بعد مرور 17 يوماً على انقلاب السودان الذي نفذه قائد الجيش عبد الفتاح البرهان على السلطة المدنية في السودان، تظل 6 مؤشرات ترجح فشل انقلاب البرهان وترنحه، والذي لم يتبق أمامه سوى التراجع وإعادة السلطة للمكون المدني.
ويظل العامل الأهم الحراك الثوري، إذ تواصل لجان المقاومة السودانية، والأجسام المهنية والنقابية، حملاتها للتحشيد لمليونية يوم السبت المقبل. وطبقاً للجدول اليومي، يتوقع تنظيم عدد من الوقفات الاحتجاجية ومواكب توعوية ودعائية رافضة لانقلاب السودان 2021.
في ما يلي 6 مؤشرات أو عوامل ساهمت في إفشال طموحات قادة الانقلاب وإبطاء خطواتهم في السيطرة على الحكم والالتفاف على رغبات ومطامح الجماهير السودانية.
-
تشكيل المؤسسات العدلية
في اليوم الأول من الانقلاب، وفي بيانه الأول، التزم قائد الانقلاب بتشكيل المحكمة الدستورية وتعيين رئيس للقضاء ورئيس للنيابة العامة، وهي المناصب التي كانت شاغرة لفترات طويلة.
وحمل الانقلابيون الشق المدني في السلطة الانتقالية مسؤولية التلكؤ في اتخاذ قرارات بشأن ذلك، إلا أنه وحتى تاريخ اليوم الأربعاء، لم يصدر قائد الانقلاب أي قرارات بهذا الصدد، حيث وجد البرهان نفسه في ورطة قانونية لم يتحسب لها كثيراً.
ويعزى ذلك لعدم أحقيته كقائد للجيش بصلاحية التقرير فيها بموجب الوثيقة الدستورية والقوانين الخاصة بإصلاح المؤسسات العدلية، وبقي فراغ المحكمة الدستورية كما هو على حاله، وزادت الأمور تعقيداً بإعفائه النائب العام المكلف مبارك محمود بعد الانقلاب.
-
الفشل في تكوين مجلسي السيادة والوزراء
في أكثر من مناسبة، نقلت وسائل الإعلام المحلية والخارجية عن مصادر داخل خلية الانقلاب معلومات عن قرب التوصل إلى إعلان مجلس السيادة الانتقالي من 14 عضواً، منهم 5 عسكريين و3 من قادة الحركات المسلحة الموقعة على اتفاق السلام بالسودان، و6 مدنيين يمثلون أقاليم السودان.
لكن تلك الوعود بقيت حبراً على الورق، بعدما اصطدم الانقلابيون بعقبات عدة، أولها رفض الحركات المسلحة المشاركة في المجلس السيادي وشرعنة الانقلاب.
كما وجدت الأسماء المدنية التي رشحت لتمثل الأقاليم رفضاً واسعاً لضعف خبرتها وعدم تمثيلها الحقيقي لتلك الأقاليم، هذا إضافة إلى رفض أسماء رُشحت لشغل عضوية المجلس السيادي لمبدأ "العمل مع الانقلاب".
الفشل ذاته واجهته رغبة العسكر في تعيين رئيس وزراء جديد بعد انسداد الأفق في إقناع رئيس الوزراء المعزول عبد الله حمدوك بمواصلة عمله بشروطهم دون الالتفات لشروطه.
ورفضت أكثر من شخصية سياسية أو مستقلة المنصب بالمطلق، رغم الإغراءات والتعهدات التي قُدمت لها، ومن بينها أساتذة جامعيون وأطباء ودبلوماسيون.
ومع كل رفض يرتد الانقلابيون للتفاوض من جديد مع حمدوك، ليقابلهم بشروطه ذاتها التي حددها في العودة للوثيقة الدستورية والعمل بها، وعودة الحكومة لممارسة مهامها، وإطلاق سراح المعتقلين السياسيين، وغيرها من الشروط التي تقود إلى العودة لما قبل 25 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، تاريخ الانقلاب.
-
العزلة الدولية
وجد الانقلاب العسكري محاصراً من يومه الأول بعزلة دولية، وإلغاء المساعدات المخصصة للسودان وتلويح بفرض عقوبات اقتصادية، إذا استمر الحال على ما هو عليه.
ولجأت مراكز القوى الدولية الرافضة للانقلاب، مثل الولايات المتحدة، إلى الضغط على محور الإمارات والسعودية ومصر، وإلى إسرائيل لتحييدها على الأقل تجاه الموقف في السودان، مع سحب أي دعم منها للانقلاب.
ونجحت واشنطن، الأسبوع الماضي، في إقناع كل من السعودية والإمارات بالتوقيع على بيان رباعي، بالإضافة للولايات المتحدة وبريطانيا، يرفض مبدأ الانقلاب ويدعو إلى عودة الحكومة المدنية وبقية المؤسسات الانتقالية، بينما توالى الضغط على مصر التي تبدي إصراراً أكبر على دعم انقلاب البرهان.
وساهم موقف عشرات الدبلوماسيين السودانيين بالخارج في زيادة عزلة الانقلاب، برفضهم له وتمسكهم بعدم شرعيته، والإصرار أيضاً على مواصلة عملهم تحت مظلة حكومة حمدوك كسلطة شرعية وحيدة في البلاد.
