أجبر قانون الانتخابات الرئاسية والبرلمانية الجديد في تركيا، الأحزاب السياسية على الدخول في تحالفات، وفق التعديلات الدستورية التي نقلت البلاد إلى النظام الرئاسي بدلاً من البرلماني عام 2018، مع تحديد عتبة برلمانية يتوجب تجاوزها لدخول البرلمان من قبل الأحزاب في حال خوضها الانتخابات منفردة، وهو ما سيُطبّق في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية التي تجرى في 14 مايو/ أيار الحالي.
الأحزاب الصغيرة هي أكثر من بحثت عن مكان داخل التحالفات الكبرى، إذ ينص قانون الانتخابات على أن العتبة البرلمانية هي 7 في المائة، فيما يمكن لأي حزب دخول البرلمان في حال خاض الانتخابات مع أحد التحالفات، ولكن يتم تمثيله بنسبة الأصوات التي يحصل عليها فقط، وليس بنسبة ما يحصل التحالف عليه من أصوات.
5 تحالفات في الانتخابات التركية
ويشارك في الانتخابات التركية المقررة في 14 مايو الحالي، 5 تحالفات، هي التحالف الجمهوري الحاكم، وتحالف الشعب المعارض، وتحالف أتا ويعني الأجداد، وتحالف الجهد والحرية، وتحالف اتحاد القوى الاشتراكية.
وأعلنت التحالفات الثلاثة الأولى مرشحيها الرئاسيين في الانتخابات، وهم الرئيس رجب طيب أردوغان عن التحالف الجمهوري، وزعيم حزب الشعب الجمهوري كمال كلجدار أوغلو عن تحالف الشعب المعارض، وسنان أوغان عن تحالف أتا، فيما دعم "الجهد والحرية" مرشح تحالف الشعب كلجدار أوغلو، بينما لم يعلن تحالف القوى الاشتراكية عن دعم أي مرشح حتى الآن.
5 تحالفات تخوض الانتخابات هي التحالف الجمهوري، وتحالف الشعب، وتحالف أتا، وتحالف الجهد والحرية، وتحالف اتحاد القوى الاشتراكية
ويتألف التحالف الجمهوري من أحزاب العدالة والتنمية (الحاكم)، والحركة القومية، والوحدة الكبرى، والرفاه من جديد. ويدعم التحالف بشكل غير رسمي حزب هدى بار الكردي الإسلامي، وحزب اليسار الديمقراطي، وهذان الحزبان قدّما مرشحيهما في قوائم "العدالة والتنمية"، وأعلنا دعم أردوغان في الانتخابات الرئاسية.
أما تحالف الشعب فيتكوّن من 6 أحزاب هي الشعب الجمهوري، والجيد، والمستقبل، والسعادة، ودواء، والديمقراطي، وهو أكبر تكتل معارض، ومرشحه كلجدار أوغلو منافس قوي لأردوغان. أبرز ما يجمع أحزاب التحالف هو التوافق على العودة إلى النظام البرلماني، علماً أنه عانى اضطرابات كبيرة خلال التوافق على اختيار كلجدار أوغلو مرشحاً له.
تحالف الجهد والحرية يقوده حزب الشعوب الديمقراطي الكردي، الذي قرر خوض الانتخابات باسم حزب اليسار الأخضر للهروب من دعوى إغلاق الحزب أمام المحكمة الدستورية العليا. ويضم أيضاً حزب العمل التركي، ويحظى بدعم أحزاب يسارية اشتراكية كردية صغيرة. وهذا التحالف لم يختر مرشحاً في الانتخابات الرئاسية، وأعلن رسمياً عن دعم كلجدار أوغلو.
من جهته، يضم تحالف أتا حزب العدالة، وحزب النصر الذي يتزعمه النائب البرلماني المثير للجدل والمتطرف أوميت أوزداغ، وهو تحالف قومي متطرف يستهدف المهاجرين غير النظاميين والأجانب، خصوصاً السوريين والأفغان، وليس لديه أجندة أخرى سوى ترحيل الأجانب. وقدّم هذا التحالف سنان أوغان للانتخابات الرئاسية.
والتحالف الأخير هو "اتحاد القوى الاشتراكية"، ويضم حزب الحركة الشيوعية، والحزب التركي الشيوعي، والحزب اليساري.
تحالفات غير متجانسة
نظام الانتخابات القائم واشتراط حصول المرشح الرئاسي على نسبة 50 في المائة زائداً واحدا من الأصوات للفوز، جعل صوت كل ناخب يحظى بأهمية كبرى، ودفع الأحزاب الكبرى لحشد الأحزاب الصغرى في تحالفاتها، بالتوازي مع رغبة الأخيرة بالدخول إلى البرلمان. وعلى الرغم من الإيجابيات التي تحملها التحالفات، إلا أن لها سلبيات أيضاً، منها أنها تتضمّن أطيافاً غير متجانسة من الأحزاب المختلفة.
