وتؤكد الإدارة الأميركية عزمها على تطبيق القانون بصورة صارمة لتسديد ضربة إضافية قاسية للاقتصاد السوري الذي ينهار، ولبعث رسالة مفادها أن إعادة إعمار سورية يجب أن تكون برضا الولايات المتحدة.
وتستهدف العقوبات أيضاً "حزب الله" اللبناني بهدف تقليص دوره باعتباره الذراع الإيرانية الأهم في المنطقة وأحد الأنابيب الرئيسية لمد الاقتصاد السوري بالأوكسجين اللازم لاستمراره. وفي الحسابات والتقديرات الأميركية فإن مردود القانون من هذه الناحية الجيوسياسية قد يكون الأفعل.
فالساحة اللبنانية في حالة اختناق مالي وسياسي يهدد بانفجار كبير. وثمة من يتوقع "انهيار الدولة اللبنانية". ومن شأن عقوبات قيصر صبّ الزيت على النار ووضع المزيد من الضغوط على "حزب الله" لإجباره على الانكفاء من سورية.
فالحزب حسب المعلومات الأميركية، يقوم من خلال شبكة أعماله بعمليات تجارية مع النظام السوري عبر المعابر الحدودية غير الرسمية التي تبلغ نحو 120 معبراً لتهريب البضائع بين البلدين.
وتذكر مصادر أن المصرف المركزي في لبنان يتكبد سنوياً خسائر بنحو 4 مليارات دولار بسبب تهريب المحروقات المدعومة من الدولة إلى سورية.
ولا يقتصر قانون "قيصر" على استهداف الجانب التجاري للحزب، بل يشمل أيضاً قطاع الخدمات والبنى التحتية ومجالات الاستثمار والمصارف، وإن كانت هذه الأخيرة منضبطة إلى حد بعيد بحدود العقوبات الأميركية. ويشمل القانون أيضاً الاتفاقات العسكرية وهيئات التنسيق بين سورية ولبنان ومنها "المجلس الأعلى اللبناني السوري" المشكل منذ عام 1991 و"اتفاق الدفاع الأمني" الموقع في 2019.
ربما جاء ذلك لأن الإدارة الأميركية تتوقع أن يكون الانضباط اللبناني بمضمون القانون "محدوداً نظراً لتداخل وترابط اقتصاد البلدين والحدود المفتوحة ووجود ودائع سورية في البنوك اللبنانية". ويُقال أن على لبنان أن يختار بين الابتعاد عن المحور السوري الإيراني وبين عدم الحصول على المساعدات الدولية، وكلاهما ينطوي على خطر تفجر الوضع في البلد الذي يشهد بالفعل تظاهرات يومية.
ويتوقع محللون صعوبة التوصل في المفاوضات الجارية بين لبنان وصندوق النقد الدولي للحصول على مساعدة مالية، فالشروط معقدة وشبه مستعصية والمردودات إذا توفرت ستكون شحيحة. طلب لبنان مبلغ 10 مليارات من الصندوق وهو أكثر من عشر مرات الكوتا الخاصة به وهي فقط 861 مليون دولار.
ونظراً لعدم قدرته على الأغلب في الوفاء بالشروط، فإنه من المستبعد أن يحصل على أكثر من 3 إلى 5 مليارات دولار، حسب دراسة نشرتها قبل أيام مؤسسة كارنغي للدراسات في واشنطن. هذا في أحسن الأحوال، علماً بأن المفاوضات ما زالت جارية والاحتمالات تتضاءل مع تزايد تردي الوضع اللبناني. والمعلوم أن موافقة الصندوق تعتبر بمثابة المفتاح لتدفق المساعدات الدولية الأخرى.
ولكن جرائم الحرب التي وثّقتها صور الضابط السوري المنشق المكنّى بـ"قيصر" والقابعة في الكونغرس منذ 2014، استخدمت مدخلاً مشروعاً لتحقيق أهداف سياسية أكثر من كونها معاقبة على ممارسات جرت قبل ست سنوات، وإلا لكان من المفترض فرض العقوبات في حينه.
وتركت العقوبات للحظة المواتية كلحظة الضيق الراهن في سورية ولبنان لجني أقصى الفوائد منها، ولو أن هناك من يحذر من أن الإفراط في استخدام العقوبات قد يؤدي إلى نتيجة سلبية، فمزيد من العقوبات على النظام السوري يعني فاتورة أكبر في لبنان.