالاً وجنوباً وغرباً، وباتت الحرب بالنسبة لها، مصدراً مهماً للثروة والنفوذ. وعلى الرغم من الانتكاسات المتتالية للقوات الحكومية وانقطاع رواتب الجيش الوطني لفترات تزيد عن نصف عام، إلا أن خبراء في الشأن العسكري، يعتقدون أن فرصة الحسم وهزيمة الانقلاب الحوثي ما زالت ممكنة. وحول هذا الاعتقاد، يرى الصحافي اليمني المقيم في مدينة مأرب، عدنان الجبرني، أن الجيش الوطني لم يفقد أي ميزة من المزايا التي كانت سبباً في التقدم خلال عامي 2016 و2017 تحديداً، لافتاً إلى أن المتغير هو الجمود ونقص الإمكانات بسبب تشتت قرار الحكومة، إثر ما حصل في عدن وتشكل "المجلس الانتقالي الجنوبي" الانفصالي، ومشاكله المتكررة بعدن. ويقول في حديثٍ مع "العربي الجديد"، إن "العنصر البشري المؤطر ضمن الجيش الوطني ما يزال في مستوى كبير ويخوض المعارك ببسالة وتنظيم جيد قياساً بالإمكانيات الحالية، والإسناد الشعبي يرتفع، خصوصاً مع زيادة منسوب التسلط الحوثي والقمع والتجويع والممارسات الطائفية". وفيما يشير إلى أن اتفاق الرياض كان كفيلاً بإنعاش المعادلة ضد الحوثي، يذكّر الجبرني أن فشل تنفيذه، حتى الآن، ألقى بظلال سلبية، ستزول مع أي انفراجة في ما يخص موضوع اتفاق الرياض وروحه، سواء من خلال تنفيذ الاتفاق أو غيره. ويؤكد الجبرني المهتم بالشأن العسكري، أن حشد الإمكانات المالية الكافية للجيش وتوحيد القرار السياسي والعسكري في أعلى الهرم ومعالجة انهيار العملة، عناصر كفيلة بإعادة زخم المعركة وتحقيق النصر على جماعة الحوثي. صنعاء.. أرض الخوف دفعت صنعاء ثمن الانقلاب الحوثي بشكل مضاعف خلافاً لباقي المدن، فمنذ سبع سنوات باتت العاصمة التي كانت قبلة لكل اليمنيين وشعلة النشاط السياسي والإعلامي والثوري، مسكونة بالخوف والإجراءات القمعية التي تجرم ظهور أي صوت مناهض للسلطات الحوثية.
حققت الشرعية مكاسب مهمة ميدانياً والجيش لم يفقد ميزة التقدم
وسلبت جماعة الحوثيين سكان صنعاء كافة حقوقهم السياسية، وكان الاحتشاد الذي نظمه حزب "المؤتمر الشعبي العام" في أغسطس 2017 بميدان السبعين، آخر حشد سياسي قبل أن ينفرط حلف الحوثي والرئيس السابق علي عبد الله صالح بمقتل الأخير مطلع ديسمبر من العام ذاته. وباتت صنعاء، حكراً على الفعاليات الحوثية والمناسبات الدينية التي يغلب عليها البعد الطائفي. ويقول سكان إن جماعة الحوثيين تدفعهم بشكل إجباري إلى الساحات للاحتفال بمناسبات مستوردة، مثل يوم الغدير والولاية وإحياء ذكرى مقتل زيد بن علي وكذلك يوم القدس. بالتزامن مع الحراك الشعبي الذي شهدته مدن جنوبية منتصف سبتمبر الحالي تنديداً بتردي الأوضاع المعيشية، يقول ناشطون، إن الوضع في صنعاء يُعدّ أسوأ مقارنة بما يحدث جنوباً، لكن إرهاب السلطات المتضخمة، من مشرفين أمنيين وجهاز أمن ومخابرات وأمن وقائي، يكتم أنفاس المقهورين، ويجعل من الصعوبة خروج تظاهرات شعبية ضد الجماعة. ويذكر نشوان عبد الرقيب، وهو من سكان صنعاء لـ"العربي الجديد"، أن هناك غلاءً في عدن، لكن في المقابل، هناك رواتب ودخل شهري لدى الناس، أما في مناطق الحوثيين فغلاء فاحش وانعدام للخدمات وتوقف للرواتب، ومع ذلك لن يجرؤ أحد على قول كلمة واحدة جراء القمع الحاصل. ويضيف عبد الرقيب، وهو موظف حكومي لم يتقاضَ أي راتب منذ سنوات: "قضايا القتل والعنف التي تنتشر بقوة في مناطق الحكومة تحصل هناك بالعشرات، ولكن السلطة الاستبدادية تجعل من الصعوبة خروج أي حادثة للرأي العام أو مواقع التواصل الاجتماعي". ذات الحال ينطبق على كافة المناطق الخاضعة لنفوذ الحوثيين. ويروي شاهد عيان في منطقة الحوبان شرقي تعز لـ"العربي الجديد"، واقعة اعتداء عناصر حوثية على وقفة احتجاجية للمهمشين ذوي البشرة السوداء، بعد تنديدهم بمقتل أحد أقاربهم على أيدي قيادي حوثي. ويقول المصدر: "بعد استخدام العناصر الحوثية الهراوات والرصاص الحي لتفريق الوقفة الاحتجاجية، كان هناك مطعم مطل على مسرح الاشتباك وبداخله فتيات قمن بتصوير الحادثة، حتى لمحهن أحد العناصر الحوثية فصعد لهن مع عدد من الأفراد وقاموا بالتهجم عليهن بالشتم وسحب أجهزة الموبايل وحذف اللقطات المصورة.