أنهى تشكيل حكومة رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، والتي حازت على ثقة البرلمان أمس الأربعاء، فترة "الغياب الطوعي" التي ابتكرها رئيس الوزراء المستقيل عادل عبد المهدي، والذي امتد بقاؤه على سدة الحكم نحو ستة أشهر بعد تقديم استقالته، والتي أجبر عليها بسبب ضغط الشارع العراقي بعدما انتفض بتظاهرات عمّت البلاد احتجاجا على الفساد وعدم توفير خدمات وفرص عمل.
وجاء تشكيل الحكومة الجديدة في ظل أزمة اقتصادية يقبل عليها العراق في ظل انخفاض أسعار النفط، وعدم تمرير موازنة لسنة 2020، فضلا عن أزمة أمنية تتمثل بنشاط متصاعد لتنظيم "داعش" الذي بدأ ترتيب أوراقه بعدد من المحافظات العراقية، التي أمسك فيها بزمام المبادرة بتنفيذ الهجمات، وأيضا ملف التظاهرات ومطالب الشارع العراقي، وما تحتاجه من حلول، فضلا عن ملف نشاط المليشيات المسلحة المرتبطة بأطراف سياسية لها ثقلها في المشهد السياسي، والأزمة الصحية.
كل تلك الملفات، التي أهملت على مدى فترة حكومة عبد المهدي، ستكون تركة ثقيلة ترثها حكومة الكاظمي.
وفي السياق، أكد "ائتلاف النصر" بزعامة حيدر العبادي أن "حكومة عبد المهدي أخفقت في إدارة ملفات البلاد، وأدخلتها بأزمات خانقة".
وقال الائتلاف، في بيان له، إن "حكومة عبد المهدي تتحمل كامل المسؤولية لإخفاقها بإدارة البلاد، وتجاوزها على حرمات وحريات وحقوق المواطنين، وإدخالها البلاد بنفق أزمات كارثية سنعاني من تبعاتها السياسية والاجتماعية والاقتصادية".
ودعا إلى "تضامن وطني شامل لضمان إدارة صالحة للدولة".
من جهتها، أكدت عضو البرلمان العراقي، إقبال عبد الحسين، حدوث عمليات فساد كبرى خلال فترة حكومة عبد المهدي، مؤكدة، في بيان لها، أن "وزراء في الحكومة المستقيلة انتهزوا الفرصة لاستثمار أكبر عدد من الأموال لصالحهم، قبل إحالتهم على التقاعد بتشكيل حكومة جديدة".
وأشارت عبد الحسين إلى أن "غالبية الوزراء استغلوا الوضع الصحي بتفاقم أزمة كورونا، والوضع الاقتصادي بانخفاض أسعار النفط عالميا للقيام بإبرام عقود مباشرة مشبوهة وإلغاء عقود أبرمت سابقا، كونهم لم يستفيدوا منها، فضلا عن عمليات المساومة والابتزاز التي مارسوها".
ودعت الكاظمي إلى "إصدار أوامر بمنع سفر جميع الوزراء إلى حين التأكد من سلامة موقفهم المالي".
أما "جبهة الإنقاذ والتنمية" التي يتزعمها أسامة النجيفي، فقد دعت حكومة الكاظمي إلى العمل على وقف الانهيار الذي شهده العراق خلال فترة الحكومة السابقة.
وقالت في بيان لها: "يجب على الحكومة تحقيق إرادة الشعب في النهوض، ووقف الانهيار الذي شهدته المرحلة السابقة، والتصدي للفساد وانتشار السلاح، وحسم مأساة السجناء والمخفيين قسرا، وطي ملف النزوح والتهجير وإعادة بناء المدن المحررة، ووقف الإجراءات ومعالجة قوانين المرحلة الانتقالية التي فرقت ما بين أبناء الشعب الواحد، وإنجاز انتخابات نزيهة مبكرة وعلى وفق البطاقات البايومترية، والتصدي الفاعل للأزمة الاقتصادية، وما خلفته جائحة كورونا من تأثيرات سلبية".
ويرى سياسيون أن كتلا سياسية ستعمل ضد حكومة الكاظمي لتمرير أجنداتها، وأن ذلك سيكون تحديا آخر بوجه حكومته.
وقال السياسي الكردي النائب السابق، محمود عثمان، لـ"العربي الجديد"، إن "التحديات كبيرة وخطيرة أمام الكاظمي، وهو يحتاج إلى دعم سياسي كبير، حتى يتسنى له التغلب على جزء من تلك التحديات، والتي منها داخلية وأخرى خارجية".
