مقترح أوروبي للتهدئة في ليبيا: سرت منطقة آمنة

22 يونيو 2020
المقترح يقضي بسحب القوات العسكرية من سرت(عبدالله دومة/فرانس برس)
+ الخط -
لا تزال تصريحات الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، بشأن تهديداته بالتدخل العسكري المباشر في ليبيا، تلقي بظلالها على المشهد الليبي، في الوقت الذي أكدت فيه مصادر رفيعة رغبة دولية في التقليل من التوتر الذي أنتجته تصريحات السيسي، كاشفة عن مقترح يقضي بتحييد سرت عن الصراع.
وكشفت مصادر ليبية رفيعة مقربة من طرابلس وطبرق لـ"العربي الجديد"، اليوم الاثنين، دخول دولة أوروبية على خط التوتر المتصاعد للتقليل من حدته باقتراحها أن تكون منطقة سرت ــ الجفرة منطقة خالية من القوات العسكرية.
وأكدت المصادر، وأحدها دبلوماسي بالسفارة الليبية في روما، هذا المقترح، مشيرة إلى أن المقترح في أساسه إيطالي لكن الأمم المتحدة تبدو على ميل واضح لواقعيته في ما يبدو أنه طوق نجاة للجانب المصري الذي بات محرجاً من تصريحات السيسي.
ويكشف الدبلوماسي الليبي لـ"العربي الجديد" كواليس الاقتراح، قائلاً إن "نتائج الاتصالات غير المباشرة بين مصر وروسيا من جانب وتركيا وحليفتها حكومة الوفاق من جانب آخر، أظهرت قبولاً مبدئياً"، مشيراً إلى أن "الطرف المصري بدا أكثر ترحيباً بأن تكون منطقة سرت ـ الجفرة خالية من سلاح أي من الطرفين".

دور جديد للأمم المتحدة

وبينما لم تظهر أي مواقف رسمية بشأن إمكانية تفاهم أو تقارب بين المواقف المصرية الروسية من جانب والليبية التركية من جانب آخر، يرجح الباحث الليبي في العلاقات الدولية، مصطفى البرق، أن يوكل التفاهم حول خلق منطقة خالية من السلاح في سرت ــ الجفرة للأمم المتحدة، عبر بعثتها في ليبيا التي سبق أن أعلنت عن اتصالها بالأطراف الليبية لاستئناف محادثات اللجنة العسكرية 5 + 5.
وبدا قطاع ليبيا الأوسط، من سرت شمالاً وحتى الجفرة جنوباً، على أهمية استراتيجية كبيرة بالنسبة للأطراف الإقليمية والدولية المتدخلة في ليبيا، فبعد تراجع الدور البريطاني في ليبيا والذي كان يشكل قطاع سرت أهمية كبيرة بالنسبة له، بسبب عقود الغاز التي كان من المنتظر أن تديرها شركة British Petroleum عام 2010، يبدو أن المنطقة تحولت إلى محل صراع بين المتنافسين على موارد الطاقة الليبية، لا سيما تركيا المرتبطة مع حكومة الوفاق باتفاقات بحرية تتيح لها الاستفادة من موارد الطاقة، بحسب الحدود المائية التي يحددها الاتفاق، فضلاً عن مصر التي تطمح في حصة في موارد الطاقة عبر اللواء المتقاعد خليفة حفتر سابقاً والقبائل الليبية حالياً.
قاعدة الجفرة: حارسة المصالح

بالإضافة لما تمثله قاعدة الجفرة كحارس لتلك المصالح بإشرافها على كامل منطقة وسط الجنوب وصولاً الى مدينة سرت شمالاً، يلفت البرق في حديثه لـ"العربي الجديد" إلى خطأ وقع فيه السيسي عندما لوح بوجود شرعية دولية لتدخل قواته، مشيراً إلى أن قيادات مصرية لن تسمح للسيسي بالزج بالجيش المصري في أتون حرب مفتوحة، خصوصاً في وجود قوات تركية إلى جانب قوات "الوفاق"، وبالتالي اقتراح وجود منطقة خالية من قوات أي من الطرفين يحقق الغرض المصري.
ويوضح البرق رأيه بالقول إن "التدخل المصري لن يكون إلا عبر تسليح القبائل الليبية، ووجود زعامات قبلية أثناء خطاب السيسي إشارة واضحة منه، وهو ما لن يتحصل على شرعية دولية"، مؤكداً أن "إقدام القاهرة على تسليح فصائل قبلية سيكون بمثابة نذير فوضى مسلحة كبيرة في شرق ليبيا التي تعد الخاصرة الرخوة لمصر".
وكان الرئيس المصري قد قال خلال زيارته للمنطقة الغربية العسكرية في مصر، أول من أمس السبت، إن "أي تدخل مباشر من الدولة المصرية باتت تتوفر له الشرعية الدولية". وأضاف "سواء في ميثاق الأمم المتحدة: حق الدفاع عن النفس أو بناء على السلطة الوحيدة المنتخبة من الشعب الليبي مجلس النواب".
وشدد السيسي على أن كلا من منطقتي"سرت والجفرة هي خط أحمر"، مشيراً إلى أن الجيش المصري سيقوم بتسليح وتدريب القبائل الليبية في تلك المنطقة.

