5 ملفات تغذي أحاديث التحفظات المصرية على تحركات الجزائر

21 سبتمبر 2022
الرئيس المصري مستقبلاً تبون بقصر الاتحادية في القاهرة، 25 يناير الماضي (الأناضول)
+ الخط -

عاد الحديث في مصر، وتحديداً عبر أوساط دبلوماسية، عن وجود تحفظات لدى القاهرة تجاه الحراك الجزائري في عدد من الملفات، تزامناً مع سعي جزائري لتحقيق تقدّم في مسار المصالحة الفلسطينية بين حركتي فتح وحماس. وفيما لم يصدر أي موقف رسمي مصري حول وجود توتر في العلاقات، يبدو أن الجزائر تتجنّب في المقابل الدخول في أي جدال سياسي ومناكفات إعلامية مع أي طرف كان، عشية انعقاد القمة العربية على أراضيها بداية نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، وقبلها مؤتمر الفصائل الفلسطينية، مع رفض مسؤولين جزائريين الحديث عن وجود أزمة مع القاهرة، من دون نفي وجود تباينات في وجهات النظر.

وكان الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، قد أعلن نهاية الشهر الماضي، عن اجتماع تشارك فيه كل الفصائل الفلسطينية، يعقد في الجزائر قبل القمة العربية. واعتبر في حديث مع وسائل إعلام محلية، أن الجزائر لديها كامل المصداقية لتحقيق المصالحة الفلسطينية، كونها الدولة الوحيدة التي ليست لديها حسابات ضيّقة في هذا الشأن. وتحدث تبون عما وصفها بـ"الثقة التي تتمتع بها الجزائر لدى جميع الأطراف الفلسطينية، بما فيها حركة حماس"، وقال "إنه من دون وحدة ومن دون توحيد الصفوف لن يتحقق استقلال دولة فلسطين"، مجدداً التأكيد أن الجزائر قادرة على هذه المهمة.

تحفظ مصري على الموقف الجزائري

لكن دبلوماسياً يشغل موقعاً رفيعاً في الجامعة العربية في القاهرة، قال إن حديث تبون حول أن بلاده هي الدولة الوحيدة التي ليست لها حسابات ضيقة في ما يتعلق بالقضية الفلسطينية، أثار حفيظة دوائر مصرية. وبحسب الدبلوماسي الذي تحدث لـ"العربي الجديد"، طالباً عدم ذكر اسمه، فإن "الكثير من التحركات الجزائرية الأخيرة على صعيد عدد من الملفات، تؤثر سلباً على مصر في المقام الأول، وهو أمر غير مفهوم بالنسبة إلى القاهرة، التي لم تبادر طوال الفترة الماضية للمساس بأي من المصالح الجزائرية في الإقليم، بخلاف الأزمة الليبية، وطريقة تعامل الدولتين معها".

دبلوماسي في الجامعة العربية: الكثير من التحركات الجزائرية الأخيرة تؤثر سلباً على مصر في المقام الأول

وأضاف أن مصر "أكدت في أكثر من مناسبة، لمسؤولين جزائريين، وعلى رأسهم الرئيس تبون، حينما زار القاهرة، عدم سعيها للإضرار بمصالح الجزائر على صعيد الأزمة الليبية، وأن تحركاتها كانت لها طبيعة خاصة في هذا الصدد، نظراً للتداخل بين أكثر من طرف إقليمي في الأزمة".

في السياق، قال دبلوماسي مصري سابق، إن "التحرك الجزائري على صعيد الملف الفلسطيني، من دون أن يتم التنسيق مع مصر باعتبارها الراعية لهذا الملف على المستوى العربي، يمثّل موقفاً جزائرياً مضاداً للقاهرة". وأضاف: "لو كانت الجزائر بالفعل ترغب في تصفية الأجواء العربية وتهيئتها قبيل القمة العربية التي تستضيفها في نوفمبر المقبل، لكان من الأجدر بها أن تنسق مع مصر في هذا الملف، من أجل الوصول إلى معدلات نجاح مرتفعة، بحكم علاقة مصر بهذا الملف وخبرتها الكبيرة فيه".

