لبنان: رؤساء الحكومات السابقون يقاطعون "حوار بعبدا" وشكوك حول انعقاده

22 يونيو 2020
من اجتماع رؤساء الحكومات السابقين اليوم (فيسبوك)
+ الخط -
أعلن رؤساء الحكومات السابقون في لبنان، مساء اليوم الإثنين، بعد اجتماعٍ مطوّلٍ عُقد في بيت الوسط، عدم المشاركة في الحوار الذي دعا إليه الرئيس اللبناني ميشال عون، يوم الخميس، في الخامس والعشرين من يونيو/حزيران الجاري، في قصر بعبدا، وذلك "كرسالة اعتراض صريح على عدم قدرة السلطة مجتمعةً على ابتكار الحلول التي تنقذ لبنان بكل مكوّناته".
وقال المجتمعون إن "لبنان اليوم مهدد بالإنهيار الكامل الذي يطاول خصوصاً الطبقة الوسطى من اللبنانيين التي لطالما شكلت العمود الفقري والرافعة الحقيقية للمجتمع اللبناني"، معلنين أنه "انطلاقاً من موقعنا واحترامنا لعقول المواطنين وتطلعاتهم، نبدي عدم استعدادنا لحضور اجتماعٍ بلا أفق".

واعتبر رئيس الوزراء اللبناني الأسبق فؤاد السنيورة، أنّ "هذه الدعوة، اليوم، والهدف المعلن منها، تبدو في غير محلّها شكلاً ومضموناً، وتشكل مَضْيعة لوقت الداعي والمدعوين، في وقت تحتاج البلاد في رأينا إلى مقاربات مختلفة لانتشالها من الأزمة الحادة التي تعيشها، ولاستعادة ثقة المواطنين التي انهارت والحاجة لطمأنتهم إلى المستقبل".
وفي بيان شديد اللهجة تجاه حكومة حسان دياب، أشار السنيورة، الذي تحدث باسم رؤساء الحكومات السابقين، إلى أنّ "الأداء الذي قدّمته الحكومة في الأشهر الماضية يعطي إشارات إلى عجزٍ فاضحٍ عن أن تكون البلاد في مستوى التحديات الجدّية التي تواجه الوطن وبمستوى الأحداث الخطيرة الراهنة. ولا يكون ذلك إلا ببرنامج يرسم خريطة طريق واضحة تتضمن موقفاً موحداً من القضايا التي أدت إلى الإنهيار السياسي والمالي والاقتصادي والاجتماعي، وإلى الانكشاف الأمني والعسكري، وبرنامج يصوب الخيارات والمسارات، ويطلق الاصلاحات، ويعيد لبنان إلى مكانه ومكانته، فيتصالح مع محيطه العربي ويستعيد ثقة العالم به".
ويطرح إعلان رؤساء الحكومات السابقين مقاطعة الحوار الوطني الذي دعا إليه الرئيس عون رئيس مجلس النواب ورؤساء الأحزاب والكتل الممثلة في البرلمان، علامات استفهام كبيرة حول مصير اللقاء يوم الخميس المقبل، ولا سيّما أنّ الهدف الأساسي له يرتكز على حضور كلّ القوى السياسية من دون استثناء، من هنا أتت محاولات رئيس البرلمان نبيه بري أن يشمل الحضور خليطًا من الطيف السياسي لتعويم اللقاء، وإعطائه جرعة دعم محلية بوجه المفاوضات الدولية التي يخوضها، لا أن يقتصر الاجتماع على لون سياسي واحد كما حصل في السادس من مايو/أيار، باستثناء الخرق الذي أحدثه رئيس "حزب القوات اللبنانية" سمير جعجع.
وفي أول تعليق وزاري على موقف رؤساء الحكومات السابقين، غرّدت وزيرة المهجّرين غادة شريم (المحسوبة على التيار الوطني الحرّ الذي يرأسه النائب جبران باسيل صهر الرئيس عون)، عبر حسابها على "تويتر"، وكتبت: "يعتذرون عن حضور اجتماع بعبدا، حبذا لو يعتذرون عما اقترفته أيدي معظمهم ومعظم من تسلم المسؤولية العامة بحق الشعب اللبناني الذي تعرّض لسرقة موصوفة على مدى عقود".


وفي سياق المشاورات التي يجريها رئيس البرلمان اللبناني نبيه بري، لتأمين حضور جميع القوى السياسية والأطراف المدعوة إلى لقاء بعبدا، استقبل الأخير اليوم رئيس الحكومة الأسبق نجيب ميقاتي، الذي قال من عين التينة في بيروت (مقرّ رئاسة مجلس النواب) إنّ "اللقاء في بعبدا سينعقد، لكن كنت أتمنى لو قام الرئيس ميشال عون بمشاورات ثنائية مع مختلف الأقطاب قبل القيام بالحوار".
وأشار ميقاتي إلى أنّ "حوار بعبدا يأتي من دون جدول أعمال وخريطة طريق، وهو حتى الساعة تكرار للبحث في الثوابت الوطنية التي هي أصلاً ثابتة وليست بحاجة إلى تثبيت، ونحن نحترم المقامات، ولكن لا يمكننا أن نخدّر الناس بهذه الاجتماعات".

