خديعة المصالحات في درعا: كل التغييرات للأسوأ

04 يونيو 2020
قرر أهالي درعا البقاء فيها (محمد أبازيد/فرانس برس)
+ الخط -
يشعر أهالي محافظة درعا، كبرى محافظات الجنوب السوري، والتي انطلقت فيها أولى شرارات الثورة في عام 2011، اليوم بالخديعة، بعد مرور نحو عامين على دخول فصائل مسلحة معارضة في المحافظة، بما أسماه النظام عمليات "المصالحة" أو "التسوية". ولم تعفهم هذه الآلية، والتي جاءت حينها بضمانة روسية، من الملاحقات الأمنية والاعتقالات، ولم تمنحهم حرّية الحركة، في وقت يعيش فيه أبناء بلدات ومدن درعا القلق من احتمال اجتياح مناطقهم عسكرياً.

وتشهد محافظة درعا، أخيراً، فلتاناً أمنياً، إذ لا يكاد يمر يوم من دون وقوع عمليات اغتيال أو اشتباكات، أو من دون سماع خبر عن اعتقال جديد، أو وفاة معتقل في سجون النظام، في حين يهدد الأخير، وبدعمٍ من المليشيات الإيرانية، باجتياح بلدات أو مناطق من المحافظة كلّما توتر الوضع الأمني. من جهتهم، يواصل الروس اللعب على محاولة إقرار تسويات، تؤجل تجدد الاقتتال في المنطقة.                  

وكان النظام قد أجرى "مصالحات" في مناطق درعا وأريافها الشرقية والغربية التي كانت تحت سيطرة الفصائل المعارضة، وذلك بعد سيطرته عليها نهاية شهر يوليو/تموز من العام 2018. وبموجب تلك "المصالحات"، أقرّ الموقعون عليها، من فصائل المعارضة، بأن حراكهم كان "مؤامرةً على الدين والوطن"، متعهدين بـ"عدم حمل السلاح مجدداً".


وكان أهالي درعا قد استبشروا خيراً من "التسويات" التي أبرمت قبل عامين، بعدما عاشوا سنوات من الاقتتال مع قوات النظام، وتحت رحمة قصفه وحملات الاعتقال التي شنّها، آملين استئناف حياتهم بعد زوال سطوته الأمنية. لكن هذا الأمل تبخّر سريعاً.

ويروي أبو محمد الحوراني، المقيم في حوض اليرموك بريف درعا الغربي، لـ"العربي الجديد"، أنه "ما إن مضت أشهر معدودة على توقيع المصالحات، حتى توقفت حواجز النظام عن طلب ورقة المصالحة، وباتت تسأل عن البطاقات الشخصية من المارين عبرها، ليتم التدقيق بالأسماء أمنياً، فإذا كان بحق حاملها أي مذكرة اعتقال أو مراجعة، حتى ولو كانت قديمة، يتم اعتقاله". ويلفت المصدر في هذا الخصوص إلى أن "أكثر الاعتقالات تنفذ على الحواجز المنتشرة في درعا وخربة غزالة وريف درعا الغربي، عبر ما يعرف بالحاجز الرباعي المتواجد في الشيخ سعد، والذي تسيطر عليه الاستخبارات الجوية".

ويوضح أبو محمد الحوراني، أن النظام "قسّم درعا إلى مناطق عدة، كلٌّ منها تخضع لأحد أجهزة استخباراته: فالريف الغربي الشمالي يخضع للأمن العسكري، والريف الغربي الجنوبي للاستخبارات الجوية، وهؤلاء لا يعترفون بالمصالحة التي أجراها الأمن العسكري، لذلك فإن أي شخص مطلوب يُعتقل". ويلفت الحوراني إلى "الوضع المعيشي المأساوي الذي يعيشه اليوم أبناء درعا، في ظلّ غياب فرص عمل، والارتفاع الجنوني لأسعار السلع، والذي فاقمته صعوبة التنقل والفلتان الأمني، ما يزيد من المعاناة اليومية".

