21 عاماً على "العدالة والتنمية" التركي: الاستمرار بالسلطة رهن بالاقتصاد

14 اغسطس 2022
مناصرة لحزب "العدالة والتنمية" في أنقرة، مارس 2021 (آدم ألتان/فرانس برس)
+ الخط -

يواجه حزب "العدالة والتنمية" الحاكم في تركيا، واحدة من أكثر المراحل الحساسة في مسيرته السياسية مع احتفاله بالذكرى الـ21 لتأسيسه، بعد صعوده السريع في الحياة السياسية منذ عام 2001 وفترة حكمه الطويلة، خصوصاً في ظل سيطرة العسكر على الحياة السياسية في تركيا في وقت سابق.

الحزب الذي تأسس في 14 أغسطس/آب 2001، على يد الرئيس رجب طيب أردوغان ورفاقه، كان يواجه عقبات عديدة، أهمها منع أردوغان نفسه من ممارسة العمل السياسي، نظراً لسجنه عقب "الانقلاب الأبيض" في عام 1998 ضد حكومة القيادي الإسلامي الراحل نجم الدين أربكان، ولكنه تمكن من الوصول إلى السلطة وبقي في الحكم.

ومع احتفال الحزب بذكرى تأسيسه، يواجه أزمة قد تؤدي لبداية أفول نجمه من الحياة السياسية، في ظل الأزمة الاقتصادية الكبيرة في تركيا، وتراجع قيمة العملة التركية أمام العملات الأجنبية بشكل كبير، وارتفاع الأسعار بشكل جنوني، لتحتل تركيا مقدمة دول العالم في مستويات التضخم التي اقتربت من 80 في المائة، وهو ما دفع أردوغان للحديث في تصريحات سابقة، عن أن الانتخابات البرلمانية والرئاسية المقبلة عام 2023، ستكون مفترق طرق بالنسبة للحزب.

تحديات "العدالة والتنمية"

ولكسب ثقة الشارع التركي، سيكون على أردوغان وحزبه معالجة تحديات كثيرة، خصوصاً أن أرقام استطلاعات الرأي تشير إلى تراوح نسبة التأييد لـ"العدالة والتنمية" ما بين 30 و35 في المائة من أصوات الناخبين فقط، بعد أن وصلت نسبة أصوات الحزب في عام 2015 إلى نحو 50 في المائة، في حالة نادرة في الحياة السياسية التركية.

بكير أتاجان: المعارضة عاجزة عن تقديم الحلول للمشاكل

على الصعيد الداخلي، تبرز التحديات المرتبطة بالاقتصاد، ومنها المشاكل الاجتماعية المتعلقة بارتفاع حدة العداء للأجانب، وتصاعد الأصوات المطالبة بإعادة السوريين إلى بلادهم. تُضاف إليها التحديات السياسية الأخرى المتمثلة باتساع رقعة المعارضة، مع انشقاقات شهدها الحزب ورحيل رئيس الوزراء السابق أحمد داود أوغلو عنه، وتأسيسه حزب "المستقبل"، ونائب رئيس الوزراء السابق علي باباجان، الذي أسس حزب "دواء".

كما أن أحزاب المعارضة تعمل منذ أكثر من عام على تنسيق مواقفها، واتفقت على العودة إلى النظام البرلماني. وعلى صعيد الحريات والحقوق، تتصاعد الأصوات التي تتهم الحكومة بتقييد الحريات واعتقال صحافيين وسياسيين، من بينهم الزعيم السابق لحزب "الشعوب الديمقراطي" صلاح الدين دميرطاش، ورجل الأعمال عثمان كافالا.

وللعودة إلى صدارة المشهد، يعوّل "العدالة والتنمية" على التذكير بالإنجازات التي حققها خلال عقدين من الحكم، إذ نفذ الحزب مشاريع كبيرة في البنية التحتية والطرقات والجسور، وفي القطاع الصحي، وتمكن من دفع ديون تركيا لصندوق النقد الدولي. كما نفذت الحكومات التي شكلها الحزب، مشاريع في الصناعات الدفاعية، وبناء جامعات ومستشفيات.

وتسعى الحكومة الحالية لمعالجة الوضع الاقتصادي قبيل الدخول في فترة الانتخابات، ولا سيما تحسين دخل المواطن التركي الذي يرى في لقمة عيشه محدداً أساسياً في أي انتخابات تشهدها البلاد، فضلاً عن استكمال مشاريع كبرى قبيل الانتخابات، منها سوق الغاز المكتشف في البحر الأسود، وتشغيل الوحدة الأولى للمحطة النووية "آق قويو"، ودخول السيارة المحلية "توغ" للأسواق التركية.

وفي ما يتعلق بالصعيد الإقليمي والدولي، شهد "العدالة والتنمية" خلال سنوات حكمه فترة تذبذب، فبعد انفتاح في بداية حكمه على دول الجوار وتصفير المشاكل معها، تحوّلت سياساته إلى ما يشبه الصدام مع اندلاع ثورات الربيع العربي عام 2011.

واشتبكت تركيا مع دول إقليمية في ملفات عديدة، تبعتها تدخلات عسكرية في سورية والعراق وليبيا ووجود في دول مثل الصومال وقطر، وتقديم الدعم لأذربيجان ضد أرمينيا في حرب إقليم ناغورنو كاراباخ قبل نحو عامين. كما أن أنشطة التنقيب عن النفط والغاز في شرق المتوسط قبل سنوات قادت إلى مواجهة تركية ــ أوروبية، كما أن العلاقة مع الولايات المتحدة شابتها العديد من الخلافات.

