مصر: تمدد حملة الجيش والقبائل في سيناء

01 يونيو 2020
تم إدخال المروحيات للعمل مجدداً في سيناء (فرانس برس)
+ الخط -

توسعت جغرافية الحملة العسكرية التي يقوم بها الجيش المصري، بمعاونة من بعض العائلات والقبائل في محافظة شمال سيناء، ليشمل نشاطها، السبت الماضي، مناطق وسط سيناء.

في هذا الوقت تواصل الحملة تقدمها في مناطق جنوب مدينة رفح، رغم الخسائر البشرية التي منيت بها خلال الأيام الماضية، بعد وقوع قوة عسكرية بوسط سيناء في كمين لتنظيم "ولاية سيناء"، الموالي لتنظيم "داعش"، ما أدى لمقتل خمسة عسكريين، بينهم ضابطان. وكان قتل عدد من المدنيين المتعاونين مع الجيش، الجمعة الماضي، بانفجار عبوة ناسفة زرعها التنظيم في منطقة العجراء جنوب رفح، بالإضافة إلى مقتل مجندين، ليكونوا أول الخسائر البشرية في الأسبوع الأول من الحملة، التي من المقرر لها أن تستمر حتى تحقيق هدفها الرئيسي بالقضاء على التنظيم الإرهابي، في مناطق شمال ووسط سيناء.

وفي تفاصيل المشهد الميداني، قالت مصادر قبلية وشهود عيان، لـ"العربي الجديد"، إن الحملة العسكرية المشتركة بين الجيش والقبائل توسعت في مناطق وسط سيناء، وتحديداً مركز الحسنة، حيث منطقة المغارة، التي شهدت هجمات متكررة لتنظيم "داعش" ضد قوات الجيش والشرطة على مدار السنوات الماضية، بالإضافة إلى استهداف "ولاية سيناء" في هذه المناطق للمتعاونين مع الأمن. وأوضحت أن القبائل الموجودة وسط سيناء الأكثر رغبة في حشد جميع الأطراف لمواجهة "داعش"، بعد أن أقدم التنظيم على استهداف العشرات من البدو، خلال الأسابيع القليلة الماضية، ما دفعهم للإعلان عن الحملة العسكرية خلال شهر رمضان على أن تبدأ بعد العيد، وهذا ما حصل فعلياً. وأشارت إلى أن "جبهة الوسط قد تكون أكثر قوة من الناحية العسكرية والعددية للقبائل، إلا أنها ستكون أخف وطأة على المسلحين من مواجهة رفح والشيخ زويد وبئر العبد، نظراً إلى وجود التنظيم بكثافة في هذه المناطق أكثر من الوسط. وكذلك الحال في منطقة بئر لحفن جنوب مدينة العريش، حيث شهدت حملة عسكرية مشتركة، انطلاقاً من أحد ارتكازات الجيش المصري".

وأشارت المصادر إلى أن "الحملة العسكرية المشتركة هذه المرة تختلف عن سابقتها، نظراً إلى أعداد المشاركين من القبائل للقتال إلى جوار الجيش، بالإضافة إلى عامل مهم، يتمثل في الطيران الحربي المصري الذي يؤمن تحرك القوات على الأرض، من خلال القصف الجوي للمناطق التي تنوي الحملة دخولها، بالإضافة إلى تحليق طائرات بدون طيار لمهمات الاستطلاع والاستهداف على مدار الساعة، عدا عن التجهيزات اللوجستية التي دعم الجيش بها المشاركين معه من القبائل". وأوضحت أن هذه الأمور شجعت الكثيرين على المشاركة في الحملة، على أمل تحقيق نجاحات، تنعكس إيجاباً على الوضع المستقبلي للمنطقة، وتحقق آمال الكثيرين بالعودة إلى ديارهم، ومصادر رزقهم في شمال ووسط سيناء، بعد أن هجر الجيش الآلاف منهم بحجة مكافحة الإرهاب وخوض المعارك مع التنظيم.


ووفقاً لمصادر طبية في سيناء، تحدثت لـ"العربي الجديد"، فإن أولى خسائر الحملة العسكرية المشتركة تمثلت في مقتل مدنيين من قبيلة الترابين بانفجار لغم في منطقة العجراء، هما عودة سليم أبو أنقيز وعيد مصلح أبو ماسوح، بالإضافة إلى مقتل مجندين، أحدهما قنصاً ويدعى محمد محمد علي جمعة، والآخر بشظايا قذيفة مضادة للدروع. وقد جرى التكتم على خسائر الجيش، رغم وقوعها منذ عدة أيام، بالإضافة إلى العديد من الإصابات في صفوف العسكريين، بينهم ضباط، نتيجة لتبادل إطلاق النار بين الطرفين، في مناطق جنوب رفح منذ يوم الاثنين الماضي، بداية الحملة العسكرية المشتركة.

وأوضحت المصادر الطبية أن الجيش المصري خسر خمسة عناصر بتفجير استهدف آلية قرب قرية التركمانية بمنطقة المغارة التابعة لمركز الحسنة. وعرف من القتلى المقدم أركان حرب محمد فضل، والملازم أول إبراهيم رأفت الشربيني، والمساعد أول محمد عبد الحميد، والمجند أحمد السيد، وذلك في أول أيام الحملة العسكرية المشتركة في منطقة الوسط. وأشارت إلى أن هذا الأمر دفع الجيش المصري لتكثيف غاراته الجوية على مناطق سيناء كافة، بالإضافة إلى إدخال المروحيات للعمل مجدداً في سيناء، وتحديداً في مناطق الوسط، بعد أن كان هذا الأمر محظوراً طيلة السنوات الماضية بعد استهدافها من قبل تنظيم "داعش" بمدينتي رفح والشيخ زويد، وإسقاط إحداها.

