خلافات الحكومة اليمنية تتفاقم: التدخلات الخارجية تقسم الشرعية

10 ابريل 2020
حاول عبدالملك تكذيب وجود انقسام في حكومته(صالح العبيدي/فرانس برس)
+ الخط -

تفجّرت الخلافات داخل الحكومة اليمنية، التي يرأسها معين عبد الملك، بعد تداول وسائل إعلام رسالة منسوبة إلى 12 وزيراً في الحكومة، يطالبون فيها الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي بوقف إجراءات عبد الملك ضد أعضاء الحكومة، في إشارة إلى إيقاف وزير النقل صالح الجبواني عن العمل، قبل تقديم الأخير استقالته رسمياً، والتي تبعتها استقالة وزير الخدمة المدنية نبيل الفقيه.

وعقب تداول تلك الرسالة، شنّت الحكومة، على لسان مصدر مسؤول فيها، هجوماً على من وصفتهم بـ"أعداء الشعب الذين يطلقون الإشاعات". وقالت إن تلك الرسالة "ملفقة"، وفقاً لبيان نشرته وكالة "سبأ" الرسمية، ليخرج نائب رئيس الوزراء وزير الداخلية أحمد الميسري برد قاسٍ، متحدثاً عن حقيقة الخلاف الدائر داخل الحكومة، والانقسامات التي تعصف بها في الفترة الأخيرة، والتي أدت إلى شل حركتها، وعدم قدرتها على ممارسة مهامها، وتقف وراءها خصوصاً التدخلات الخارجية في مهامها.

وتواصلت "العربي الجديد" مع أكثر من أربعة وزراء في محاولة لمعرفة حقيقة ما يدور داخل الحكومة اليمنية. وأكد بعض هؤلاء الوزراء أن الخلافات بدأت بشكل فعلي منذ تمرد أتباع الإمارات في "المجلس الانتقالي الجنوبي" في عدن، في أغسطس/آب الماضي، وكان موقف رئيس الحكومة سلبياً مما حدث، وتماهى معه عدد من الوزراء. واعتبر وزراء آخرون ما حصل خيانة بحق الشعب والبلد وتضحياته في مواجهة الانقلاب الحوثي في صنعاء، واتهموا عبد الملك بالتواطؤ مع أبو ظبي، في اختراق جديد من الإمارات للحكومة.

وقال أحد الوزراء، لـ"العربي الجديد" إن عبد الملك يحركه السفير السعودي محمد آل جابر، وصمته عن الانقلاب الإماراتي في عدن كان بطلب سعودي حتى يحافظ على منصبه في أي حكومة جديدة، لكن هذا الصمت عقّد من وضع الحكومة، فهناك تمرد فعلي داخلها رفضاً لوجود عبد الملك، لا سيما أن هناك الكثير من الوزراء يرفضون حضور جلسات مجلس الوزراء. وتخطت الخلافات قرار عبد الملك بتوقيف وزير النقل صالح الجبواني، والذي فضّل الاستقالة، معتبراً أن رئيس الحكومة تجاوز صلاحيات هادي، الذي يحق له، وفق الدستور اليمني، إقالة أو توقيف أو تكليف أي وزير في الحكومة، وهذا الأمر أغضب الكثير من الوزراء، الذين يرون أن عبد الملك يستهدف الجناح المتشدد ضد الإمارات، وهو ما دفع 12 وزيراً لرفع مذكرة إلى الرئيس اليمني، رفضاً لتصرفات عبد الملك في استهداف بعض الوزراء، مطالبين هادي بتغييره، لأنهم يرفضون بقاءه في منصبه.



في المقابل، حاول عبد الملك تكذيب وجود انقسام في حكومته، ونفي وجود أي مذكرة من 12 وزيراً إلى الرئيس اليمني. وخرج بتصريح، وزعه مقربون منه عبر وكالة "سبأ"، على لسان مصدر مسؤول في الحكومة، مع أن المقربين كانوا قد وزعوا خبراً مقتضباً بأن هناك تصريحاً مرتقباً للمتحدث باسم الحكومة. لكن البيان جاء باسم المصدر المسؤول، لينفي وجود مذكرة مرفوعة إلى هادي من عدد من الوزراء، معتبراً ذلك تسريبات ملفقة تريد شق صف الحكومة، ومتحدثاً عن انتصارات الجيش الوطني والقبائل في أربع محافظات، هي الجوف ومأرب وصنعاء والبيضاء.

