الانتشار الأمني "غير المنسق" لمواجهة عنف "داعش" يقطّع أوصال بلدات عراقية

08 مايو 2020
الأهالي يطالبون بإجراءات مناسبة (أحمد الربيعي/ فرانس برس)
+ الخط -
مجدداً تعود مشاهد التشديد الأمني في البلدات والقرى المتجاورة وفي مدن عدة في شمال وغرب العراق على وقع الهجمات التي نفذها تنظيم "داعش" الإرهابي، خلال الأسابيع الماضية، بعدما عمدت قوات الأمن والجيش إلى اتخاذ إجراءات إضافية في المناطق التي شهدت هجمات دامية.

وأسفرت سلسلة من الاعتداءات الإرهابية في كركوك والأنبار وصلاح الدين وديالى، خلال الأسبوعين الماضيين، عن مقتل وإصابة عدد من المواطنين وقوات الأمن، جرت بواسطة عبوات ناسفة وهجمات مسلحة وقذائف هاون، فضلاً عن تفجير انتحاري بواسطة حزام ناسف.

وشهدت مناطق أعالي الفرات غربي العراق، فضلاً عن ديالى وكركوك، انتشاراً واضحاً لقوات الجيش والشرطة وفصائل مسلحة من "الحشد الشعبي" وقوات العشائر، منذ منتصف الأسبوع المنصرم، تسببت بقطع للطرق وعمليات تفتيش وتدقيق أمني واسعة، لتذكر العراقيين بأيام التشديد الأمني السابقة التي كانت تعيق تنقل المواطنين وممارسة أعمالهم اليومية.
وأمس الخميس، أعلنت خلية الإعلام الأمني في بغداد عن مقتل انتحاريين اثنين وتفجير سيارتين مفخختين في صحراء الأنبار، غربي البلاد، وذلك في إطار عمليات عسكرية تنفذها قوات الجيش منذ أيام، فيما أعلنت الشرطة في ديالى، شرقي العراق، عن مقتل خمسة عناصر من تنظيم "داعش"، بمواجهات دارت بين قوات عراقية مشتركة وخلايا إرهابية في مناطق قرب بحيرة حمرين، شمال شرقي ديالى.

وبحسب مسؤول عسكري عراقي، فإن عمليات الانتشار الأمني تأتي ضمن خطة مواجهة العمليات الإرهابية المتصاعدة منذ أيام، مبيناً، في حديث لـ"العربي الجديد"، أنه "يأمل من المواطنين تحمل تلك الإجراءات كونها لحمايتهم أولاً وأخيراً". وأوضح أنّ "الخطة الأمنية الجديدة تشمل مناطق هشة شهدت هجمات إرهابية في شمال وغرب البلاد وهناك نتائج جيدة بدأت تفرزها الخطة".

مقابل ذلك، أقدمت فصائل "الحشد الشعبي" على نشر أعداد كبيرة من عناصرها في عدد من المناطق، ونقلت وسائل إعلام محلية عن القيادي بـ"الحشد"، صادق الحسيني، قوله إنهم أعادوا انتشارهم في بلدات عدة شمال شرقي ديالى، وفي عدد من "المناطق الرخوة" التي استغلها تنظيم "داعش" أخيرا للتسلل باتجاه النقاط الأمنية والقرى المحررة في المحافظة.
وأكد أن "الانتشار يأتي لقطع الطريق أمام أي محاولة من التنظيم لزعزعة أمن تلك المناطق، وتحركاته في القرى المهجورة"، مشيراً إلى أن "الحشد يحقق نجاحاً في كل الأهداف المرسومة له".
انتشار "الحشد" بموازاة تحركات "داعش" تسبب بقطع أوصال أغلب المناطق، خاصة في ديالى، التي تعد أكثر المحافظات التي شهدت أعمال عنف أخيراً.
ووفقاً لمسؤول محلي في ديالى، فإن "أعمال العنف المتصاعد في عدد من مناطق المحافظة والتي رافقها انتشار فصائل الحشد، التي بدأت بتشكيل حواجز أمنية على الطرق وبين المناطق، ما أثار الرعب مجدداً في تلك البلدات"، مبيّناً لـ"العربي الجديد"، أن "عودة انتشار الحشد بشكل مكثف تسببت بتقطيع أوصال عدد من البلدات في المحافظة، في منطقة العظيم ومناطق الوقف التي تضم قرى المخيسة والكبة وأبي صيدا، فضلاً عن مناطق أخرى، إذ إن أغلب الأهالي يتخوفون من التنقل والمرور عبر حواجز الحشد".
وأشار إلى أن "الملف الأمني في المحافظة يدار بشكل غير منظم، إذ إن القوات الأمنية تعمل من جهة والحشد من جهة أخرى، بشكل غير منسق، فيما يواصل عناصر داعش تنفيذ هجماتهم وأعمال عنفهم اليومي".