ملفات تؤرق العلاقات بين الجزائر والقاهرة

ويتحدث مراقبون مصريون عن أكثر من ملف يؤرق العلاقات بين الجزائر والقاهرة، وليس فقط الملف الفلسطيني. وبحسب هؤلاء يأتي في صدارة هذه الملفات، التقارب الإثيوبي الجزائري، واستضافة الجزائر أخيراً لرئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد، ولقاؤه تبون ورئيس الوزراء أيمن بن عبدالرحمن، وتوقيع عدد من اتفاقيات الشراكة بين الطرفين. ويقول مراقبون مصريون إنه يفهم من ذلك انحياز جزائري لإثيوبيا في موضوع سد النهضة، على حساب الأمن المائي المصري. كما أن موقف الجزائر السابق بعرض القيام بوساطة بين القاهرة وأديس أبابا، لم يكن، وفقاً للمراقبين أنفسهم، إيماناً بالوصول إلى حل عادل بقدر ما كان محاولة لإثبات دورها الإقليمي.

كما يشير مراقبون إلى أن الملف الليبي تسبّب أخيراً، في مزيد من التوتر في العلاقات المصرية الجزائرية، وشهدت الجامعة العربية في اجتماعاتها على مستوى المندوبين الدائمين ووزراء الخارجية أخيراً، مؤشرات على ذلك. وشهد اجتماع المندوبين، خلافاً حاداً وصل إلى حد التراشق، بحسب دبلوماسي عربي شهد الاجتماع وتحدث في وقت سابق لـ"العربي الجديد". وأرجع الدبلوماسي السبب إلى "تمسك الجزائر بعودة سورية إلى مقعدها في الجامعة، وإقناع الجزائر لليبيا التي تمثلها في الجامعة في الوقت الراهن بعثة تتبع حكومة عبد الحميد الدبيبة، بتبني موقفها".

مع العلم أن النظام السوري بات رسمياً خارج القمة العربية المقبلة بعدما أعلنت وزارة الخارجية الجزائرية في بيان في الرابع من سبتمبر/أيلول الحالي أن وزير خارجية النظام السوري فيصل المقداد أبلغ نظيره الجزائري رمطان لعمامرة، في اتصال هاتفي، بأن دمشق "تفضل عدم طرح موضوع استئناف شغل مقعدها بجامعة الدول العربية خلال قمة الجزائر، وذلك حرصاً منها على المساهمة في توحيد الكلمة والصف العربي في مواجهة التحديات التي تفرضها الأوضاع الراهنة على الصعيدين الإقليمي والدولي"، ما عد يومها مخرجاً سياسياً يرفع الحرج عن الجزائر، ويعفيها من التمسك بمطلب إدراج عودة سورية إلى مقعدها.

وتبع ذلك انسحاب وزير الخارجية المصري سامح شكري من الاجتماع التالي في الجامعة الذي عقد في 6 سبتمبر، اعتراضاً على تمثيل وزيرة الخارجية في حكومة الدبيبة، نجلاء المنقوش، لليبيا. وبحسب مراقبين، فإن موقف الجزائر بشأن تطورات الأحداث الأخيرة في ليبيا، وتمسكها بدعم الدبيبة، ورفضها لأي مقاربات تجاه حكومة فتحي باشاغا، ساهم في مزيد من التأزم في العلاقات مع القاهرة.

بالإضافة إلى ملفي سد النهضة وليبيا، "يعد الموقف المصري من النفوذ الجزائري الأمني والعسكري في تونس، وكذلك موقف القاهرة بشأن النزاع حول الصحراء بين المغرب والجزائر، سببين آخرين، لموقف الجزائر المناقض للمصالح المصرية، على الأقل في ملف سد النهضة"، بحسب دبلوماسي مصري سابق تحدث لـ"العربي الجديد". وأشار إلى أن "الموقف الرسمي المصري بشأن الوحدة الترابية للبلدان العربية، وتمسك مصر بهذا المبدأ، تعتبره الجزائر موقفاً مضاداً لها في أزمة الصحراء، وانحيازاً للمغرب".

الجزائر تتجنب المناكفات السياسية

على المقلب الآخر، تتجنّب الجزائر في الوقت الحالي الدخول في أي جدال سياسي ومناكفات إعلامية مع أي طرف، على أن ذلك ينطبق على مصر التي تقر الجزائر بوجود اختلاف في وجهات معها حول عدد من القضايا. وتوقّف أكثر مسؤول في الجزائر، بمن فيهم مسؤولون في الخارجية، تواصلت معهم "العربي الجديد"، عند ما وصفوه بتواتر تسريبات في الفترة الأخيرة تتضمن "تقديرات وتخمينات خاطئة" حول الجزائر وعلاقاتها العربية والإقليمية والقضايا القائمة بما يتخطى العلاقة مع مصر، مشيرين إلى أن الجزائر يمكن أن ترد فقط في حال صدور بيانات رسمية من أي دولة تتطرق فيها إلى وجود خلافات أو تحفظات.