إعلان حرب

وفي الداخل الليبي، لا تزال تصريحات السيسي تثير دود فعل، إذ قال المتحدث الرسمي باسم الجيش الليبي محمد قنونو "ننصح من يُضيع وقته بإرسال رسائل لا تتجاوز آذاننا أن يلتفت إلى الإرهاب الذي يُهدّده داخل أراضيه".
وأضاف قنونو في تصريح نشر على الصفحة الرسمية لعملية "بركان الغضب"، اليوم الاثنين، "لا يُزايد علينا: فالواقع والتاريخ يقولان إن أبطالنا هم من قضوا على أول ولاية لتنظيم داعش خارج منبتها في ملحمة البنيان المرصوص، وندعوه لأن يستلهم منها الخبرات والعبر".


وجاء تعليق قنونو بعد موقف المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الرسمي من تصريحات الرئيس المصري، التي اعتبرها تدخلاً في الشؤون الداخلية لليبيا وتعدياً على سيادتها، مؤكداً أنه "أمر مرفوض ومستهجن ويعتبر عملاً عدائيّاً وتدخلاً سافراً وبمثابة إعلان حرب".


وعلى الرغم مما حمله موقف المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق، في وقت سابق، من إشارات لإمكانية مد يد السلام، إلا أنه ذهب إلى إجراءات عملية تندد بتصريحات السيسي. إذ أعلن المجلس الرئاسي عن عقد رئيسه فائز السراج، ليل أمس الأحد، اجتماعاً مع آمر غرفة عمليات سرت الجفرة إبراهيم بيت المال، لبحث "سير العمليات في المنطقة العسكرية"، بحسب المكتب الإعلامي للمجلس الرئاسي.


وأوضح المكتب أن الاجتماع ناقش أيضاً "آليات التنسيق مع مختلف المناطق العسكرية الأخرى والترتيبات المتخذة لحماية المدنيين".
قبائل الشرق خارج المعادلة

من جانب آخر، أكد برلماني من طبرق أن السيسي يبدو أنه لم يأخذ في الحسبان وحدة الصف القبلي في شرق ليبيا، وهو المستحيل في ظل عدم وجود قيادة، أو شخصية عسكرية مثل اللواء الليبي المتقاعد خليفة حفتر تضمن لها الولاء الكامل، وهو ما ظهر فعلياً في رفض زعامات قبلية من قبائل العواقير والبراعصة والمغاربة لإمكانية استخدام مصر لأبنائها في حرب جديدة.
وأكد البرلماني أن زعيم قبيلة المغاربة، التي يمتد نفوذها في منطقة الهلال النفطي، الشيخ صالح الاطيوش، أكثر الرافضين لانجراف المنطقة لحرب جديدة، على غرار حرب عملية الشروق مطلع عام 2015 بين قوات المؤتمر الوطني العام وفصائل القبائل في شرق ليبيا امتدت لعدة أشهر برزت معها أصوات تنادي بالتقسيم وقتها.
وبحسب البرلماني فإن وجود رئيس مجلس نواب طبرق، عقيلة صالح، في واجهة المشهد في شرق ليبيا لا يضمن للقاهرة سيطرة كاملة على القبائل الشرقية، مشيراً إلى أن قبائل، مثل العواقير والمغاربة، لن تقبل بتكرار سيناريو حرب حفتر التي فقدت فيها الكثير من السيطرة على مناطقها ونفوذها، سواء في بنغازي بالنسبة للعواقير، أو في منطقة الهلال النفطي بالنسبة للمغاربة.
من جهته، يرى الناشط السياسي الليبي، عقيلة الأطرش، أن تصريحات السيسي، التي لقيت معارضة ليبية واسعة امتدت الى ردهات الأمم المتحدة عبر تصريحات أدلى بها مندوب حكومة الوفاق لديها، تتجه لخلق موقف أقوى لحكومة الوفاق وإضعاف الموقف المصري.
ويشير في حديثه لـ"العربي الجديد"، إلى أن "نظام السيسي وإن وجد حلاً في مقترحات إقامة منطقة فاصلة، إلا أنه حل آني، فمشكلته مع انفراط العقد في شرق ليبيا مستمرة نتيجة الأخطاء الاستراتيجية في السياسة المصرية التي لم تنتج بديلاً عن حفتر قبل بدء اقصائه، كما لا يمكن الآن إعادة حفتر للمشهد بسابق قوته بعد الهزائم المتلاحقة التي منيت بها قواته وتزايد الرفض القبلي بشأنه شرقي البلاد".
ويضيف "لم يلتفت السيسي إلى بذور الصراع الكامنة بين القبائل في شرق ليبيا، التي لم تتوقف إلا بالتوقيع على ميثاق الحرابي عام 1946 بطلب من الملك محمد إدريس السنوسي، لكن مظاهرها قائمة حتى الآن وإمكانية رجوع الخلافات المسلحة بينها ممكن".
ويؤكد الأطرش أن "خلفيات النزاع الكامنة بين قبائل الشرق الليبي لن تمكن القاهرة من بناء حلف موحد معها يضمن مصالحها، ما سيضطرها في نهاية المطاف إلى الجنوح إلى التصالح مع أي طرف رسمي يمكن أن تنتجه أي محادثات سياسية وعسكرية جديدة".