وأكد عثمان أن "المشكلة يضاف لها أن كتلا سياسية عدة ستقف بالضد من حكومة الكاظمي، لأنها بالتأكيد ستريد منه تحقيق أجنداتها، أو تجاوز ملفاتها"، مبينا أن "الكثير من تلك الكتل السياسية متورطة بملفات فساد، وفي حال اقترب منها الكاظمي وحاول فتح تلك الملفات، فإنها ستستخدم كل ما تملكه من قوة ضده، وهذا سيكون عائقا كبيرا يقف بوجهه في حال أقدم على العمل"، مبينا أنه "في حال لم يفتح تلك الملفات (ملفات الفساد) فإنه سيكون محرجا أمام الشارع العراقي، الذي ينتظر منه تحقيق مطالبه، لذا فإن موقف الكاظمي صعب للغاية، فهو محاصر بين تركة ثقيلة، وإرادات سياسية، ومطالب شعبية".
أما النائب السابق عن الحزب الديمقراطي الكردستاني، ماجد شنكالي، فقد رأى أن الكاظمي لا يستطيع تحقيق شيء كبير، لكنه سيكون أفضل من بقاء عبد المهدي.
وقال شنكالي، في تغريدة له، إن "كابينة الكاظمي التي تم تمريرها كما هو متوقع لن تستطيع عمل الكثير، ولكنها أفضل بكثير من بقاء حكومة الغائب الطوعي"، مبينا أن "جلسة التصويت أثبتت بشكل قاطع وحاسم أن مصلحة الكتل والأحزاب أهم من مصلحة العراق والشعب، يجب على الكل دعم الحكومة في بداية عملها لحين رؤية مخرجاتها".
— ماجد شنكالي (@majidshingali) May 6, 2020
" style="color:#fff;" class="twitter-post-link" target="_blank">Twitter Post
|
مقابل كل تلك التحديات، تؤكد الكتل التي لم تصوت لحكومة الكاظمي أنها ستعمل على مراقبة أداء حكومة الكاظمي، وأنها ستضعها "تحت المجهر".
وقالت النائبة عن "ائتلاف دولة القانون" بزعامة نوري المالكي، عالية نصيف، إن "القوى السياسية التي لم تصوت على كابينة الكاظمي اختارت جانب المعارضة الإيجابية التي تراقب الأداء الحكومي بدقة، وتسجل ملاحظاتها حول مستوى الأداء، سيما وأن البلد يمر بتحديات كبيرة بعد هبوط أسعار النفط بسبب أزمة كورونا، ووجود عجز كبير في الموازنة، وقلة الحلول المناسبة التي تساعد على اجتياز الأزمة، فضلاً عن تفشي الفساد المالي وضعف الدور الرقابي خلال الفترة الماضية".
ويرى مراقبون أن الكاظمي بحاجة إلى استمرار دعم الجهات التي دعمته، لمواجهة "الانهيار" الذي تسببت به حكومة عبد المهدي.
وقال رئيس مركز التفكير السياسي، إحسان الشمري، لـ"العربي الجديد"، إن "التركة ثقيلة والآثار السلبية لحكومة عبد المهدي ستلقي بظلالها على حكومة الكاظمي، لكن مع ذلك أتصور أن هناك رغبة وإرادة لدى الأخير وكابينته لوضع الحلول"، مبينا أن "الأمر لا يرتبط بهذه الإرادة والبرنامج الحكومي فقط، وإنما يتوقف على استمرار دعم الأحزاب السياسية للكاظمي، إذ لابد للأحزاب الداعمة أن تستمر بالدعم، ومن ثم الذهاب لوقف الانهيار الذي تسببت به حكومة عبد المهدي".
وأضاف الشمري أنه "من الضروري جدا أن يكون هناك ثنائية تكاملية بين البرلمان والحكومة الجديدة، هي حكومة بمرحلة انتقالية لا يمكن لها وفق تلك التركة أن توجد حلولا خلال مدة عمر الحكومة الجديدة، لكن إذا ما استطاعت الحكومة أن تضع الأسس الصحيحة فإن الجيل السياسي القادم، من خلال الانتخابات المقبلة، يمكن أن يبني على الخطط التي تضعها حكومة الكاظمي، وبالتالي سنرى تغييرا إذا ما تم اعتماد الدولة كمؤسسات وليس كإرادات سياسية".