"داعش" يستأنف هجماته: توظيف كورونا والتناقضات للضرب في البادية السورية

08 يونيو 2020
عاود "داعش" هجماته منذ شهرين(دليل سليمان/فرانس برس)
+ الخط -

كثف تنظيم "داعش" نشاطه في سورية خلال الشهرين الأخيرين، مستغلاً الانشغال العالمي بمكافحة فيروس كورونا من جهة، والاستفادة من التناقضات بين الأطراف المحلية والدولية التي تدّعي محاربة التنظيم من جهة أخرى، مع تسهيل كل طرف، وصول عناصر التنظيم إلى مناطق سيطرة طرف آخر، وفقاً لمراقبين. وقد شهد شهر مايو/أيار الماضي عشرات العمليات للتنظيم، التي لم تقتصر على البادية السورية، نقطة ارتكاز نشاط "داعش" وحسب بل شملت مناطق حضرية عبر خلايا نائمة تابعة له، أو من خلال شنّ هجمات خاطفة انطلاقاً من مناطق البادية القريبة من التجمّعات السكنية، قبل العودة إلى البادية.

وتستهدف عمليات التنظيم قوات النظام السوري والمليشيات الإيرانية التي تساندها في البادية ومناطق غرب الفرات، فضلاً عن عناصر ومواقع مليشيا "قوات سورية الديمقراطية" (قسد) المنتشرة أساساً في مناطق شرق الفرات. ومن الملاحظ أيضاً تصاعد نشاط التنظيم وخلاياه منذ مطلع شهر رمضان الأخير (الأسبوع الثالث من شهر إبريل/نيسان الماضي) بمعدل عملية واحدة يومياً، بين تفجير وهجوم واستهداف وكمين، طاول معظمها عناصر لـ"قسد" ضمن مدن وبلدات الريف الشرقي لدير الزور، وتسببت بمقتل وإصابة العشرات منهم، في حين تركزت الهجمات ضد قوات النظام والفصائل الموالية له في باديتي حمص ودير الزور، من خلال هجمات وتفجير عبوات وتصفية، ما أسفر عن سقوط عشرات القتلى من الجانبين.

كما لوحظ أن الهجمات باتت تطاول على نحو متزايد المنشآت النفطية والغازية التابعة للنظام، مع استهداف إحداها محطة العطالة النفطية شمالي شرق مدينة دير الزور. وهو ما أدى إلى تكرار توقف عمل تلك المنشآت، وخروجها عن الخدمة لبعض الوقت. كما أدت تلك الهجمات في بعض الأحيان الى قطع طريق حمص ـ دير الزور، وتمركز عناصر من تنظيم "داعش" على الطريق الدولي قرب منطقة كباجب جنوبي دير الزور لبعض الوقت.

وخلال شهر إبريل الماضي، شنّ "داعش" 55 عملية عسكرية مختلفة في ارتفاع طفيف مقارنةً بعملياته في مارس/آذار الماضي التي وصلت إلى 44 عملية: 34 عملية في دير الزور، 8 في الحسكة، 7 في درعا، 3 في الرقة، عمليتان في حمص وواحدة في مدينة منبج بريف حلب الشرقي. وكبّدت هجمات التنظيم خلال هذا الشهر قوات النظام خسائر كبيرة، بلغت نحو 60 قتيلاً، بينهم ضباط كبار، مثل اغتيال قائد أركان اللواء 52 العميد حامد مخلوف، والعقيد في اللواء نفسه محمود حبيب، الذي أعدمه التنظيم، إضافة إلى عنصرين آخرين بعد أسرهما. كما اغتال "داعش" رئيس شعبة حزب البعث، في مدينة نوى بريف درعا الغربي، سلوان الجندي.

أما خسائر "قسد" خلال الشهر المذكور جراء هجمات "داعش"، فقد بلغت 39 قتيلاً على الأقل، إضافة إلى اغتيال مسؤولٍ في المجالس المحلية في ريف دير الزور الشرقي، ومحاولة اغتيال مسؤولين آخرين بينهم رئيس بلدية السوسة التابعة لناحية هجين في دير الزور.

ولاحظ مراقبون أن عمليات التنظيم ما زالت تعتمد على ضرب أرتال النظام المتحركة في أساليب الكمائن والهجمات الخاطفة. والميل لاستخدام هذا الأسلوب في مناطق عمق النظام، يشير إلى أن "داعش" لا يفكر في اكتساب مناطق جديدة، والتمركز فيها، بل الاكتفاء في هذه المرحلة باستنزاف قوات النظام، والمليشيات الداعمة لها. وفي محاولة لمواجهة هذه الهجمات، عمدت قوات النظام والمليشيات الإيرانية إلى تحصين مواقعها ضمن البادية، مع وصول تعزيزات عسكرية ولوجستية بشكل دوري إلى المنطقة. وتركزت عمليات التحصين على طول البادية الممتدة من البوكمال قرب الحدود العراقية – السورية حتى جنوب مدينة دير الزور، خصوصاً في المحطة الثانية، ومعيزيلة وحقل الورد والمزارع ببادية الميادين وعين علي ببادية محكان والمجابل ببادية القورية وقاعدة الإمام علي والمحطة الثالثة، ومواقع أخرى في بادية الوعر وحميمية وفيضة ابن موينع.

