النزاع الأوكراني: مبادرة أوروبية في مواجهة السلاح الأميركي

08 فبراير 2015
المفاوضات كانت بناءة وسمحت بالتوصل إلى اتفاق (Getty)
+ الخط -

أنتجت خمس ساعات من المفاوضات بين الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند والمستشارة الألمانية انجيلا ميركل مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في الكرملين، اتفاقاً على "خطة مشتركة ممكنة" حول الوضع في أوكرانيا، تتضمّن مقترحات السلام الفرنسية الألمانية والشروط التي وضعها الرئيس الأوكراني بيترو بوروشينكو مساء الخميس والطلبات التي عبّر عنها بوتين، كما أعلن المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف.

وقال بيسكوف، في بيان، إن المفاوضات كانت "بناءة" و"مهمة" وسمحت بالتوصل إلى الاتفاق، مشيراً إلى أن "حصيلة أولية" لأعمال صياغة خطة السلام ستُدرس في اتصال هاتفي بين ميركل وبوتين وهولاند وبوروشنكو لمناقشة مشروع خطة السلام. وكان هولاند وميركل عبرا عند وصولهما إلى موسكو الجمعة عن تفاؤل حذر في فرص نجاحهما في اقناع بوتين بقبول خطتهما.

وقبل توجّهها إلى موسكو، قالت ميركل في برلين الجمعة إن المبادرة الألمانية الفرنسية هدفها الدفاع عن "السلام الأوروبي". وأضافت "نعمل من أجل وقف حمام الدم وإحياء اتفاق مينسك"، لكنها حرصت على التأكيد أن "كل الاحتمالات واردة ولا نعرف إن كنا سننجح في التوصل إلى وقف لإطلاق النار وإن كنا سنحقق ذلك اليوم أو يحتاج الأمر لمفاوضات إضافية، لكن علينا ان نحاول ما بوسعنا للتوصل إلى تسوية لهذا النزاع".

من جهته، قال هولاند إن هذا اللقاء يهدف إلى "البحث عن اتفاق" لتسوية الأزمة الاوكرانية، مؤكداً أن "الجميع يدرك أن الخطوة الأولى يجب أن تكون وقفاً لإطلاق النار لكن لا يمكن أن يكفي ذلك، ويجب السير باتجاه تسوية شاملة".

وكان زعيما فرنسا وألمانيا التقيا الرئيس الأوكراني الخميس، وقال هولاند بعد اللقاء إنه قرر وميركل "تقديم مبادرة من أجل إيجاد نص يمكن أن توافق عليه الأطراف كلها. ولذلك جئنا بداية إلى كييف ومن ثم سنذهب للقاء بوتين".

قبل هذه الزيارة التقى وزير الخارجية الأميركي، جون كيري، الرئيس الأوكراني صباح يوم الخميس. وقد نقلت وكالة "ريا نوفوستي" قول كيري في المؤتمر الصحافي الذي أعقب لقاءه مع بوروشينكو: "إننا نخصص مليار دولار لحكومة أوكرانيا لتطوير الإصلاحات، ونعلن على الملأ أننا سنقدّم مليار دولار أخرى كمساعدة مالية للحكومة الأوكرانية".

وفي السياق نفسه، أعلن بوروشينكو، في حوار مع صحيفة "دي فيلت" الألمانية، أن كل يوم من أيام الحرب يكلّف أوكرانيا ما بين 5 و7 ملايين يورو، مطالباً حلف شمال الأطلسي والاتحاد الأوروبي بتزويد أوكرانيا بالمال وبالأسلحة الحديثة. ودعا في اللقاء نفسه الحلف الأطلسي إلى تقديم دعم كبير لأوكرانيا بما في ذلك السلاح "لحمايتها والدفاع عنها ضد المعتدي".

وكانت الولايات المتحدة الأميركية تقوم على مدى الأشهر الأخيرة بتزويد الجانب الأوكراني بمساعدات عسكرية غير مميتة، ويبدو أنها بصدد الانتقال إلى تزويدها بالأسلحة، الأمر الذي تستنفر موسكو قواها الدبلوماسية ضده وتنظر في أسوأ الخيارات تجاهه، بما في ذلك توسّع الحرب واشتدادها وربما اضطرارها لدعم أصدقائها بوسائل أكثر فاعلية.