تضم التحالفات القائمة أحزاباً غير متجانسة وتختلف في توجهاتها
فالتحالف الجمهوري يضم حزب الحركة القومية من جهة، ويحظى بدعم حزب هدى بار الكردي الإسلامي المتناقض في التوجّه معه. كذلك الحال بين حزب اليسار الديمقراطي والرفاه من جديد، فلكل منهما توجهات مختلفة، ربما تنعكس على التحالف مستقبلاً.
والأمر نفسه فيما يتعلق بتحالف الشعب المعارض، إذ يضم حزب الشعب الجمهوري الأتاتوركي مع أحزاب السعادة والمستقبل ودواء الإسلامية، والحزب الجيد القومي. ويتلقى التحالف دعماً من حزب الشعوب الديمقراطي المتهم بالارتباط بحزب العمال الكردستاني، وهو ما قد يكون سبباً لخلافات مستقبلية داخل التحالفات.
على ماذا تتفق أحزاب التحالف الجمهوري؟
وعن حسابات التحالفات، وما يجمعها والمآخذ عليها، قال عضو حزب العدالة والتنمية الحاكم، المحلل السياسي بكير أتاجان، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن "التحالف الجمهوري وعلى الرغم من الاتجاهات الأيديولوجية المختلفة فيه والأهداف والأدوات المتنوعة لدى أحزابه، إلا أنها التقت معا".
وتابع: "حزب العدالة والتنمية هو حزب ليبرالي محافظ، وحزب الحركة القومية قومي محافظ، وكلمة قومي هنا تشمل كل القوميات والأعراق بحسب ما يقوله الحزب، إضافة إلى حزب الوحدة الكبرى وهو قومي إسلامي، فيما حزب الرفاه من جديد حزب إسلامي ويدعم الأمة الإسلامية، كما يضم التحالف حزب اليسار وهو قومي علماني يساري وجمهوري، وحزب هدى بار القومي الكردي الإسلامي".
أتاجان: ما جمع أحزاب التحالف الجمهوري أنها تدعم وحدة تركيا وتطورها
وأوضح أتاجان أن "ما جمع هذه الأحزاب أنها تدعم وحدة تركيا وتطورها، والتوحد أمام أعداء البلاد ومقارعتهم، وخصوصاً القوى الإمبريالية". ويعطي مثالاً على ذلك "في الموقف من شرق البحر المتوسط، إذ ترفض هذه الأحزاب وجود أي قوى أجنبية في المنطقة وتدافع عن حقوق تركيا بالتساوي مع دول المنطقة"، مشيراً إلى أن "لدى هذه الأحزاب خطة وبرنامجاً لتطوير التعليم والاقتصاد والصحة والتصنيع والخدمات الاجتماعية والثقافية لمصلحة الشعب التركي والوطن".
وأشار أتاجان إلى أن أحزاب التحالف الجمهوري "تدعم نمو القوة التركية داخل البلاد وخارجها، كما أنها تدعم الاكتفاء الذاتي الداخلي في كل شيء، اقتصادياً وزراعياً وصناعياً وتقنياً، وتدعم العلاقات الدولية القائمة على الاستقلالية والاحترام المتبادل، لا سيما احترام استقلالية تركيا وعدم التدخّل في أراضيها".
وتابع: "كما تجتمع هذه الأحزاب على ضرورة امتلاك تركيا قدرات ذاتية تفيدها بعيداً عن أي تعليمات أو مساعدات من الخارج، بما يعني الاستقلالية الكاملة، واحترام الشعب التركي وعاداته ومعتقداته ومذاهبه من دون تفرقة، واحترام الأعراف والمعتقدات من دون فرض لأي شيء، والعلاقات الثنائية المتبادلة".
وحول الانتقادات الموجّهة للتحالف ولكيفية اجتماع الأحزاب داخله، قال أتاجان إنه "في التحالف الجمهوري لا شروط مسبقة لأحزابه، ولا تقاسم للمناصب، ولا حتى في مسألة إدارة الدولة، كما هو الحال في تحالف الشعب في حال فوزه".
وتابع: "لا مشكلة داخل التحالف الجمهوري في مسألة الحكم وتشكيل الحكومة، وهو تحالف قائم على المصالح المشتركة للشعب التركي في الإدارة والاقتصاد والجيش والسياسة الداخلية بما يصب في مصلحة الأتراك، عكس تحالف الشعب القائم على تقاسم المناصب والمقاعد البرلمانية وفق الابتزاز والمصالح الشخصية".
تحالف الشعب وهدف العودة للنظام البرلماني
مقابل ذلك، قال نائب رئيس حزب السعادة المعارض، بولنت كايا، المرشح عن الحزب للبرلمان ضمن قوائم حزب الشعب الجمهوري، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن "أحزاب تحالف الشعب التقت مع بعضها من أجل تحقيق مبادئ عديدة، وأهمها العودة إلى النظام البرلماني المعزز، وبعد ذلك اتفقت الأحزاب على مسائل تتعلق بالسلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية، وأصدرت نص السياسات المشتركة التي وُضعت من أجل تغيير 84 مادة في الدستور بهدف تفعيل التوافقات، وتم إعلام الرأي العام بالخطوات التي سيتم اتخاذها".
