دخلت انتفاضة السويداء يومها الستين متجاوزة معظم العوائق والعقبات التي وقفت في طريقها، إذ أصر المشاركون فيها على الاستمرار في المبادئ والأفكار التي أتوا بها إلى ساحات الاعتصامات والتظاهرات وتبلورت يوماً بعد يوم منذ بداية الحراك.
إحياء الروح والمشاعر الوطنية
وعلى الرغم من الظروف المحلية والإقليمية التي صعدت إلى واجهة الأحداث، اعتباراً من تفجير مدرسة الكلية الحربية في حمص، وعدوان النظام وروسيا المتواصل على مدن وبلدات الشمال السوري، وأخيراً عملية "طوفان الاقصى" والعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة؛ اللذين أخذا الحيز الأكبر من التناول الإعلامي المحلي والعربي والدولي، إلا أن الحراك الشعبي في السويداء ما زال مستمراً بشكل يومي صباحاً ومساءً من دون توقف، بل استطاع هذا الحراك أن يتعامل مع هذه المستجدات، ويتصدى لمحاولات التعتيم والإلغاء، وللتداعيات السياسية والاجتماعية والاقتصادية المؤثرة بشكل مباشر أو غير مباشر على استمراره.
يقول الناشط المدني سليمان الكفيري لـ"العربي الجديد": "بعد 60 يوماً على الحراك الشعبي السلمي، يزداد إصرارنا على المضي قدماً نحو الأهداف، وفي مقدمتها تطبيق القرار 2254".
ويضيف الكفيري: "لا ينكر أحد أنه بانتفاضتنا هذه استطعنا إخراج هذا القرار من المكاتب المغلقة إلى العلن وللتداول من جديد كأساس لحل القضية السورية، بعدما كانت تتقاذفه دبلوماسيات النظام والائتلاف السوري (المعارض)، ونجحنا إلى حد بعيد في تفنيد صفة (حامي الأقليات) عن هذا النظام، وأفشلنا انتصاره المزعوم على (الإرهاب)، والأهم هو إحياء الروح والمشاعر الوطنية لدى الشعب السوري، بعدما عبث بها النظام الحاكم طوال سنوات الحرب".
ويؤكد الكفيري: "لن ننظر إلى الخلف مهما واجهتنا الصعوبات والعراقيل، فنحن نواجه سلطة حاكمة تمرّست على تفكيك الشعب السوري وسحقه، بالإضافة إلى مستجدات محلية وعربية وإقليمية بمجملها قد تُعيق حراكنا اليومي، ولكنها لن تُعيدنا خطوة واحدة إلى الوراء".
وتترقب الفعاليات المحلية في السويداء الإعلان عن تشكيل "الكتلة الوطنية"، وهي جسم سياسي يضم ممثلين عن المتظاهرين والمتظاهرات في غالبية المناطق التي انتفضت، وممثلين عن التكتلات السياسية وعن الفصائل وشخصيات فاعلة.
وقال أحد أعضاء الكتلة لـ"العربي الجديد" إن الهدف الرئيسي لهذا التشكيل السياسي الجديد هو المحافظة على الساحات وتنظيمها في المرحلة الأولى، ثم رعاية مصالح المواطنين قبل الخوض في السياسة. وشدد المتحدث على التزام الكتلة بهواجس وخطوات المتظاهرين السلميين التي تدعو إلى تحقيق دولة العدالة والمواطنة بكل أبعادها لكل السوريين، بدءا بتطبيق القرار الأممي 2254.
رجال دين في قلب الحراك
وذكّرت انتفاضة السويداء ببداية الحراك السوري عام 2011، حيث أحيا المتظاهرون والمتظاهرات الشعارات والأناشيد التي تداولها الشعب السوري في معظم المناطق والمدن السورية، وأضافوا إليها صبغة من تراث جنوب سورية، التي أعطت أشكالا وصورا معبرة عن أبناء المنطقة وعاداتهم وتقاليدهم الشعبية، كما أطلقت تسميات وعبارات على ساحات الاعتصام والتظاهر من وحي المبادئ الوطنية وحرية المواطن وإنسانيته.
