عُقدت ثلاثة لقاءات سياسية بين كبار المسؤولين في الحكومة الجزائرية والفرنسية منذ شهر سبتمبر/ أيلول الماضي، دون التوصل إلى نتائج وترتيبات تتيح تنظيم الزيارة المعلقة للرئيس عبد المجيد تبون إلى باريس، والتي كانت مقررة بداية العام الماضي 2023، ثم في منتصفه، قبل أن يتم إرجاؤها إلى العام الجاري، دون تحديد تاريخ واضح، بينما ترجح تقديرات سياسية أن لا تتم الزيارة خلال هذا العام لاعتبارات سياسية ذات صلة بالاستحقاق الرئاسي في الجزائر.
واختتمت الدورة الـ11 للمشاورات السياسية الجزائرية-الفرنسية مساء أمس الثلاثاء، ترأسها مناصفة الأمين العام لوزارة الشؤون الخارجية الجزائرية لوناس مقرمان، والأمينة العامة لوزارة الشؤون الخارجية الفرنسية آن ماري ديكوت، وسمحت المشاورات بـ"إجراء تقييم شامل لواقع العلاقات على الصعيد السياسي والتعاون الثنائي في كافة المجالات، بما فيها المجال الاقتصادي وتنقل الأشخاص".
ويعد هذا اللقاء بين مقرمان وآن ماري ديكوت الثاني من نوعه في غضون خمسة أشهر، إذ كانا قد اجتمعا في باريس نهاية شهر سبتمبر/ أيلول الماضي، وهو الثالث في إطار المشاورات السياسية نفسها، إذ عقد لقاء بين وزير الخارجية الجزائري أحمد عطاف ووزير الخارجية الفرنسي ستيفان سيجورنيه في نيويورك على هامش اجتماعات مجلس الأمن الدولي في 24 يناير/ كانون الثاني الماضي، بحثا خلاله العلاقات الثنائية وتحضيرات ذات صلة بـ"الاستعدادات للاستحقاقات الثنائية المرتقبة".
وفي 31 ديسمبر/ كانون الأول الماضي، كان الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون قد تلقى مكالمة هاتفية من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، جرى خلالها، بحسب بيان للرئاسة، "التطرق إلى الزيارة المرتقبة للرئيس تبون إلى فرنسا"، دون أي تحديد تاريخ واضح لهذه الزيارة.
لكن الكثير من المراقبين يعتقدون أن الوقت لا يبدو مناسباً على أكثر من صعيد بالنسبة للرئيس تبون وللسلطات الجزائرية لزيارة باريس في غضون العام الجاري، خاصة أن 2024 ستشهد انتخابات رئاسية في الجزائر، تفرض على الرئيس تبون عدم زيارة باريس، تجنبا لأية تأويلات سياسية وإعلامية قد تربط بين الزيارة والسياق الانتخابي في الجزائر، لا سيما مع استمرار حساسية بالغة لدى الرأي العام في الجزائر إزاء فرنسا.
ما يعزز هذه التقديرات التي تلغي إمكانية تنظيم الزيارة العام الجاري البرقية التي نشرتها وكالة الأنباء الجزائرية في 18 فبراير/ شباط الجاري، والتي عبرت عن غضب رسمي في الجزائر إزاء قرار السلطات الفرنسية منع تجمع للجالية الجزائرية كان مقرراً في باريس، للاحتفال باليوم الوطني للشهيد، حيث اعتبر الجانب الجزائري أن هذا المنع "يثبت أن موقف فرنسا من ملف الذاكرة لم يتقدم قيد أنملة"، على الرغم من توافق البلدين على تشكيل لجنة مشتركة تضم خمسة مؤرخين من كل طرف لوضع معالجات لملفات الذاكرة العالقة بين البلدين.
قبل ذلك، كانت الحكومة الجزائرية قد أقرّت بوضوح أن الظروف المساعدة على تنفيذ الزيارة المقررة منذ فترة طويلة للرئيس الجزائري عبد المجيد تبون إلى باريس لم تتوفر بعد، بسبب خمس ملفات لم يتم التوصل بشأنها إلى تفاهمات واتفاقات مشتركة تعطي زيارة الدولة معنى سياسيا، حيث أكد وزير الخارجية أحمد عطاف في حوار صحفي للمنصة الإعلامية (الأثير)، أن "زيارة الرئيس تبون إلى باريس تأجلت بسبب عدم تجاوب باريس مع بعض المطالب الجزائرية المتعلقة بخمس ملفات توصف بالثقيلة، وهي ملف الذاكرة والأرشيف، وملف التنقل (تنقل الأشخاص والتأشيرات)، وملف التعاون الاقتصادي، وملف التفجيرات النووية في الصحراء الجزائرية، حيث تطالب الجزائر بالتطهير والتعويض".
يذكر أن الرئيس تبون كشف، في أغسطس/ آب الماضي، عن أنه "رفض القيام بزيارة بروتوكولية لا تتضمن تحقيق أي أهداف واتفاقات حول قضايا محددة، أبرزها ملف الذاكرة والشؤون السياسية ومسائل تخص تنقل الأشخاص"، وقال: "نحن بانتظار مقترح من الرئاسة الفرنسية لبرنامج الزيارة، لن أذهب فقط لأحظى باستقبال في الشانزيليزيه، أو للتجوال"، موضحا أن "الزيارة ما زالت قائمة، وننتظر فقط البرنامج الذي يجسد الزيارة من طرف الرئاسة الفرنسية، خصوصاً أن الأمر لا يتعلق بزيارة سياحية، ولكن زيارة لا بد لها من نتائج".