وبحسب الحوراني، فقد عمل النظام أيضاً على استمالة أعداد من أبناء المحافظة، للعمل مع قواته، إن كان في الأمن العسكري، أو مع القوات الروسية أو "الفرقة الرابعة" التي تضم ضباطاً ايرانيين ومن عناصر "حزب الله" اللبناني، والذين يتمّ تجهيزهم للقيام بعمليات ضد الأهالي.

من جهته، يؤكد أبو سليمان مقداد، من ريف درعا الشرقي، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، "غياب الثقة التام بين أبناء درعا والنظام"، مستبعداً تبدل هذا الواقع "مهما أجريت من مصالحات". ويتساءل في هذا الخصوص "كيف يمكن أن ينسى أهل درعا آلاف الشهداء الذين سفكت دماؤهم، وآلاف المعتقلين المغيبين؟". ويشرح أنه "على الرغم من أن المصالحات كانت تقضي بإطلاق سراح معتقلين، إلا أن من أطلق سراحهم حتى اليوم لا يتجاوزون بضع عشرات، في حين اعتقل النظام مئات الأشخاص (منذ توقيع المصالحات)، وهناك معتقلون أبلغت عائلاتهم بوفاتهم داخل المعتقل، أما من تبقى منهم فمُغيبون قسراً، ومجهولو المصير".

وحول مطالب أبناء درعا اليوم، يشرح مقداد أنها "تتضمن إطلاق سراح المعتقلين، وتسريح جميع المنشقين من القوات النظامية، وإلغاء جميع الإجراءات الأمنية المتخذة بحق أبناء المحافظة، بالإضافة إلى حلّ ملف المطلوبين للخدمة العسكرية الإلزامية والاحتياطية". كما يلفت إلى "شعور غالبية الأهالي بالقلق جرّاء تمدد الفرقة الرابعة والمليشيات الإيرانية، وعدم وجود أي بوادر أمل بتطبيق الوعود التي قطعها الروس أمام أهالي المحافظة في العام 2018، والتي على أساسها قرر المعارضون للنظام البقاء في درعا".   

أما حول سياسة النظام الحالية، فيرى أنها "تعتمد مبدأ القضم التدريجي، حيث بدأ النظام بالتمدد بين القرى، ويسود الخوف لدى الأهالي من الوصول إلى اليوم الذي سيجدون فيه حواجزه داخل بلداتهم، وهو أمر يصعب تقبله". وفي المحصلة، لم يلتزم النظام، برأيه، "لا بتعهداته مع الأهالي، ولا بتلك التي قدمها للروس، ما لا يسمح أبداً ببناء الثقة معه".     

ويعتبر المتحدث باسم "تجمع أحرار حوران"، أبو محمود الحوراني، أن "الأهالي في درعا أجبروا بالقوة على إجراء ما يسمى بالمصالحات، بعدما سيطرت قوات النظام مدعومة من القوات الروسية والمليشيات الإيرانية على المنطقة، ولو كان الأمر متاحاً، لاستمرت حتى اليوم التظاهرات ضد النظام، إلا أن ذلك يعد مستحيلاً، في ظلّ تشديد القبضة الأمنية".

ويرى أبو محمود الحوراني، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "الناس تعلم أن هذه المصالحات لا تنفع، بل هي في أحسن الأحوال تأجيل للاعتقالات، ما يعني فشلها، وهي حقيقة لمسها أهل درعا، بعدما بتنا نتحدث عن ألف معتقل، معظمهم يحملون بطاقات تسوية".

ويلفت المتحدث باسم "تجمع أحرار حوران" إلى أن "الأهالي يعانون من التضييق الأمني، خصوصاً مع ارتفاع عدد الحواجز بين البلدات، ما يقيد حركة الأفراد، فيما يزداد القلق على المصير لا سيما في صفوف الشباب، مع تحركات للنظام ترتفع وتيرتها يوماً بعد آخر". ويعتبر أن هذا المصير لا يزال مجهولاً بالنسبة "للمطلوبين للخدمة العسكرية الإلزامية والاحتياطية، وكذلك المنشقين والمقاتلين سابقاً في الفصائل المعارضة، أو الناشطين والمعارضين، ما يبقي خياراتهم محدودة".