لكن هذا الأمر أخرج الميسري عن صمته، وعاد إلى الواجهة من جديد، عبر تسجيل صوتي وزعه مكتبه لوسائل الإعلام، هاجم فيه رئيس الحكومة، واتهمه بإصدار بيان باسم الحكومة ينفي مذكرة الوزراء التي وصلت إلى هادي، مؤكداً أنه واحد من أولئك الوزراء الذين بعثوا المذكرة، وكانت بحدها الأدنى، لأنها كانت ستكون أقوى في لهجتها، لكنهم فضلوا أن تكون بهذه اللغة. وأكد الميسري، في التسجيل الصوتي، أن بقاء عبد الملك لم يعد ذا نفع بل مشكلة، وطالب بتغييره، قائلاً إن الوزراء ليسوا قُصراً حتى يتحدث عنهم رئيس الوزراء، معتبراً ذلك التصريح من رئيس الحكومة تطاولاً واستخفافا بالوزراء، وليس من حق المصدر المسؤول أن يصرح باسم الحكومة، لأن مهمته التصريح بما يجري على طاولة مجلس الوزراء، وكان عليه أن يتحدث باسم عبد الملك بدلاً من الحكومة. وقال الميسري إن المرحلة تتطلب حكومة جديدة، وإن هناك شبه إجماع داخل مجلس الوزراء على رفض أداء رئيس الحكومة، إلا من بعض الوزراء بعدد أصابع اليد الذين يتماهون مع عبد الملك ويجمّلون أداءه السلبي.

وحول انتصارات الجيش الوطني والمقاومة المسنودة بالقبائل، وبدعم سعودي جوي، وفق حديث المصدر المسؤول في الحكومة، شنّ الميسري هجوماً على عبد الملك، معتبراً أن حكومته لا دخل لها بالانتصارات لا من قريب ولا من بعيد، وليس لها ناقة فيها ولا جمل، وأن هذا الأمر قرره الرجال على الأرض، مضيفاً أنه إذا تم توجيه سؤال لرئيس الحكومة عمن هو قائد أي جبهة فلن يعلم. وتابع الميسري "نحن أقرب إلى الجيش الوطني والمقاومة الوطنية، ونحن معهم يومياً أول بأول، ونحن أكثر التصاقاً بالجيش والمقاومة وأبناء القبائل. ولا يُعول أبطال الجيش الوطني على هذه الحكومة الهزيلة. والرئيس هو المعني بكل ذلك، والحكومة لم تعد منسجمة، ولم تعد قادرة على العمل كطاقم واحد على الإطلاق".

هذا الهجوم الذي شنه الميسري على رئيس الحكومة، أكد الانقسامات داخل مجلس الوزراء، وأخرجها إلى السطح، وهي خلافات ليست وليدة اللحظة، حسب كثير من الوزراء والمسؤولين في مجلس الوزراء، بل إنها تراكمات بدأت آثارها تظهر إلى السطح بشكل واضح، عقب قرار عبد الملك باستهداف أبرز الوزراء المعارضين لأبو ظبي ووكلائها، فضلاً عن المنتقدين للصمت السعودي حيال دور الإمارات في اليمن، وفي مقدمة هؤلاء الوزراء الميسري ووزير النقل صالح الجبواني، على الرغم من أن الخلاف بدأ مع تماهي رئيس الحكومة وبعض الوزراء مع الأدوار الإماراتية والسعودية في اليمن.

وقالت مصادر في صفوف الشرعية، لـ"العربي الجديد"، إن عبد الملك أصبح واحداً من أبرز الاختراقات للقرار السيادي اليمني، نظراً لأن قراراته مرتبطة بالنفوذ الخارجي، وفي أغلبه النفوذ السعودي، فيما تمكنت الإمارات من الاستحواذ على قرار نائب رئيس الوزراء الآخر سالم الخنبشي، المتواجد في عدن حالياً، ولا يعترضه أحد، مقارنة بالمرتبطين بالنفوذ السعودي أو الشرعية، لا سيما أن الحكومة باتت تخضع لنفوذ ثلاثة أطراف، الشرعية والسعودية والإمارات، وكل ذلك بسبب سياسة عبد الملك، الذي أوصل الحكومة إلى هذه الانقسامات والنفوذ الخارجي، على عكس رئيس الوزراء السابق أحمد عبيد بن دغر.