وكشفت مصادر محلية، أن أغلب هذه التعزيزات وصلت من دير الزور من "لواء الباقر" ومجموعات أخرى تابعة للمليشيات الإيرانية، إضافة إلى "لواء القدس الفلسطيني"، مشيرة إلى أن أطراف مدينة السخنة باتجاه الشرق ما زالت تحت سيطرة "داعش" رغم الادعاءات بالقضاء عليها، وهي منطقة شاسعة شبه صحراوية، تتداخل مع الكثير من مدن دير الزور وصولاً في الجنوب الشرقي مع الحدود العراقية.

وحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان، فإن تحالفاً بين إسرائيل وقوات التحالف الدولي والروس نشأ بشكل غير مباشر، من أجل العمل على إغلاق طريق طهران – بيروت من الجانب السوري ومجابهة نفوذ إيران في البادية، وسط اتهامات متكررة من النظام السوري وايران بأن التحالف الدولي يتعمد دفع عناصر "داعش" باتجاه مناطق سيطرتهما لإشغالهما، ومنعهما من التفكير في توسيع نفوذهما، باتجاه مناطق غرب الفرات، حيث حقول النفط التي تسيطر عليها "قسد" المدعومة من قوات التحالف.

في السياق، بثّ تلفزيون النظام ما سماها اعترافات لعناصر من "داعش" تم أسرهم، أفادوا فيها بأنهم تلقّوا دعماً من قاعدة التنف الأميركية الواقعة على مثلث الحدود السورية - العراقية - الأردنية من أجل مهاجمة قوات النظام في البادية.

من جهتها، كثفت "قسد" بدعم مباشر من التحالف الدولي عبر عمليات المداهمة والإنزالات الجوية لاستهداف واعتقال عناصر التنظيم وخلاياه النائمة في أرياف دير الزور والرقة والحسكة، في مقابل كشف ناشطين بأن أغلب تسليح تنظيم "داعش" مصدره قوات النظام السوري من خلال بيع السلاح بشكل غير مباشر للتنظيم، في إطار عمليات الفساد داخل قوات النظام. وسبق أن نشرت وسائل إعلام قريبة من "داعش" منتصف الشهر الماضي، صوراً لمسلحي التنظيم في البادية أثناء إعدادهم وجبات الإفطار في شهر رمضان، علماً أن البادية تتميز بتضاريس مواتية للتخفي مثل كثافة الجبال والأودية والكهوف العميقة، إضافة إلى المساحات الشاسعة من البوادي التي تشهد عواصف ترابية معظم الأوقات، ما يحجب الرؤية الجوية ويخفي آثار تحركات التنظيم بسرعة.

وينتشر عناصر التنظيم بكثافة في بادية السخنة وفي محيط مدينة تدمر بريف حمص الشرقي، خصوصاً في المنطقة الممتدة من قرى مدينة الميادين بدير الزور إلى أطراف مدينة السخنة وجبل الضاحك بريف حمص الشرقي، وصولاً إلى أطراف مدينة الرصافة بريف الرقة الغربي وجبل البلعاس بريف حماة الشرقي.

من جهته، يقول الصحافي المتابع لشؤون تلك المناطق، عبدالله التدمري في حديث لـ"العربي الجديد" إن المنطقة الواقعة حول جبل البشري جنوبي دير الزور، تعتبر أحد الجيوب التي ينشط فيها "داعش" ويشنّ انطلاقاً منها عدداً كبيراً من الهجمات، رغم وقوع المنطقة نظرياً تحت سيطرة قوات النظام. كما يشير إلى أن منطقة ريف دير الزور الشرقي تشهد نوعاً من الارتباك الأمني والعسكري، بعد انسحاب بعض المليشيات الإيرانية من المنطقة، وحلول مليشيات موالية لروسيا مكانها، في البلدات والقرى الممتدة من مدينة دير الزور إلى مدينة البوكمال، وهو ما استغله "داعش" لتكثيف عملياته. ويقدّر التدمري عدد مقاتلي "داعش" في البادية بنحو 1800 مقاتل، معظمهم مستقر في مخابئ التنظيم ومناطق سيطرته، وقسم قليل يتنقل بين تلك المناطق ومناطق وجود التنظيم في صحراء العراق الغربية.

المساهمون