لكن في العام الأخير، جنحت السياسة الخارجية التركية في ظل حكم "العدالة والتنمية" إلى التهدئة على الصعيد الإقليمي والدولي، فتم تطبيع العلاقات مع الإمارات وإسرائيل والسعودية، مع تواصل الجهود لتطبيعها مع مصر وأرمينيا، والسعي لإحداث توافقات بين روسيا وأوكرانيا لتنجح أنقرة جزئياً في اتفاقية الحبوب الأوكرانية، وتقود حواراً مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي. وتسعى حكومة أردوغان لتهدئة خارجية تنعكس إيجابياً على الداخل.

فراس رضوان أوغلو: أبرز التحديات أمام العدالة والتنمية تبقى استعادة ثقة الناخب التركي

وعن تحديات الحزب في ذكرى تأسيسه وخطوات معالجتها، قال عضو "العدالة والتنمية" بكير أتاجان، في حديث مع "العربي الجديد"، إن "الحزب أثبت جدارته منذ سنين عديدة ومرات كثيرة، ولكن ربما هذه المرة التحديات هي الأصعب في إبراز الحزب لقدرته على تحقيق ما وعد به الشعب التركي".

وأضاف أن الحزب "أثبت أنه قادر على التغلب على الصعاب، وكانت السنوات الأولى من حكمه أصعب بكثير منذ أول انتخابات خاضها، فالاقتصاد كان متدهوراً، والمشاكل الداخلية بين فئات الشعب كانت أعقد وأضخم، والمعارضة كانت قوية داخلياً وخارجياً، وعلى رأسها في الداخل الجيش والقضاء والجماعات الأخرى، وأبرزها جماعة الخدمة".

وتابع أنه "على الرغم من ذلك حقق الحزب وعوده، وبات لديه اليوم تجارب وعمق استراتيجي واقتصادي، وعلاقات مع الداخل والخارج تساعده لإيجاد حلول للمشاكل القائمة".

"العدالة والتنمية" ومشاكل تركيا

وأشار أتاجان إلى أن "الحزب مرّ بتطورات أدت لانخفاض شعبيته، وعلى الرغم من ذلك فقد أثبت في الفترة الأخيرة أنه الوحيد القادر على حل مشاكل تركيا الداخلية والخارجية، مثل التوصل لاتفاق معبر الحبوب بين روسيا وأوكرانيا، والاتفاقيات البحرية مع ليبيا، وعلى وشك توقيع اتفاقيات مماثلة مع مصر وإسرائيل".

وتابع: "أثبتت الحكومة قوتها بالقضاء على الإرهاب على حدودها في سورية وشمال العراق، وقضت على بؤر جماعة الخدمة، وحالياً تظهر بأنها مركز تصدير الطاقة لأوروبا، ومع كل السلبيات الاقتصادية فإن نسبة النمو عالية وهي فوق 4 في المائة". ورأى أن كل هذه دلائل على أن الحزب لم يتراجع بل يتطور، معتبراً أن "استطلاعات الرأي المقدمة لا تمثل كل الشعب التركي ولا تعطي الصورة الحقيقية لأنها تُحسب وفق مدن محددة ولا تشمل مساحات تدعم الحزب في المدن، التي تقع داخل الأناضول والأرياف".

ولفت أتاجان إلى أنه "مع عجز المعارضة عن تقديم أي شيء، فإن حزب العدالة والتنمية يحضّر الأرضية للصعود مجدداً وإيجاد حلول للمشاكل"، معتبراً أن "مسألة وجود السوريين ليست مؤثرة على عدد الناخبين لأن المعارضة أيضاً اعترفت أن عدد المجنسين غير مؤثر في العملية الانتخابية بالوقت الحالي، إذ تم تجنيس أكثر من 200 ألف سوري، ولكن لا يحق لجميعهم التصويت في الانتخابات".

وختم بالقول إن "العدالة والتنمية سينتصر في الانتخابات المقبلة، لأنه الوحيد الذي يعطي للناخب التركي البرامج التي تقنع الشعب بقدرته على حل المشاكل، فيما الأحزاب الأخرى غير قادرة، لأنها لا تقدم حلولاً، بل انتقادات فقط".

من جهته، قال الكاتب فراس رضوان أوغلو، لـ"العربي الجديد"، إن "أبرز التحديات أمام العدالة والتنمية تبقى استعادة ثقة الناخب التركي، إضافة إلى تحديات أخرى اقتصادية واجتماعية تطفو على السطح، لا سيما مسألة اللاجئين، فهناك امتعاض في المجتمع التركي من زيادة عدد اللاجئين، سواء من السوريين أو الأفغان أو الباكستانيين أو الهنود أو الإيرانيين، وبات الوضع مقلقاً". وأضاف أن هناك أمورا أخرى كالزراعة التي هي مساحة صراع بين الحزب الحاكم وحزب "الشعب الجمهوري" المعارض لتطوير هذا القطاع.

وتوقع رضوان أوغلو أن "يستطيع الحزب تجاوز الأزمات بالاعتماد على إنجازاته السابقة والتذكير بها، وزيادة هذه الإنجازات، خصوصاً في الأمور الاقتصادية والزراعية وهي محط أنظار الجميع، كما أن نجاحاته في السياسة الخارجية تلعب دورها، ولا سيما في ظل الحرب الروسية الأوكرانية وفي منطقة البلقان وفي أذربيجان وأرمينيا".

ولكنه رأى أن الانتخابات المقبلة ستكون الأصعب لـ"العدالة والتنمية"، و"من الصعب أن يحقق نجاحاً كبيراً في البرلمان، ولكن المفاجآت دائماً حاضرة في الانتخابات التركية".