وعمل الرئيس بري أيضاً على خطّ إقناع رئيس "تيار المردة" سليمان فرنجية بحضور لقاء بعبدا الخميس شخصياً، وهو الذي قاطع الحوار الاقتصادي الأخير الذي كان دعا إليه الرئيس عون في السادس من مايو/أيار الماضي، ولم يصدر بعد أي موقف نهائي عن فرنجية الذي قطع علاقته بشكل شبه نهائي مع رئيس الجمهورية، وعلاقته الراهنة هي الأسوأ مع رئيس "التيار الوطني الحر" جبران باسيل، الذي تشكل مشاركته واحدة من أسباب مقاطعة فرنجية.
وأكد فرنجية في لقاءاته الأخيرة، الأسبوع الماضي، ولا سيما مع بري والحريري، أن "المصلحة الوطنية تقتضي التفاهم والتضامن من أجل تخطي هذه المرحلة الصعبة". وقال: "الاتفاق في بعبدا يجب أن يكون حقيقياً، وليس شكلياً، وإذا شاركت في لقاء بعبدا أو أحجمت عن المشاركة، ففي الحالتين أرفع رأس الناس الذين أمثلهم".
وفي وقت حسم فيه رئيس "الحزب التقدمي الاشتراكي" وليد جنبلاط، الذي يعدّ من خارج محور الثامن من آذار موقفه بالمشاركة في لقاء يوم الخميس، فإنه لن يصدر معظم رؤساء الكتل والأحزاب "المعارضة" موقفهم حتى اللحظة الأخيرة، الأمر الذي يزيد مخاوف رئاسة الجمهورية من تغيّب القوى السياسية الوازنة عن الحوار ومقاطعتها الجلسة، وهو ما يضرب مقام الرئاسة الأولى بعد انتكاسة الحوار الأخير. وأكد مصدر في قصر بعبدا لـ"العربي الجديد" أنّ عجلة الاتصالات رُفعت إلى أقصى درجة من أجل إنجاح حوار الخميس الوطني.
ويقول المصدر، الذي فضل عدم ذكر اسمه، لـ"العربي الجديد"، إنّ الحوار "سيبحث أولاً وبشكل رئيسي الوضع الاقتصادي والحلول الممكنة للخروج من الأزمة الراهنة التي تشتدّ يوماً بعد يوم، وسبل الحصول على مساعدات دولية، سواء من صندوق النقد الدولي أو الجهات المانحة".
وأضاف أنه "سيجري التطرق إلى ضرورة التعاون بين جميع الأفرقاء السياسيين من أجل إنقاذ لبنان ووضع المناكفات السياسية جانباً، لأن الوضع لا يحتمل التلهي في الصراعات والنزاعات الثنائية أو الثلاثية التي لا تصبّ في مصلحة الوطن والمواطن".
وشدّد الرئيس اللبناني ميشال عون، اليوم الإثنين، على أنّ الحوار الوطني المنتظر يوم الخميس المقبل "يهدف بشكلٍ أساسيٍّ إلى تحصين السلم الأهلي عبر تحمّل كل طرفٍ من الأطراف الداخلية مسؤولياته، وذلك تفادياً للانزلاق نحو الأسوأ وإراقة الدماء".
ونفى عون خلال لقاء عقده اليوم الاثنين مع الهيئة الإدارية لـ"جمعية الإعلاميين الاقتصاديين" في قصر بعبدا أن يكون هدف انعقاد طاولة الحوار العودة إلى حكومة وفاق وطني، مشيراً إلى أنّ "النظام التوافقي يفتقد الديمقراطية في ظلّ غياب ما يُسمّى الأقلية والأكثرية".
ويأتي ذلك في معرض ربط طاولة الحوار بالتمهيد لعودة الحريري إلى رئاسة الحكومة من بوابة أنه يؤمّن الغطاء لـ"حزب الله" بوجه الحصار الدولي، وتحديداً الأميركي، مع دخول "قانون قيصر لحماية المدنيين السوريين" حيز التنفيذ. وفي الوقت نفسه، هو قادر على إقناع المجتمع الدولي بمساعدة لبنان مالياً واقتصادياً للخروج من أزمته الخطيرة.
وبالتزامن مع الحركة السياسية، سجلت تحركات مساء اليوم في عددٍ من المناطق اللبنانية، ولا سيما في البقاع والشمال، احتجاجاً على تردي الأوضاع الاقتصادية والمعيشية والاجتماعية ورفضاً لاستمرار ارتفاع سعر صرف الدولار في السوق السوداء وتدهور العملة الوطنية بشكل غير مسبوق تاريخياً، في ظل غياب تام للحكومة عن القيام بإصلاحات جدية ملموسة.