لم يترك رئيس دولة الاحتلال الإسرائيلي، رؤبين ريفلين، أمس الثلاثاء، وهو يعلن تكليف بنيامين نتنياهو بتشكيل الحكومة المقبلة، مجالاً للشك بأنه يقوم بهذه الخطوة مكرهاً لا بطل، بسبب نصوص القانون الإسرائيلي الذي يلزمه بتكليف عضو الكنيست الذي يملك أكبر عدد من أعضاء الكنيست الذين أوصوا بتشكيله الحكومة، حتى لو كانت هناك إشكاليات أخلاقية وقيمية، بحسب تعبير ريفلين، في إشارة منه إلى المحاكمة الجارية لنتنياهو في قضايا الفساد والرشاوى الموجهة له، من دون أن تكون الأبعاد والجوانب الأخلاقية، كما في الفكر الصهيوني الذي يحمله ريفلين وباقي السياسيين في الأحزاب الصهيونية، سارية على سياسات الاحتلال والقتل والجرائم.
وحاول ريفلين أن يوحي، خلال إعلانه تكليف نتنياهو، بأنه ممزق بين الأبعاد الأخلاقية والنزاهة، وبين نصوص القانون وموازين القوى التي ألزمته أمس بتكليف نتنياهو رسمياً بتشكيل الحكومة، مع الإشارة في الوقت ذاته إلى أنه لا يرى أملاً كبيراً بأن ينجح نتنياهو في مهمته. ومع حصول نتنياهو على توصية 52 عضو كنيست، مقابل 45 عضواً أوصوا لمنافسه الرئيسي يئير لبيد، تبدو الصورة في إسرائيل ضبابية ولا تميل إلى ترجيح قدرة نتنياهو على تشكيل حكومة جديدة، ما لم يعلن زعيم حزب "يمينا" نفتالي بينت، انضمامه إلى المعسكر المناصر لنتنياهو، من جهة، ومن جهة أخرى يتمكّن نتنياهو بالإضافة لأصوات حزب بينت السبعة، من تجنيد عضوين إضافيين على الأقل من الأحزاب المعارضة له في اليمين للوصول إلى 61 صوتاً المطلوبة لحصول حكومته الجديدة على ثقة الكنيست المكون أصلاً من 120 نائباً.
تبدو الصورة في إسرائيل ضبابية ولا تميل إلى ترجيح قدرة نتنياهو على تشكيل حكومة جديدة
مع ذلك، فإن القلق يساور الأحزاب المعارضة لنتنياهو من أن يتمكّن في نهاية المطاف من إبرام صفقات سرية مع أعضاء من هذا المعسكر، مما قد يوفر له أغلبية 61 عضواً، من دون أن يحتاج إلى دعم خارجي لحكومته من خارج الائتلاف، من القائمة العربية الموحدة بقيادة النائب منصور عباس، والتي أعلنت على لسان عباس وآخرين استعدادها للتعاون مع أي حكومة تلبي مطالب للمجتمع الفلسطيني في الداخل، على اعتبار أنه لم يعد في إسرائيل معسكر يسار مقابل معسكر يمين. إلا أن نتنياهو كان قد أعلن أنه لن يلجأ إلى الاعتماد على أصوات نواب عرب، لكن أحداً في إسرائيل لا يثق بأن نتنياهو لن يحاول تشكيل حكومة بالاعتماد على هذه الأصوات.
ووفقاً لإعلان التكليف، وبحسب نصوص القانون الإسرائيلي، سيحصل نتنياهو على مهلة أولى من 28 يوماً، وفي حال عدم نجاحه سيحصل على تمديد أسبوعين إضافيين قبل نقل التكليف إلى عضو كنيست من المعسكر الآخر، وهو سيناريو يبدو حالياً غير واقعي، في ظل إعلان ريفلين خلال المشاورات مع الكتل المختلفة، أنه قد يقفز عن هذا الخيار ويتجه مباشرة إلى نقل التكليف للكنيست مباشرة. وفي مثل هذه الحال، سيكون أمام الكنيست مدة أسبوعين لاختيار عضو كنيست يحظى بتأييد 61 عضو كنيست بشكل خطي لتشكيل حكومة جديدة.
على أي حال، يبدو الجدول الإسرائيلي مرتبطاً بنصوص القانون التي في حال اتّبعها الرئيس الإسرائيلي، إذا فشل نتنياهو واستنفد كل الخيارات المتاحة أمامه، فإن نقل التكليف من نتنياهو مثلاً إلى خصمه في المعسكر الآخر، ثم في حال فشل الأخير بتشكيل حكومة، والعودة إلى الكنيست، فإن ذلك يعني إبقاء إسرائيل في دوامة من المشاورات والمحاولات لتشكيل حكومة تنتهي في مطلع يونيو/حزيران، وعندها ستضطر إسرائيل للذهاب إلى انتخابات خامسة في 14 سبتمبر/أيلول المقبل.
ومع أن المنافس الرئيسي لنتنياهو في حال فشله هو زعيم المعارضة الحالي يئير لبيد، إلا أن التقديرات تشير إلى أن مَن قد يحصل في الجولة المقبلة (بعد انتهاء المدة الممنوحة لنتنياهو) على التكليف الرسمي هو زعيم حزب "يمينا" نفتالي بينت، علماً أن حزبه حصل على 7 مقاعد فقط، لكن يئير لبيد أعلن أنه لن يعارض منحه التكليف على أساس تشكيل حكومة ائتلاف تقوم على أساس التناوب بينه وبين بينت، بهدف التخلص من حكم نتنياهو.
قد يتجه نتنياهو لحل الكنيست في حال فشله بتشكيل الحكومة
لكن معسكر لبيد - بينت، يواجه معضلة عدم تمكّنه من تشكيل حكومة بديلة من دون مشاركة أو دعم من أي من القائمتين العربيتين في الكنيست، إذ إن عدد أعضاء الائتلاف بقيادة بينت - لبيد من دون النواب العرب هو 58 عضواً. وسبق أن أعلن زعيم حزب "تكفا حداشا" غدعون ساعر، ونفتالي بينت، أنهما لن يقبلا بتشكيل حكومة تعتمد على دعم من الأحزاب العربية. وتعني موازين القوى الحالية أن الأزمة السياسية في إسرائيل ستستمر، خصوصاً أن أحد الخيارات المطروحة في حال فشل نتنياهو في تشكيل حكومة، أن يكرر الأخير مناورته في العام 2019 بالمبادرة إلى سنّ قانون حل الكنيست والذهاب إلى انتخابات جديدة، كي لا يمنح منافسه في المعسكر المضاد فرصة لمحاولة تشكيل حكومة جديدة تحول دون التوجه إلى انتخابات وتسدل الستار على حكم نتنياهو.