التقارب الإثيوبي الجزائري، وتوقيع اتفاقات شراكة بين البلدين يزعج القاهرة

وفي السياق، قال عضو لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان الجزائري عبد الوهاب يعقوبي، لـ"العربي الجديد"، إن "الحديث عن أزمة في العلاقات بين الجزائر ومصر، أمر مبالغ فيه، ويتناقض كلياً مع الوقائع السياسية الراهنة، ومع الزيارة الأخيرة لوزير الخارجية رمطان لعمامرة إلى القاهرة. وأشار إلى أن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي كان ثاني رئيس عربي توجّه له الجزائر دعوة القمة العربية بعد الرئيس الفلسطيني محمود عباس، وقبلها كانت زيارة رئيس الحكومة المصري مصطفى مدبولي إلى الجزائر حيث تم توقيع عدد من الاتفاقيات. وأضاف أن كل هذه الوقائع لا تعطي مصداقية للحديث عن أزمة علاقات بين البلدين، على الرغم من الإقرار بأن هناك اختلافاً في وجهات النظر إزاء بعض القضايا، مثل الأزمة في ليبيا. وأوضح أن هذا الاختلاف ليس مع القاهرة فقط، غير أن الجزائر لا تنظر إلى هذه الاختلافات بشكل متشنج.

وفيما يخص المصالحة الفلسطينية، قال يعقوبي إن "هدف الجزائر هو تحقيق الوحدة الفلسطينية وليس مناكفة أو منافسة أي طرف كان". وتابع: "لا أعتقد أن الجزائر لا تأخذ بعين الاعتبار الجهود المصرية ومجمل المبادرات العربية السابقة بشأن إنجاز المصالحة الفلسطينية، فالواقعية السياسية تفرض ذلك، ونجاح المصالحة يفرض أيضاً التنسيق مع كل الأطراف العربية المهمة التي يمكن أن تلعب دوراً إيجابياً في تكريس المصالحة".

ولفت إلى أن أطرافاً "كانت تتحدث طوال فترة سابقة عن إمكانية تأجيل أو نقل القمة العربية، والملاحظ أنه بعدما سقطت كل تخميناتها، تحاول الآن الخوض في قضايا أخرى، تصب في نفس منحى التشويش على القمة العربية، بإثارة مشكلات بين الجزائر ودول عربية، وإعطائها توصيف الأزمة، بينما الأمر يتعلق باختلاف طبيعي في وجهات النظر".

وفي السياق، أكد عضو لجنة الشؤون الخارجية في المجلس الشعبي الوطني، عز الدين زحوف، في تصريح لـ"العربي الجديد" رداً على ما إذا كان ملف المصالحة الفلسطينية يمكن أن يزعج الجانب المصري، أو يضع الجزائر محل منافسة مع القاهرة بشأن الملف، أن "العبرة في ما تقوم به الجزائر على صعيد المصالحة الفلسطينية، بالنتائج والمآلات، وليس بمن يحقق ذلك".

وأضاف: "الجزائر دعمت بقوة لقاء الفصائل الفلسطينية في السعودية، واتفاق مكة، وفي مصر اتفاق القاهرة، والجزائر تبني على تراكم هذه التجارب، وهي جزء أصيل في المشهد العربي ولها أن تتحرك لصالح القضية الفلسطينية، ويفترض أن يحظى ذلك بدعم من كل الأطراف العربية وألا يكون محل مناكفة أو جدل".

ولفت إلى أنه "مع كل تقدّم نحو ملف المصالحة واقتراب القمة العربية، يحصل تركيز على المسائل الخلافية بين الدول العربية، وأعتقد أن هناك تشويشاً على القمة العربية باختلاق أزمات". واعتبر أن "كل من يفعل ذلك يقدّم خدمة مجانية للأطراف التي يهمها أن يبقى الصف العربي مشتتاً ومن دون توحيد للمواقف". وتوقع أن تزيد في الفترة المقبلة حدة ومحاولات التوجيه الإعلامي نحو القضايا الخلافية بدلاً من التركيز على ايجابية المبادرات الجزائرية والعربية بشكل عام".

 

المساهمون