استمر هذا الأسبوع "الجدل" و"الخلاف" الإسرائيليان المعلنان حول خطة الضم، التي أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ساعات بعد إعلان خطة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، أواسط يناير/ كانون الثاني الماضي، عزمه تنفيذها.
وبدا الجدل الإسرائيلي ملتصقاً بتعبير فرض السيادة على المستوطنات، مع تأكيدات متكررة لنتنياهو عن عزم حكومته التصويت على فرض السيادة على المستوطنات، في محاولة واضحة لتجنب استخدام تعبير الضم، بالرغم من استمرار تحذير المؤسسة الأمنية التقليدية من تبعات الخطوة المحتملة، فيما واصل حزب "كاحول لفان" إطلاق مواقف غير واضحة، تتذبذب بين دعم الفكرة والخطوة الإسرائيلية، التي يروج لها نتنياهو، بشروط معينة. بموازاة ذلك، عاد نتنياهو للنفخ عبر تصريحات، في جلسات مغلقة، في قربة الذهاب إلى انتخابات جديدة، في حال بقي الوضع السائد في الحكومة والشلل في عملها، من جهة، وترجيح إقرار المصادقة على فرض سيادة، بالاستعانة بأغلبية صوت الوزير المستوطن يوعاز هندل، المحسوب على كتلة "كاحول لفان"، من جهة ثانية، ما سيمنح نتنياهو أغلبية في الحكومة.
لكن على الرغم من حالة "الغموض" وعدم الوضوح التي يبثها نتنياهو، ويغذيها شريكه في الحكومة، يبدو أن هناك توافقاً في الحكومة على فكرة فرض السيادة الإسرائيلية على مستوطنات في الضفة الغربية المحتلة، وليس تنفيذ الضم كضربة واحدة، خصوصاً أن نتنياهو يميل، بحسب تسريبات المقربين منه، إلى تنفيذ "الخطة" على مرحلتين، تبدأ بتكريس فرض السيادة الإسرائيلية على المستوطنات المعزولة (نحو 19 مستوطنة)، تقع ضمن خطة ترامب الأصلية داخل حدود المنطقة المخصصة للدولة الفلسطينية.
ويسير نتنياهو باتجاه الفصل بين خطة ترامب الأصلية، بما تحمله من اشتراط دولة فلسطينية، يؤكد رئيس الحكومة أنها ليست كذلك، حتى لو أطلق عليها الرئيس الأميركي هذا الوصف، وبين الاتجاه أولاً لتصديق قرار فرض السيادة الإسرائيلية على جزء من المستوطنات، كي يضمن تمرير الخطة في الكنيست، باعتبارها خطوة مهمة أيضاً للأمن الإسرائيلي، وتعزز مواقف وأوراق إسرائيل التفاوضية مستقبلاً.
وفي هذا السياق، أصدرت وزارة الاستخبارات الإسرائيلية، أمس الجمعة، ورقة تقدير موقف، أكدت أن ضم المستوطنات وفرض السيادة الإسرائيلية عليها يرفدان موقف إسرائيل بالمفاوضات المستقبلية. وكان نتنياهو عقد لقاء، الإثنين الماضي، مع مجموعة من الجنرالات السابقين في جيش الاحتلال المؤيدين لخطة الضم، الذين يطلقون على أنفسهم اسم "الأمنيون"، كحركة موازية لجمعية قادة من أجل الأمن والسلام يعارضون الخطة، بفعل التحسب من تداعياتها أولاً، ولكونها خطة فائضة عن الحاجة ولا تغير من الوضع القائم على الأرض، حيث السيطرة المطلقة لإسرائيل في غور الأردن. ويسعى نتنياهو من وراء لقائه بأفراد مجموعة "الأمنيون" إلى تقديم طرح أمني، وليس أيديولوجياً فقط، مضاد للموقف التقليدي للجنرالات الذين يعارضون تنفيذ خطة الضم بصورتها المعلنة، خوفاً من تداعياتها الأمنية وتهديدها المستقبلي "ليهودية الدولة".
ومثلما يتم إبراز الجدل مع حزب "كاحول لفان"، تم أيضاً هذا الأسبوع إبراز حالة من الخلاف، بغض النظر عن حجمه، مع الإدارة الأميركية، ونسب المعارضة الأميركية لصهر الرئيس جيرالد كوشنر، كجهة ضاغطة، من شأنها أن تعرقل عملية الضم الواسعة، والاكتفاء بعملية بسط السيادة الإسرائيلية على المستوطنات المعزولة أولاً، وعلى الكتل الاستيطانية لاحقاً، وتقديم ذلك كتنازل إسرائيلي من أجل عدم عرقلة خطة ترامب. ولعل أكثر ما يُبرز سطحية وهشاشة التباين المعلن داخل الحكومة الإسرائيلية في مسألة الضم، ما كان صرح به وزير الأمن الإسرائيلي ورئيس الحكومة البديل بني غانتس، خلال لقائه مع قادة المستوطنين قبل نحو عشرة أيام، عندما قال "لقد تعلمت من أحد قادة المباي (حزب العمل التاريخي): خذ ما يعرض عليك ثم واصل نشاطك لتحقيق الباقي".
وبالرغم من هذه الشروط التي تجعل للوهلة الأولى عملية الضم شبه مستحيلة، إلا أن موقع "معاريف" كشف، أمس الجمعة، زيف مواقف غانتس، عندما أشار إلى أنه ساوم نتنياهو على تأييد خطواته للضم مقابل تمرير ميزانية لحكومة الاحتلال لعامين، وذلك لضمان بقاء الحكومة الحالية حتى نوفمبر/ تشرين الثاني من العام المقبل، موعد تنفيذ اتفاقية التناوب بين نتنياهو وغانتس.
حالة الجدل والتضارب في الأخبار حول مواقف مختلف الأطراف في دولة الاحتلال قد تستمر طويلاً، وقد يكون الجدل أداة بيد نتنياهو في حال قرر الذهاب لانتخابات جديدة، بالركون إلى تأكيد استطلاعات الرأي الأخيرة، أن أي انتخابات جديدة ستتمخض عن أغلبية لصالح معسكر نتنياهو لا تقل عن 64 مقعداً من أصل 120 في الكنيست، مقابل تحطم حزب "كاحول لفان" بقيادة بني غانتس لـ10-11 مقعداً فقط. وفي مثل هذه الحالة سيقدم نتنياهو على استغلال أغلبية صوت في الحكومة الحالية، لتمرير قرار بفرض السيادة على جزء من المستوطنات، وتوظيف ذلك في المعركة الانتخابية المقبلة، ضد حزب الجنرال.