للمرة الثانية خلال سنوات، أصدر قضاة التحقيق في وحدة جرائم الحرب الفرنسية مذكرات اعتقال دولية بحق ضباط في قوات النظام السوري وأجهزته الأمنية، في خطوة يأمل الشارع السوري المعارض أن تفضي في النهاية إلى وقوف المتورطين بارتكاب جرائم حرب في سورية منذ عام 2011 أمام محكمة الجنايات الدولية.
ووفق "المركز السوري للإعلام وحرية التعبير" الذي أسهم في صدور هذا القرار الأربعاء الفائت، فإن من بين الضباط الذين أصدر القضاء الفرنسي مذكرات اعتقال بحقهم، الأربعاء الفائت، وزيرا الدفاع السابقان في حكومة النظام علي عبد الله أيوب وفهد جاسم الفريج، بالإضافة إلى قائد القوات الجوية أحمد بلول، وقائد "اللواء 64 مروحيات" علي الصافتلي، بتهمة التواطؤ في "جرائم حرب"، وتعمد توجيه هجمات ضد السكان المدنيين، وقتل شخص محمي بموجب اتفاقيات منها "القانون الدولي الإنساني".
وتأتي مذكرات التوقيف هذه في ختام تحقيق قضائي بدأ في عام 2017 إثر شكوى قدمها مواطن سوري، وهو عمر أبو نبوت، بعد مقتل والده في هجوم بالبراميل المتفجرة نفذته قوات النظام السوري في يونيو/ حزيران 2017 في مدينة درعا جنوبي سورية.
وبيّن المدير التنفيذي لـ"رابطة المحامين السوريين الأحرار" سامر ضيعي، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "قرار قضاة التحقيق في قضية أبو نبوت لا يتعلق بمبدأ الولاية القضائية العالمية، بل بسبب كون الضحية يحمل الجنسية الفرنسية"، مشيرا إلى أن "الادعاء استند إلى استهداف النظام السوري عدة مدارس بالقصف بواسطة مروحيات عسكرية، ما أدى إلى مقتل المواطن الفرنسي صلاح أبو نبوت ومواطنين سوريين من ضمنهم أطفال".
وتابع: "يؤكد النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية أن تلك الهجمات تشكل جرائم حرب، سواء جرى ارتكابها أثناء النزاعات المسلحة الدولية أو الداخلية". وأوضح أن "القانون الفرنسي يتيح إجراء محاكمات غيابية ضد متهمين ويمنحهم الفرصة في تعيين محامي دفاع حتى ولو لم يحضروا الجلسات"، مضيفا: "في حال أصدرت محكمة باريس الجنائية حكمها النهائي، فستصدر مذكرات اعتقال بحق المحكومين دولياً وتعميمها عبر الإنتربول".
من جانبه، ثمّن المحامي والناشط الحقوقي غزوان قرنقل، في حديث مع "العربي الجديد"، الخطوة التي أقدمت عليها فرنسا، مشيرا إلى أنها تكتسب أهميتها على المستوى القانوني "من كونها ترسل رسالة بأن مرحلة الافلات من العقاب قد طويت، وأنه لا بد من مساءلة كبار المرتكبين لجرائم حرب أو جرائم ضد الانسانية في سورية حتى تتاح فرصة حقيقية للسلام".
بيد أنه يرى أن "هناك مخاوف على المستويين السياسي والواقعي من مقايضة العدالة بالحل السياسي"، مضيفا: "هناك تجارب كثيرة حصل مثل هذا الشيء فيها، فكلنا يدرك المساومات التي حصلت في ملف مقتل رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري، حتى رست المسألة على أشخاص بصفتهم الشخصية فحسب".
قرنفل: هناك مخاوف على المستويين السياسي والواقعي من مقايضة العدالة بالحل السياسي
وهذه ليست المرة الأولى التي يصدر فيها القضاء الفرنسي مذكرات اعتقال بحق ضباط في النظام السوري، حيث كان قد أصدر في عام 2018 مذكرات توقيف دولية بحق ثلاثة مسؤولين رفيعين في الاستخبارات السورية، بتهم "التواطؤ مع أعمال تعذيب وتواطؤ مع الاختفاءات القسرية، وأخيراً، التواطؤ في جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب وجنح حرب".
ومن بين الملاحقين علي مملوك، المدير الحالي لمكتب الأمن القومي للنظام السوري، الذي يشرف على "كل الجهاز الأمني" التابع للنظام. أما الشخص الثاني فهو الرئيس السابق لجهاز المخابرات الجوية جميل حسن (66 سنة) وهو أحد كبار الضباط المتهمين بارتكاب مجازر وجرائم ضد الإنسانية، وكانت صدرت بحقه في نفس العام مذكرة اعتقال بتهمة ارتكابه "جرائم ضد الإنسانية" من قبل القضاء الألماني. والشخص الثالث هو عبد السلام فجر محمود، رئيس فرع التحقيق في الاستخبارات الجوية، التي كانت وراء مقتل عدد كبير من المعتقلين تحت التعذيب في عشرات السجون التي تديرها في العاصمة والمحافظات.
وأوضح فضل عبد الغني، مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان، في حديث مع "العربي الجديد"، أن الشبكة "لعبت دورا مهما في صدور مذكرات الاعتقال الأربعاء الفائت"، مضيفا: "الادعاء تواصل مع الشبكة وقدمنا كما كبيرا من المعلومات والأدلة عن القصف الذي جرى في درعا منتصف عام 2017".
وتابع عبد الغني: "أنا قدمت شهادة في المحكمة لمدة ساعتين عن الحادثة". ورأى أن المذكرات "استهدفت رتبا رفيعة في قوات النظام، ومن هنا تنبع أهميتها"، مضيفا: "هي رسالة واضحة من فرنسا تدعو إلى محاسبة النظام السوري وعدم التطبيع معه".
وفي السياق، كان القضاء الألماني حكم، مطلع العام الفائت، بالسجن مدى الحياة على ضابط سابق في مخابرات النظام السوري لإدانته بارتكاب جرائم ضدّ الإنسانية. وقضت المحكمة العليا الإقليمية في كوبلنتس (غرب ألمانيا) بأن السوري أنور رسلان (58 عاما)، الذي كان لاجئا في ألمانيا قبل أن تُكتشف حقيقة ما قام به، مسؤول عن مقتل معتقلين وتعذيب آلاف آخرين في معتقل سرّي للنظام في دمشق، وذلك بين 2011 و2012.