وأعلن الجيش المصري، ليلة السبت-الأحد، مقتل وإصابة خمسة من أفراده، بينهم ضابطان، خلال العمليات العسكرية في محافظة شمال سيناء شرقي البلاد. وأشار المتحدث العسكري باسم القوات المسلحة المصرية العقيد تامر الرفاعي، عبر صفحته على موقع "فيسبوك"، إلى "مقتل 19 إرهابياً أثناء ضربات عسكرية نُفذت، خلال الأسبوع الماضي، ضد مواقع كانت تستخدمها الجماعات المسلحة". وقال "بناء على معلومات استخباراتية تفيد بوجود عناصر تكفيرية في عدة أوكار، في محيط مدن بئر العبد والشيخ زويد ورفح في شمال سيناء، تم تنفيذ عمليتين نوعيتين، أسفرت الأولى عن مقتل 3 أفراد تكفيريين شديدي الخطورة، عثر بحوزتهم على أسلحة آلية وذخائر وقنابل يدوية وآر بي جي. كما نفّذت القوات الجوية عدداً من الضربات المكثفة لعدة تمركزات، نتج عنها مقتل 16 عنصراً إرهابياً". وأشار إلى أن "القوات استهدفت سيارتي دفع رباعي، ومخزناً يحتوي على كمية كبيرة من العبوات الناسفة والدعم اللوجيستي. كما تمكنت قوات حرس الحدود من ضبط عدد من المهربين، بحوزتهم كمية كبيرة من الأسلحة والذخائر مختلفة الأعيرة وعدد من سيارات الدفع الرباعي".

وفي المقابل، رأى باحث في شؤون سيناء، في حديث لـ"العربي الجديد"، أنه "لا يمكن الحكم بنتيجة الحملة العسكرية في ظل أنها لا تزال في بدايتها، ولا يعرف مداها ونطاق نشاطها. وكذلك لا يعرف ما لدى تنظيم داعش الإرهابي، الذي بدأ، منذ إعلان بعض القبائل قبل أسابيع عن الحشد لهذه المعركة، بشن حملة أمنية وعسكرية ضد المدنيين المتعاونين مع الأمن، قتل خلالها، العديد منهم، بالإضافة إلى اختطاف آخرين، واستهدافه المباشر لقصاصي (متعقبي) الأثر، لعلمه بأهمية عملهم في حال انطلاق الحملة العسكرية المشتركة. كما أن التنظيم نشط ضد قوات الجيش خلال شهر رمضان، عبر سلسلة هجمات في مناطق وجوده من رفح وحتى بئر العبد مروراً بالشيخ زويد وأطراف العريش، وكذلك مناطق وسط سيناء. وبالتالي حاول الضغط على أطراف القوة المشتركة، لعرقلة الاستعدادات التي كانت قائمة لبدء الحملة العسكرية. وحالياً فإن التنظيم أوقف هجماته في المناطق كافة، وركز جهوده على صد الحملة العسكرية".

وأوضح الباحث أنه و"بناءً على ما سبق، فإن توسيع جغرافية الحملة العسكرية المشتركة، قد يكون عامل ضغط على التنظيم لتشتيت تركيزه، وفتح أكثر من جبهة في آن واحد، بخلاف ما حصل في تجربة الصحوات في إبريل/نيسان 2017. إلا أن التنظيم، ورغم تصديه للحملة العسكرية المشتركة بوسط سيناء، فإن هذه المناطق قد لا تكون ضمن أولوياته في المرحلة المقبلة، وعليه فقد ينسحب منها انسحاباً تكتيكياً خلال الفترة الحالية، وتركيز قدراته في مواجهة الحملة في مناطق جنوب رفح والشيخ زويد لما تمثله من أهمية استراتيجية للتنظيم الإرهابي". وتابع "قد يتجه التنظيم في المرحلة المقبلة أيضاً لاتباع أسلوب الهجوم على قوات الجيش والمتعاونين معه، بدلاً من الدفاع عن المناطق التي يوجد فيها، في محاولة التفاف على خطط القوة المشتركة، مع محاولة أخرى تتمثل في استغلال تقديم قوات الجيش للقبائل في ساحة القتال، وبالتالي وقوع المزيد من الخسائر في صفوف المدنيين المشاركين في الحملة، ما قد يكون دافعاً لهبوط معنوياتهم، ويقلل فرص نجاح الحملة، وهذا ما ظهر الجمعة الماضي في مدينة رفح، إذ قتل وأصيب عدد من المدنيين نتيجة تفجير لداعش".

على أيّة حال، تبقى الأيام المقبلة كفيلة بإظهار وجهة الأحداث الميدانية، في حال قررت الحملة العسكرية المشتركة الالتحام بنقاط تمركز "داعش" في قرى ومناطق جنوب رفح والشيخ زويد ووسط سيناء، وبئر العبد وأطراف العريش. مع إشارة العديد من المصادر إلى أن التنظيم يحاول الإيهام بأنه ما زال موجوداً، من خلال الاشتباكات الحاصلة على الأرض لمواجهة الحملة، بالإضافة إلى أنه بصدد نشر مواد إعلامية جديدة حول الحملة العسكرية خلال الأيام القليلة المقبلة. لكن الثابت في هذه المعركة أن الخسائر البشرية والمادية ستطاول جميع الأطراف، وسيكون لهذه الحملة ما بعدها على صعيد الوضع في سيناء، وذلك وفقاً لنتائجها.