مع تلك العزلة، لم يتمكن الانقلاب حتى الآن من إرسال أي موفد إلى خارج السودان، كما جرت العادة مع الانقلابات السابقة، واكتفى بإرسال رؤساء أحزاب موالية للانقلاب لبعض العواصم.
-
انفضاض شركاء
قبل الانقلاب، نجح منظموه في استقطاب عدد من الأحزاب التي تحالفت تحت مسمى "الحرية والتغيير- الميثاق الوطني" (لخلط المشهد عبر تبني تسمية قريبة من تحالف "قوى الحرية والتغيير)، لكن ذلك التحالف لم يتماسك بعد الانقلاب، فكثير من الأحزاب المكونة له اعترضت على الخطوة الانقلابية بشكلها العنيف.
كما أحست أخرى بالتلاعب بها واستخدامها مرحلياً كغطاء سياسي للانقلاب، فنفضت يدها، مثل حزب "البعث السوداني" بقيادة يحيى الحسين، و"نداء الشمال" بقيادة محمد سيد أحمد.
كما أشارت معلومات حديثة إلى أن ميني اركو ميناوي، رئيس حركة تحرير السودان، حاكم إقليم دارفور، وهو من أبرز الداعمين للإطاحة بتحالف "قوى الحرية والتغيير"، انسحب من المشهد في اليومين الماضيين.
وسافر الأخير لتشاد المجاورة غاضباً، بعد فشل مساعيه لتصحيح المسار الانقلابي، وإحساسه كذلك بأنه سيكون الضحية الثانية للانقلابيين، علماً أن الانقلاب لم يجد دعماً أصلاً من 3 حركات مسلحة موقعة على اتفاق السلام مع الحكومة، هي "الحركة الشعبية لتحرير السودان" بقيادة عضو مجلس السيادة مالك عقار، و"حركة تحرير السودان" بقيادة عضو مجلس السيادة الهادي إدريس، و"تجمع قوى التحرير" بقيادة عضو مجلس السيادة الطاهر حجر.
-
تقلص دعم أنصار النظام السابق
ليس سراً أن مؤيدي نظام الرئيس السوداني المعزول عمر البشير وجدوا أنفسهم في البداية مؤيدين للانقلاب في أيامه الأولى، وظهر ذلك في مداخلاتهم التلفزيونية وفي وسائط التواصل الاجتماعي.
لكن حدثاً واحداً دفعهم لإعادة التفكير، هو قرار البرهان بتحويل رئيس حزب "المؤتمر الوطني" المكلف إبراهيم غندور لمعتقل أمني بعد إطلاق سراحه بواسطة النيابة العامة بعد 6 أيام من الانقلاب.
وأدرك منتسبو الحزب الحاكم خلال فترة حكم البشير أن الانقلاب يسعى إلى الاستفادة منهم في الوقت الراهن، ومن ثم الانقضاض عليهم لاحقاً.
كما تفطن أنصار النظام السابق إلى أن دعم الإمارات ومصر للانقلاب يعني تلقائياً معاداتهم للإسلاميين (الحزب ذو توجه إسلامي)، وهو الأمر الذي دفع مجموعات إسلامية أخرى ورجال دين للتراجع عن دعم الانقلاب، بعد حديث للبرهان خلال مؤتمر صحافي، عن التطبيع مع إسرائيل كمدخل لتحسين العلاقة مع العالم.
-
سخط الشارع.. الأهم
غازل الانقلاب في أيامه الأولى الشارع الثوري باجتماع البرهان مع مجموعات سمت نفسها "لجان المقاومة ومصابي الثورة السودانية"، ووعد خلال الاجتماع بإشراك شباب الثورة في المؤسسات الانتقالية، خاصة في البرلمان، لكن ذلك الغزل لم يجد أصداء واسعة، إذ استمر الحراك الشبابي الثوري طبقاً لجداول التصعيد اليومية.
ومن محاولات استرضاء الشارع السوداني بواسطة الانقلابيين كذلك، تخفيض أسعار السكر بنسبة تصل إلى 100 بالمائة، في غضون 3 أيام فقط بعد الانقلاب.
كما حاولت جهات قريبة من الانقلاب الترويج لتخفيض مماثل قادم لأسعار المحروقات، فيما أصدرت سلطات الانقلاب بولاية الخرطوم قراراً بتخفيض الرسوم الحكومية حتى نهاية العام الحالي لمعاملات الأراضي، وتجديد الحكر الصناعي والسكين والتجاري والخدمي، وذلك بنسبة 50 بالمائة، وبنسبة 30 بالمائة لتحسين الأراضي من زراعية إلى سكنية.
كما نصت القرارات على تخفيض رسوم البناء والصناعات، والنقل والبترول والقطاع الزراعي، والقطاع الخدمي بنسبة 25 بالمائة، كما أعلنت شرطة المرور بولاية الخرطوم عن تخفيض رسوم كافة الإجراءات والمعاملات المرورية بنسبة 25 بالمائة، وكلها لم تنجح في تغيير توجهات الشارع الناقم على الانقلاب والرافض للعودة لوضع يشبه فترة حكم البشير التي دامت ثلاثة عقود قبل أن تطيح به الثورة الشعبية.