في السياق ذاته، أقر عضو لجنة الأمن والدفاع في البرلمان العراقي، النائب كاطع الركابي، بوجود ارتباك بالأوضاع الأمنية في ثلاث محافظات عراقية، هي صلاح الدين وديالى وكركوك. وقال، في تصريحات إعلامية، إن لجنة الأمن والدفاع عقدت اجتماعاً موسعاً مع قادة عمليات الجيش في المحافظات الثلاث"، موضحاً أنّ "الوضع الأمني مقلق، خاصة في ديالى، نظراً لارتفاع معدلات الهجمات التي تشنها خلايا داعش النائمة، والتي بدأت تنشط بشكل واضح في الآونة الأخيرة".

وأكد أن "اللجنة ستكون لها زيارات ميدانية لمواقع العمليات الثلاثة للوقوف على واقع الحال واتخاذ ما يلزم من قرارات لدعم المؤسسة الأمنية".
ويؤكد مسؤولون محليون ومواطنون، في تلك المحافظات، على أن الاعتماد الأول يجب أن يكون على المعلومات الاستخبارية، وليس الزج بأعداد كبيرة من القوات، ووضع إجراءات أمنية مشددة يمكن أن تسهم في عرقلة حياة الناس، من دون أن تحقق هدفها المنشود، خاصة مع تسجيل عمليات إرهابية، قبل أيام، ثبت أن منفذيها اجتازوا حواجز أمنية بهويات مزيفة من دون الكشف عنهم.
ويقول محمد الجبوري، وهو مسؤول محلي في بلدة البعاج جنوبي العراق، لـ"العربي الجديد"، إن "نجاح القوات الأمنية في بناء علاقة ثقة بينها وبين السكان المحليين هو مفتاح ضرب خلايا داعش والقضاء على كل النشاطات الإرهابية".
ويضيف الجبوري أن "السكان يخافون من قوات الأمن، والمفروض العكس، غير أن تركة الماضي وتجارب سابقة ما زالت عالقة في أذهانهم، والمواطن هو مصدر استخباري مهم ويمكنه أن يعوض الجيش والشرطة عن إجراءات قطع الطرق والتفتيش وزيادة أعدادهم".


بالمقابل، يقول زعيم قبلي في ديالى لـ"العربي الجديد"، طلب عدم ذكر اسمه، إن "السكان يتخوفون من عودة الحواجز الأمنية وقطع الطرق، وهذا الأمر تسبب بمنع تنقلهم بين تلك المناطق، لا سيما مع وجود انتهاكات سابقة تورط بها عناصر من الحشد في عدد من المناطق".

وأشار إلى أنه "يجب على المسؤولين والقادة الأمنيين أن يتخذوا الإجراءات التي تتناسب مع الأهالي، وتسهم بتعزيز تعاون الأهالي مع عناصر الأمن، وهذا يحتاج إلى أن تكون قوات الشرطة المحلية والأجهزة الأمنية التي تنتشر بمناطقهم من نفس المنطقة، لوجود الثقة المتبادلة بينهم، وهذا الإجراء سينعكس إيجاباً على الملف الأمني، حيث أن استقدام قوات من خارج المحافظات والمدن وزجها بشكل مباشر في ملف الأمن، من دون معلومات أو خلفيات مسبقة لهم، قد يعقد الأمور ويصعب حياة الناس".