أما عن الوضع الحالي، فكشف مسؤولان عراقيان، تحدثا لـ"العربي الجديد"، عن أن الزيارة التي أجراها الكاظمي إلى مقر هيئة "الحشد الشعبي"، الأسبوع الماضي، شهدت حديثاً مباشراً حول وقف هجمات الكاتيوشا، وأهمية الدخول في مرحلة تهدئة شاملة بالوقت الراهن، وعدم دفع الأميركيين لتكرار ضربات منتصف مارس/ آذار الماضي، التي استهدفت مقرات لفصائل مسلحة في جرف الصخر وغرب كربلاء والأنبار، رداً على مقتل جنديين أميركيين وآخر بريطاني من قوات التحالف الدولي بقصف نفذته فصائل مسلحة على معسكر التاجي، شمالي بغداد.
وقال مسؤول حكومي عراقي، طلب عدم ذكر اسمه، لـ"العربي الجديد"، إن الكاظمي طلب بشكل مباشر من قيادات "الحشد" مساعدته في مهمة التهدئة الأمنية داخل العراق، متعهداً في الوقت نفسه بتقديم دعم كامل لـ"الحشد"، موضحاً أن "الكاظمي استخدم أسلوباً هادئاً مع فصائل الحشد وممثليها الذين حضروا الاجتماع. وقد تعهد رئيس هيئة الحشد فالح الفياض بتهدئة الفصائل التي لا تزال غاضبة من حادثة مقتل قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس، مقابل أن يضمن الكاظمي عدم التصعيد سياسياً ضد الحشد الشعبي أو محاولة إلغاء أو تجميد قانونه البرلماني". وأضاف المسؤول أن "قادة من الحشد الشعبي، وتحديداً من المحور المعروف بتشدده وعدائه لواشنطن، لم يقتنعوا بفكرة التهدئة بين الطرفين، وأن المقاتلين في هذه الفصائل يشعرون بالغضب، لأن الثأر لمقتل المهندس وسليماني لم يكن بالشكل المطلوب. ولكن هؤلاء القادة اقتنعوا بتأجيل المواجهة إلى حين خروج العراق من المآزق الكثيرة التي يمر بها، وهي فكرة الكاظمي التي سعى إلى تحقيقها".
وأكد سياسي آخر مقرب من "الحشد الشعبي" وزعيمه فالح الفياض ذلك، لكنه استدرك بالقول، في اتصال مع "العربي الجديد"، إن هناك جناحاً متطرفاً داخل فصائل معينة، يمكن اعتباره متمرداً على أي خيار تهدئة، وحالياً قيادات في "الحشد" تعمل على ضبطه ومنع نقضه اتفاق التهدئة، لا سيما أن الأميركيين انسحبوا من ست قواعد في الفترة الماضية وتراجعت رقعة انتشارهم العسكرية كثيراً عما كانت عليه مطلع العام الحالي. ومن المنتظر أن تنطلق، الشهر المقبل، حوارات هي الأولى من نوعها بين العراق والولايات المتحدة، منذ العام 2011، بحسب ما أعلن مسؤولون عراقيون بارزون أخيراً. وأكّد المسؤولون أنّ هذه الحوارات، التي وصفوها بـ"الشاملة"، جاءت بعرض أميركي، اعتبروه مشروعاً لوضع خريطة طريق للعلاقة بين البلدين، يتم التوصل على ضوئها إلى سياسة ثابتة ومحكومة باتفاقيات عدة، بما في ذلك مسألة الوجود العسكري الأميركي، والدعم المقدم إلى العراق أمنياً واقتصادياً، وضمانات الانتقال الديمقراطي للسلطة في العراق، مرجحين كذلك أن يكون ملف إيران على رأس ما ستتم مناقشته.
من جانبه، رفض عضو مجلس النواب عن تحالف "الفتح" كريم المحمداوي تسمية الجهات المسلحة المعادية لأميركا بالفصائل الموالية لإيران، واصفاً إياها بأنها "ألوية وطنية تسعى لطرد المحتلين". وأضاف، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "الولايات المتحدة تسعى من خلال ملاحظاتها ورسائلها العلنية والسرية للحكومة العراقية إلى تحجيم دور الحشد الشعبي، كما أنها تعمل بطرق مختلفة لضربه، واستهداف الحشد يعني استهداف الدولة العراقية، لأنه جهاز أمني نظامي". وتابع المحمداوي أن "الولايات المتحدة تتحين الفرص لاستهداف الحشد بالضربات الجوية كما حصل سابقاً، ولكن من واجبات حكومة الكاظمي أن تحمي المؤسسات الأمنية من خلال الحديث الديبلوماسي، لأن أي هجوم على الحشد، أو حتى فصائل المقاومة الإسلامية، قد يؤدي إلى مواجهة بين الطرفين، ونحن لا نريد مواجهة أي أحد، لأن الحرب من المفترض أن تتوجه ضد تنظيم داعش الذي بدأ باستعادة نشاطاته السابقة". وأكد أن "واشنطن لم تحترم حتى الآن قرارات بغداد ومخرجات البرلمان العراقي الذي قضى بخروج المحتل (في إشارة إلى القوات الأميركية) من القواعد العراقية، ونحن ننتظر نتائج المباحثات العراقية الأميركية المقبلة".
أما المتحدث باسم جماعة "أنصار الله الأوفياء" عادل الكرعاوي فقال، في اتصال مع "العربي الجديد"، إن "أميركا تريد التخلص من محور المقاومة الذي يهدف إلى ضرب كل وجود لقوى الاستكبار والاحتلالات في العالم الإسلامي"، موضحاً أن "قوات محور المقاومة مستعدة لأي ضربة للرد عليها بالقوة ذاتها أو ربما أكثر". إلا أن النائب المستقل باسم خشان أكد، لـ"العربي الجديد"، أن "الأميركيين على تواصل دائم مع الحكومة العراقية من أجل إيجاد حل للنفوذ الإيراني في العراق، وتحديداً الفصائل المسلحة، وهو ما يعمل عليه الكاظمي من خلال توفير مساحات حقيقية للتهدئة". وأضاف أن "المجتمع العراقي الرافض لانتشار السلاح بيد الجماعات العراقية التي ترتبط عقائدياً بالخارج، كان يأمل بأن الكاظمي سيسحب البساط من تحت أقدام الفصائل، إلا أن رئيس الحكومة هو بالأصل صنيعة توافق سياسي بين جميع القوى العراقية، وبالتالي فهو غير قادر على تحجيم أي جماعة مسلحة. حتى أن الحركة التي قام بها، وهي إغلاق مقر جماعة ثأر الله في البصرة، جاءت لأن الأخير فصيل هامشي، وما كان الكاظمي ليفعل ذلك مع فصيل يمتلك قوى سياسية كبيرة".
أما المحلل السياسي أحمد الشريفي، فرأى أن "واشنطن لا تفكر بالمواجهة العسكرية مع الفصائل المسلحة في العراق، ولكنها تسعى في الوقت ذاته إلى تأمين مناطق وجود قواتها، وقد تمكنت نسبياً من ذلك بعد نشر منظومة باتريوت في قاعدتي عين الأسد في محافظة الأنبار والحرير في محافظة أربيل بإقليم كردستان، شمالي البلاد". وأكد، لـ"العربي الجديد"، أن "واشنطن تسعى دائماً إلى حل المشاكل عبر الحوارات والتسويات، ولكن حين تجد أن الطرف الآخر متمسك بمناهجه المعادية لها، تعتمد أسلوب الضربات العسكرية".