ويقول الشيخ ناهي جودية، أحد رجال الدين الدروز، لـ"العربي الجديد": "لقد أطلقنا اسم (الكرامة) على (ساحة السير) وسط مدينة السويداء التي جمعتنا منذ بداية الحراك، هذه الساحة التي حاولت السلطات الحاكمة خلال عقود من الزمن تصديرها باسم (ساحة الرئيس) نسبة إلى تمثال حافظ الأسد الذي أزالته حركة رجال الكرامة بعد اغتيال زعيمهم وحيد البلعوس عام 2015، واستطعنا ترسيخ هذا الاسم (ساحة الكرامة) محلياً بين الأهالي وخارجياُ عبر وسائل الإعلام، وقدمنا من خلاله صورة واضحة عن أهداف حراكنا الشعبي السلمي، مفادها أننا شعب يستحق أن يعيش بكرامة في وطن سوري موحد تحكمه القوانين الإنسانية والعدالة الاجتماعية، ويمارس فيه الفرد كامل حقوقه وواجباته من دون تفريق في انتمائه الديني والطائفي والمذهبي والإثني أو توجهه الفكري والسياسي".
ونوه جودية إلى دور رجال الدين في الحراك: "نحن كرجال دين قد نتصدر المشهد حالياً من خلال المواقف المجلّة لشيخي العقل حكمت الهجري وسامي الحناوي، ومشاركتنا الفعّالة في ساحات الكرامة التي أصبحت في كل مدينة وقرية، ولكن ينتهي دورنا عند الخلاص من هذا النظام الحاكم وبداية التأسيس لجسم إداري وسياسي مُنتخب، وعندها، تجمعنا المواطنة في دولة العدالة والقانون، وشعار قائد الثورة السورية الكبرى سلطان الأطرش (الدين لله والوطن للجميع)".
ويشكل أبناء طائفة المسلمين الموحدين الدروز غالبية سكان محافظة السويداء. ورغم عدم مشاركة المشيخة في بداية في الحراك، إلا أنها فيما بعد أخذت دوراً موجّهاً، لا سيما بعد محاولات النظام استهداف أهالي المحافظة والعبث بهم وبث الفتنة بين صفوفهم، وبرز دور رائد لشيخ الطائفة الأول حكمت الهجري، الذي بات أحد رموز الحراك.
مشاركة مميزة للنساء
كما أظهر الحراك الشعبي مشاركة مميزة للعنصر النسائي والتزاما وتفوقا في التنسيق والتحضير اليومي لهدف إخراج الحراك من مقتلة الملل والروتين، وبان هذا جلياً في العديد من اللوحات التراثية والشعارات والأناشيد، حتى وصف العديد من الكتاب والصحافيين نساء الحراك الشعبي في السويداء بأيقونة الثورة السورية.
وتقول الناشطة صفاء الجردي لـ"العربي الجديد" إن "الحراك النسائي يمثل صورة مصغرة عن معظم نساء سورية، حيث حمل معاناة وأوجاع النسوة التي هي جزء من معاناة السوريات إلى ساحة الكرامة، وهتفن للحرية والمساواة والعدالة الاجتماعية، ووقفن جنباً إلى جنب مع الشباب في كل نشاط يومي يُشجع على استمرارية الانتفاضة بشكلها الحضاري والإنساني الذي بدت عليه".
وتضيف الجردي: "كان جُلّ اهتمامنا منذ الأيام الأولى للانتفاضة هو الوصول إلى كامل شرائح ومكونات الشعب السوري، فأعدنا صياغة الأناشيد والهتافات والصور التي لا تستثني أحدا من السوريين، وتجاوزنا يوما بعد يوم عوائق الاكتفاء المحلي والتمييز في الجنس، حتى وصلنا إلى ستين يوماً، وما زال الحراك بتألقه رغم كل التهديدات ومحاولات النيل منه بالإشاعات والقمع".
ويستمر حراك السويداء جنوبي سورية في تظاهراته اليومية ونشاطاته التي تجاوزت التظاهر. وفي حين لقي الحراك دعم المحافظات المناوئة للنظام أو الخارجة عن سيطرته شمالي البلاد، إلا أن السويداء ونشطاءها يطلبون مزيداً من الدعم من قبل الشمال، وكذلك الدعم الدولي للانتقال إلى خطوات أخرى هدفها الخلاص، بحسبهم.