ارتفع عدد المعتقلين على خلفية قانون مكافحة الإرهاب، الذين استفادوا من برنامج "مصالحة" الذي أطلقته السلطات المغربية في العام 2017 من أجل "مصالحتهم مع الذات والنص الديني والمجتمع"، إلى 222 مستفيدا، بعد استفادة 20 سجينا، منهم سجينتان، من البرنامج في دورته الـ11 التي اختتمت اليوم الجمعة.
وأعلنت المندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج عن استفادة السجناء العشرين خلال التكوين الذي تم في غلاف زمني من 200 ساعة، من جلسات مع فاعلين متخصصين في المجال الديني، والقانوني، والحقوقي، والنفسي، قبل أن يتم تتويج التكوين بـ"مناظرات" بين المستفيدين لاستعراض مهاراتهم في تفكيك الخطاب الديني المتطرف، من خلال محاكاة الرأي المتطرف الذي يحرض على الإرهاب، ثم تفكيكه، بناء على آيات قرآنية وأحاديث نبوية.
وعرف حفل اختتام الدورة الحادية عشرة من برنامج "مصالحة" تقديم شهادات عدد من المستفيدين، الذين أخرجهم البرنامج من غياهب التطرف والإرهاب.
ووفق المعطيات التي قدمتها المندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج، فقد بلغ عدد المشاركين في برنامج "مصالحة" إلى غاية الدورة الحادية عشرة، 259 سجينة وسجينا، استفاد 61,72 في المائة منهم من العفو الملكي.
ومنذ التفجيرات التي شهدتها الدار البيضاء في 16 مايو/ أيار 2003، وذهب ضحيتها 45 شخصا بينهم 12 انتحاريا، جرى اعتقال أكثر من 8000 من المواطنين، صدرت أحكام مختلفة بحق أكثر من ألف منهم، بينهم 17 حكموا بالإعدام. في حين جرى إطلاق عدد منهم على فترات، لانتهاء المحكومية، أو بالعفو الملكي.
وبعد صدمة أحداث الدار البيضاء الإرهابية، التي جاءت في سياق دولي متسم بارتفاع تحدي الجماعات المتطرفة، خصوصاً بعد أحداث 11 سبتمبر/ أيلول 2001، باشرت الدولة بمحاولات مختلفة لتحييد خطر "المتشددين" داخل السجون وخارجها، ومن ذلك عفو الملك محمد السادس في السنوات الأخيرة عن عدد من المعتقلين على ذمة قضايا إرهاب.
وتوالت المبادرات لإيجاد حل للمعتقلين على خلفية قانون مكافحة الإرهاب من قبل جمعيات حقوقية ومؤسسات وشخصيات حقوقية وسياسية. كما دخلت الدولة، بشكل غير رسمي، في حوار داخلي مع بعض رموز السلفيين المعتقلين، الذين تقدموا بمبادرات "حسن نية" تحت مسمى "مراجعات"، أخذت صيغ بيانات ووثائق، ماضية في "المراجعة والمصالحة"، بهدف إطلاق سراح باقي المعتقلين على أساس "التوبة" عن الأفكار الجهادية والاندماج السليم في المجتمع والاعتراف بالثوابت الوطنية.
وكشفت محاولات الدولة، سواء الرسمية أو غير الرسمية، للدخول في مفاوضات مع معتقلي السلفية الجهادية من داخل السجون، عن إدراكها أن السجن ليس حلا دائما لمشكلة التطرف في البلاد. تبعا لذلك، تحول تركيزها نحو تفكيك الخطاب المتطرف لدى "المتشددين القابلين لإعادة التأهيل".
وكانت المحصلة إطلاق المندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج، بشراكة مع الرابطة المحمدية للعلماء، والمجلس الوطني لحقوق الإنسان في العام 2017، برنامج "مصالحة"، الذي يعمل على محاربة التطرف بالاعتماد على التربية الدينية، والمواكبة النفسية، وتنظيم ورشات عمل تعنى بالقانون، ونشر ثقافة حقوق الإنسان، وتقديم تأطير سياسي-اقتصادي.
ويشرف على برنامج "مصالحة" مختصون وكوادر دينيون، ويستهدف سجناء مدانين في قضايا التطرف والإرهاب من خلال التركيز على ثلاثة محاور: المصالحة مع الذات، ومع النص الديني، ثمّ مع المجتمع، وذلك كله بهدف البحث عن مداخل لمراجعات ذاتية يقوم بها المعتقلون السلفيون، للاندماج في البيئة الاجتماعية بعد الإفراج عنهم.
وفي الوقت الذي تعتبر فيه المندوبية العامة لإدارة السجون أن برنامج "مصالحة يشكل تجربة فريدة من حيث مضامينه وأهدافه وطريقة تنفيذه"، كان لافتا كشف تقرير برلماني عن وضعية السجناء، في يوليو/ تموز 2020، عن مطالب لمعتقلي "السلفية الجهادية" بتوسيع مجال الاستفادة من برنامج "مصالحة"، مبدين استغرابهم من بقائهم قيد الاعتقال "في الوقت الذي أطلق سراح قادة التيار السلفي".