وفي الإطار نفسه، ذكرت وكالة "ريا نوفوستي" الروسية أن ثلاثة معاهد خبرة أميركية، بمشاركة ثماني شخصيات سبق أن عملت في وظائف عليا في الإدارة الأميركية، أعدت تقريراً دعا لتزويد أوكرانيا بأسلحة تبلغ قيمتها 3 مليارات دولار حتى نهاية العام 2017.

وفي الخامس من فبراير/شباط الحالي، علّقت وزارة الخارجية الروسية على نية واشنطن تزويد أوكرانيا بأسلحة مميتة. فقد نقلت وكالة "إنترفاكس" عن ممثل الخارجية الروسية، ألكسندر لوكاشيفيتش، قوله: "نظراً للخطط الانتقامية من حزب الحرب في كييف، ففي ذلك (السلاح الأميركي) ليس فقط تصعيد شديد للوضع في جنوبي شرقي البلاد إنما خطر على أمن روسيا الاتحادية التي تعرضت أراضيها لإطلاق النار من الجانب الأوكراني أكثر من مرة".

خط أحمر

في سياق فهم المخاوف الروسية من الخطوة الأميركية، قالت البروفيسورة في قسم العلاقات الدولية في مدرسة نيويورك الجديدة، نينا خروشوفا، حفيدة الزعيم السوفييتي نيكيتا خروشوف، على هواء قناة تلفزيونية أميركية، إن "بوتين سوف يستجيب بشكل سيئ. فقد أعلنت موسكو من قبل أن أوكرانيا لن تستطيع الانتصار في هذا النزاع عن طريق القوة، وإذا ما بدأت الولايات المتحدة بالفعل بإمداد أوكرانيا بالسلاح، فإن روسيا سترفع السقف، والحرب نفسها قد تكف عن أن تكون حرباً بالوكالة وتتحوّل إلى شيء أفظع من ذلك بكثير لأوروبا والولايات المتحدة. فالقارة الأوروبية برمّتها يمكن أن تنجرّ إلى هذه الحرب"، بحسب ما نقلته صحيفة "غازيتا" عن نينا خروشوفا.

وفي الإطار نفسه، نقلت صحيفة الأعمال "بزنس-غازيتا" الروسية عن الباحث السياسي جورج فريدمان، مؤسس شركة "ستراتفور" للتنبؤ الاستراتيجي والخدمات الأمنية الخاصة، والذي يشار إليه في روسيا على أنه "ظل وكالة الاستخبارات الأميركية"، قوله، بعد تأكيده عمل واشنطن طوال القرن الأخير على منع روسيا من التحول إلى قوة حقيقية، والدور الأميركي في الحربين العالميتين وكذلك في الحرب الباردة لإضعاف روسيا نحو تهميشها: "مهما يكن ما تريد فعله روسيا، فإن أوكرانيا تبقى بالنسبة لها ذات أهمية استراتيجية أساسية. ومهما يكن صعباً على العقل الأوروبي فهمه فإن تاريخ روسيا هو حكاية متواصلة عن مناطق عازلة. فالدول العازلة تحمي روسيا من الغزاة الغربيين. وروسيا تريد التوصل إلى اتفاق يضمن على الأقل حياد أوكرانيا".

وبصورة لا تقبل التهميش، يرى الروس مخاطر عظيمة في القرار الأميركي القاضي بتزويد كييف بالسلاح، ويرون أنه يمكن أن يُحدث تحولاً كارثياً في مجرى الحرب الدائرة لاستقلال شرق أوكرانيا عن سلطة كييف، إذ إنه سيضع أمام "نوفوروسيا" مهمة تحرير كييف من سلطاتها التابعة لحلف شمال الأطلسي وليس فقط الانفصال عنها، ويُحوّل الحرب من حرب أهلية داخلية "في العالم الروسي" كما يسميه الروس، وأوكرانيا جزء منه، إلى حرب ضد التدخل الخارجي في هذا العالم الذي ساهم الغرب في تفككه.

وهنا، يستذكر الروس الحدث المأسوي الأكبر المتمثل بانهيار الاتحاد السوفييتي في ما يجري في أوكرانيا اليوم، مع إحياء فهم أنّ ذلك لم يكن ليحصل لولا سياسات أميركية قوّضت الامبراطورية الروسية اقتصادياً ثم نسفتها من الداخل. ولذلك فمن شأن أي سلاح أميركي يصل إلى كييف أن "يطلق يد موسكو" ويجعلها لا تلتزم بأي قيود أو حدود، فالحرب بالنسبة لها تتحول إلى حرب وجود.

المساهمون