31 عاماً على الغزو العراقي للكويت: صفحة الخلافات طُويت

02 اغسطس 2021
بيت القرين تحوّل إلى متحف لتوثيق المقاومة الكويتية (فرانس برس)
+ الخط -

لم يكن فجر 2 أغسطس /آب 1990 عادياً على الكويت أو على المنطقة بشكل عام، مع تجاوز القطعات العسكرية العراقية الحدود الكويتية لتحتل البلاد وتُسقط الحكومة، مؤدّية إلى أزمة إقليمية ودولية لم يتجاوزها العراق حتى اليوم. ولا تزال هذه الذكرى تمثل جرحاً كبيراً بالنسبة للكويت، وسبّبت لها صدمة سياسية واقتصادية واجتماعية لم تخرج منها إلا بعد سقوط النظام العراقي عام 2003 عقب الاحتلال الأميركي للبلاد. واستذكرت وكالة الأنباء الكويتية "كونا" الغزو العراقي، أمس الأحد، معتبرة أن "الكويت تستعيد في ذكرى الغزو الغاشم صفحات مؤلمة من تاريخها لا يمكن نسيانها، لكنها في الوقت نفسه تضرب أروع الأمثلة في التعالي على الجراح والتسامح ومد يد التعاون مع العراق الشقيق". وكانت الكويت من أكثر الدول الداعمة للعراق أثناء الحرب العراقية - الإيرانية (1980 ـ 1988)، عبر تقديم المنح المالية والقروض لبغداد، فضلاً عن تحويل الموانئ الكويتية إلى مراكز لإمداد العراق بعد دمار الموانئ العراقية أثناء الحرب. ودفعت في هذا الصدد ثمناً أمنياً كبيراً، مع استهداف ناقلاتها النفطية، وتعرّضها لسلسلة تفجيرات داخل البلاد، بما فيها محاولة اغتيال أمير البلاد الشيخ جابر الأحمد الصباح عام 1985. وهي عمليات انتقامية نفّذتها جماعات موالية لإيران انتقاماً من موقف الكويت أثناء الحرب.


تبدو العلاقات الكويتية العراقية في أحسن حالاتها تاريخياً في الفترة الحالية

لكن الخلافات تصاعدت بعد نهاية الحرب العراقية - الإيرانية بين الكويت والعراق، وسط اتهامات عراقية باستيلاء الكويت على إنتاج حقل الرميلة النفطي، ومحاولة إحياء العراق الخلافات الحدودية القديمة بين البلدين، رغم وجود معاهدات أولية بين البلدين منذ عام 1913. ولم تصمد القوات الكويتية أمام قوات الحرس الجمهوري العراقي، فسقطت العاصمة الكويت في غضون ساعات قليلة، فيما لجأت الحكومة الكويتية إلى السعودية، وشكّلت حكومة منفى من مدينة الطائف، جنوبي البلاد. كما فرّ مئات الآلاف من الكويتيين عبر الحدود السعودية، قبل تدخّل قوات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة في عملية "عاصفة الصحراء"، لتُنهي الوجود العراقي في الكويت في فبراير/شباط 1991.

وارتكزت السياسة الكويتية تجاه العراق عقب تحرير البلاد عام 1991 من القوات العراقية على "نقطتين مهمتين، هما أن النظام العراقي السابق لا يمكن الوثوق به والتعامل معه، وأن الشعب العراقي مغلوب على أمره وهو ضحية للنظام الحاكم وقتها"، وفقاً لبيانات الحكومة الكويتية الرسمية.

وبعد مرور 31 عاماً على غزو العراق للكويت، تبدو العلاقات الكويتية العراقية في أحسن حالاتها تاريخياً، مع طيّ صفحة الخلافات التاريخية المتعلقة بالحدود بين البلدين، عقب اعتراف العراق بالحدود الرسمية بين البلدين في عام 1994. بعدها، أحجمت الكويت عن التدخل في الشؤون العراقية الداخلية بعد سقوط نظام الرئيس الراحل صدام حسين عام 2003، رغم وجود خلافات حول ميناء مبارك الكبير الكويتي، والذي يخشى العراقيون من أن يؤثر على حركة الملاحة في السواحل المقابلة للخليج.


نظّمت الكويت مؤتمراً لإعادة إعمار العراق بعد الحرب على "داعش"

واقترب البلدان من تسوية التعويضات المستحقة للكويت على العراق نتيجة الغزو العراقي وتدمير البنية التحتية الكويتية، ودفعت السلطات العراقية ما قيمته 50 مليار دولار تعويضات للغزو، ولم يتبق سوى 2.4 مليار دولار، تُستقطع بشكل دوري من عائدات العراق النفطية. وسبق أن وافقت الكويت على تأجيل تسديد العراق ديونه من عام 2014 وحتى عام 2018، وذلك لمساندة الجهود العراقية في محاربة تنظيم "داعش"، وأجّلت أيضاً مطالبة العراق بالديون المستحقة، البالغة قيمتها 6 مليارات دولار.

ويتعاون البلدان في العديد من الملفات الاقتصادية والاستثمارية، إضافة إلى التعاون الأمني المشترك، ودعم اللاجئين والنازحين الذين دمرت مدنهم وقراهم عقب الحرب على "داعش". ونظمت الكويت مؤتمراً دولياً لإعادة إعمار العراق عام 2018، تعهدت فيه الدول المشاركة بدفع مبلغ يصل إلى 30 مليار دولار. ولم تنقطع زيارات رؤساء الحكومات العراقية للكويت. في المحصلة، بعد 31 عاماً من الحرب، باتت الكويت اليوم الدولة الأقرب إلى العراق من دول مجلس التعاون الخليجي، واستطاعت القيادة السياسية في الكويت إنهاء أغلب المشاكل التاريخية بين البلدين وفتح صفحة جديدة من الجار المتاخم لها.