وأشار إلى أن "التحالف قدّم أيضاً خططه الحكومية وبرنامجه المكوّن من 9 عناوين رئيسية و12 مادة حول الخطة الانتقالية وكيفية حكم البلاد خلال هذه المرحلة، وبالتالي هذه المبادئ هي التي جمعت تحالف الشعب في تأسيسه".
كايا: تحالف الشعب قدّم سياسات مشتركة وخططاً حكومية اجتمعت عليها أحزابه
وفيما يتعلق بالمعوقات في تطبيق الخطط، والخلافات داخل التحالف، قال كايا: "لا أعتقد أن أي معوقات تعترض تنفيذ هذه المخططات لأن الأحزاب الستة هي التي وافقت عليها، وبالتالي هي نتيجة قناعة أدت إلى سياسات مشتركة، ولا توجد أي مشكلة في تنفيذها"، موضحاً أن "موضوع تقاسم السلطات في التحالف ليس مسألة مرتبطة بالتوافقات، بل بالحسابات الرياضية بين الأحزاب".
وأشار إلى أن "أطراف تحالف الشعب لديها 4 أوراق أساسية توافقت عليها"، متسائلاً "على أي أوراق توافق التحالف الجمهوري، فحزبا الحركة القومية وهدى بار لا يستطيعان اللقاء في برنامج العيد، فكيف توافقا ضمن التحالف الجمهوري؟ أو حزب اليسار الديمقراطي الذي انضم للتحالف بشكل مفاجئ ما هي المبادئ التي انضم وفقها؟".
وشدد كايا على أن "ما تم من تفاهمات داخل تحالف الشعب كان نتيجة جهود استمرت لعامين، وبالتالي لا يمكن الحديث عن تقاسم للمناصب"، مؤكداً أن "أي خلاف يمكن حله بالحوار وهناك مبادئ وأساسيات، وعندما يتم تنفيذ برنامج الحكومة يتم تقاسم المناصب".
وأضاف أنه "لا يمكن أن تكون هناك مساومات في مسائل لا توجد فيها مبادئ مشتركة، وكل شيء معلن للرأي العام، بينما التحالف الجمهوري لم يعلن أي ورقة للرأي العام، وهو ما يجب انتقاده". وأكد أن "الأجواء حالياً إيجابية داخل تحالف الشعب، وهناك توقعات بأن التحالف سيفوز بالانتخابات، ويعمل القادة مع بعضهم بشكل منسجم".
كل صوت مهم
وتعقيباً على حالة التحالفات الانتخابية، قال المحلل السياسي محمد جيرين، لـ"العربي الجديد"، إن "مسألة التحالفات باتت ضرورة للأحزاب السياسية لحسابات متعددة، وهي تعمل وفق محورين أساسيين، الأول يرتبط بالأحزاب نفسها الراغبة بدخول البرلمان وتريد تشكيل كتلة برلمانية، ولكن عليها الحصول على نسبة 7 في المائة من الأصوات، وعدد الأحزاب التي تحظى بهذه النسبة قليل، ولهذا وضع تحالف الشعب المعارض خطة لخفض العتبة في حال فوزه بالانتخابات إلى 3 في المائة لتستفيد الأحزاب الصغيرة".
جيرين: بات كل صوت مهماً وهو ما رفع من أهمية الأحزاب الصغرى لدى المرشحين الرئاسيين
وأضاف جيرين أن "الأحزاب عملت على تحالفات موازية، منها الدخول في قوائم الأحزاب الأخرى، كما فعلت أحزاب السعادة ودواء والمستقبل والديمقراطي بدخولها ضمن قوائم الشعب الجمهوري، وكذلك حزبا هدى بار واليسار الديمقراطي بدخولهما في قوائم حزب العدالة والتنمية، وهي استراتيجية لتحقيق أكبر أعداد في البرلمان من قبل الأحزاب الكبرى، وتسمح للأحزاب الصغرى بدخول البرلمان".
أما المحور الثاني، بحسب جيرين، "فيرتبط بأصوات المرشحين الرئاسيين، فكل تحالف يسعى لكسب أكبر عدد من الأصوات، كي لا يكون لديه أي نقص في حال كانت نتائج الاقتراع متقاربة، كما تشير استطلاعات الرأي، وبالتالي بات كل صوت مهماً وهو ما رفع من أهمية الأحزاب الصغرى لدى المرشحين الرئاسيين والأحزاب الكبرى". لكنه رأى أن "كل هذه الحسابات تحمل مخاطر كبرى في المستقبل بعد الانتخابات في حال اشتعال فتيل أزمة ما، بسبب اختلاف مشارب هذه الأحزاب وأيديولوجياتها".