أما وقد وقعت الواقعة وكبرت كلفة كورونا الأميركية أكثر بكثير مما كان يتوقع، ومع استمرار التهديد بمزيد من الخسائر البشرية والاقتصادية، فلابد إذاً من كبش فداء. وبينما يتنصل الرئيس دونالد ترامب من مسؤولية تفشي الوباء، وصل عدد الإصابات والوفيات بأميركا إلى حوالي ثلث عددها دوليا، وهو أمر لا يحتمل في عام انتخابي.
وبدا رئيس المعهد الأميركي للأمراض المعدية الدكتور أنتوني فاوتشي، خلال إفادته أمام اللجنة المعنية في مجلس الشيوخ يوم الثلاثاء، وكأنه يشير إلى خلل فادح وقع في إدارة الأزمة، تمثل في تأخر الإدارة من البداية في اتخاذ إجراءات الوقاية وفي إلحاحها الآن على تفكيك العزلة قبل الآوان. وقد جدد فاوتشي تحذيره من مخاطر العجلة في العودة عن الإغلاق.
لكن البيت الأبيض الذي ليس في وارد الاعتراف بهذه المعادلة، استدار نحو الصين لتحميلها المسؤولية باعتبارها بلد المنشأ للفيروس، وانتقل من "الإشادة" المبكرة بجهود قيادتها في التصدي للوباء إلى شيطنة نواياها ودورها الذي تسبب في اجتياحه للساحة الأميركة.
وقال وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو إنه "كان بوسع الصين وقف هذه الهجمة التي لا مثيل لها والتي تعتبر أسوا من ضربات 11/9 ومن الهجوم على بيرل هاربر" مضيفاً أنه "كان عليها وقف الفيروس في مكان ولادته".
ولا يترك الوزير أي فرصة من دون التصويب على الحزب الشيوعي الصيني بتهمة حجب المعلومات والحقائق المتعلقة بالفيروس ومصدره وظروف انتشاره، مما حال دون التنبه لتطويقه وتقليص خسائره. وذهب إلى حدّ الحديث وإن من غير أن يؤكد، عن وجود "كمية وافرة من الأدلة المهمة" بأن الفيروس تسرب من أحد مختبرات مدينة ووهان، مع أن التشخيصات الطبية تؤكد أصله الحيواني الطبيعي.
وفي نفس الاتجاه، ترددت أصوات في الكونغرس حول إمكانية مقاضاة الصين للتعويض عن الأضرار والخسائر الاقتصادية والبطالة التي تسبب بها الفيروس. خطاب بدا وكأنه يؤسس لفتح حرب باردة مع بكين. وهو خيار سارعت جهات مختلفة ومنها موالية للرئيس، للنهي عنه من زاوية أنه خيار خاطئ، فلا الصين بتركيبتها وبقوتها الاقتصادية هي الاتحاد السوفياتي ولا العلاقات بين البلدين شبيهة بالتي كانت بين واشنطن وموسكو الشيوعية، فضلاً عن أن الشعب الأميركي لا يملك الشهية لمجافاة بلد تصل علاقاته التجارية مع الولايات المتحدة إلى 500 مليار دولار سنوياً.
لكن الإدارة تواصل تحويل تركيزها نحو الصين، فخياراتها المحلية شحيحة لمواجهة خسائر فادحة في الأرواح وانهيار الحالة الاقتصادية. وآخر التقديرات تتحدث عن احتمال وصول عدد الوفيات في أميركا إلى 147 ألف حالة وفاة مع أوائل أغسطس/آب القادم ووصول البطالة إلى 20% أو 25% عشية انتخابات الرئاسة.
مع ذلك لا يبدو أن النقمة على الصين أعطت ثمارها بالرغم من المآخذ الأميركية على تكتمها والنفور من عدم مكاشفتها المبكرة بالجائحة وملابساتها. ينعكس ذلك في نتائج الاستطلاعات التي تشير إلى هبوط رصيد الرئيس وبما يهدد أيضاً وضع الجمهوريين في انتخابات مجلس الشيوخ.
تعيش أميركا أوضاعاً مأزومة. من تجلياتها أن الرئيس ترامب قطع أمس الاثنين مؤتمره الصحافي بصورة مفاجئة، على أثر مجادلة مع الصحافيين تسبب بها سؤال لمراسلة، طالبها الرئيس "بتوجيه سؤالها إلى الصين". وفيما تسلل الفيروس إلى داخل البيت الأبيض، تبدأ أكثر من أربعين ولاية في فك العزلة تدريجياً وسط مخاوف من رجوع الفيروس بموجة جديدة قوية، كما حصل ولو جزئياً في كوريا الجنوبية.
علما أن هبوط الإصابات في عدد من الولايات المنكوبة ومنها نيويورك، يقابله انتشاره في ولايات أخرى. ومع ذلك يبدو أن القرار قد رسا على ضرورة تحريك عجلة الاقتصاد وإن يكن بثمن بشري لا بد منه. لكن المشكلة أن المستهلك لا يبدو في وارد المجازفة بتشغيل المحرك الاقتصادي، على ما كشفت إحصاءات الأيام الأخيرة في الولايات التي فتحت أبوابها خلال الأسبوع الماضي.