وقال حفتر، في خطاب مرئي مسجل مساء الإثنين: "استجابة لإرادة الليبيين بتفويض القيادة العامة للجيش؛ نعلن إسقاط الاتفاق السياسي وتولي إدارة البلاد".
وفي محاولة لإعطاء زخم للبيانات التي ظهر خلالها موالوه القبليون والعسكريون في المناطق الخاضعة لسيطرته شرقي البلاد معلنين تفويضه تولي الحكم، قال حفتر: "نعتز بتفويض الليبيين القيادة العامة لهذه المهمة التاريخية في هذه الظروف الاستثنائية، لإيقاف العمل بالاتفاق السياسي ليصبح جزءاً من الماضي بقرار من الشعب الليبي مصدر السلطات".
وحول العملية العسكرية التي تشهد تراجعاً ميدانياً كبيراً، أكد أن قواته "ستعمل بأقصى طاقاتها لرفع المعاناة عن الشعب وأن تكون خدمة المواطن وحماية حقوقه وتحقيق أمانيه وتسخير المقدرات لمصلحته في مقدمة الأولويات"، وزعم أن هدف عملياته العسكرية هو "تهيئة الظروف لبناء مؤسسات الدولة المدنية".
حكومة الوفاق: حفتر يسعى لتغطية هزائمه العسكرية
رفضت حكومة الوفاق في طرابلس إعلان حفتر وذلك في بيان صدر بوقت متأخر مساء الإثنين، وقالت الحكومة إن ما فعله حفتر لا يعدو أن يكون "مسرحية هزلية" و"انقلاباً جديداً يضاف لسلسلة انقلاباته التي بدأت منذ سنوات".
ووصفت حكومة الوفاق حفتر بأنه "مجرم الحرب"، معلنة إدانتها الانقلاب على الاتفاق السياسي وكافة الأجسام السياسية في البلاد، مشيرة إلى أن خطوة حفتر لم تكن مفاجئة "توقعناها ليغطي بها على الهزيمة التي لحقت بمليشياته ومرتزقته الإرهابية، وفشل مشروعه الاستبدادي للاستحواذ على السلطة، وليستبق مطالب متوقعة بمحاسبته لمغامرته الفاشلة التي لم تحقق شيئاً سوى مقتل وإصابة ونزوح مئات الآلاف وتدمير الكثير من مقدرات الوطن".
وأضافت حكومة الوفاق أن حفتر "انقلب حتى على الأجسام السياسية الموازية التي تدعمه والتي في يوم ما عينته، وبذلك لم يعد في مقدور أحد أو أي دولة التبجح بشرعيته بأي حجة كانت".
وأكدت الحكومة أن إعلان حفتر "يؤكد للجميع على ضرورة دحر مشروعه الانقلابي، والقضاء نهائياً على الوهم الذي سيطر على عقله بالاستيلاء على السلطة، وإعادة بلادنا إلى حكم الفرد والعائلة، وإجهاض آمال الليبيين في بناء الدولة المدنية الديموقراطية".
ووجهت الحكومة نداء إلى أعضاء مجلس النواب للالتحاق بزملائهم في طرابلس، لبدء حوار شامل وليستمر المسار الديموقراطي وصولاً إلى حل شامل ودائم عبر صناديق الاقتراع.
واعتبر وزير الداخلية بحكومة الوفاق، فتحي باشاغا، أن إعلان حفتر عن انقلابه يؤكد على ضرورة الاستمرار في محاربة "أرباب الاستبداد والدكتاتورية". وقال الوزير، على "تويتر"، "اليوم هو يوم الحقيقة الناصعة أننا على حق في حربنا ضد أرباب الاستبداد والدكتاتورية نضالنا مستمر والنصر حليفنا بإذن الله نحو إقامة دولة مدنية ديمقراطية رغم أنف أسرى الهزيمة".
مضيفا "اليوم زالت وسقطت كل الأقنعة الزائفة التي يرددها ثلة من العسكر الذين لا يمتلكون إلا عقلية انقلابية متخلفة لا تؤمن بالديمقراطية ولا يمكن أن تساهم إطلاقاً في بناء دولة مدنية متحضرة".
من جانبه أكد رئيس حزب العدالة والبناء، محمد صوان، أن إعلان حفتر هو "إعلان واضح للهزيمة". مضيفا، في تصريح تلفزيوني أن الاعلان "هو أيضا محاولة انقلابية لعدم وجود منافس له في المنطقة الشرقية حتى من بقايا مجلس النواب"، وأشار إلى أن حفتر "يسعى للتخلص من البرلمان ويقول إن المنطقة تحت سيطرته"، محذرا من سعي حفتر لسيناريو التقسيم.
واعتبرت اللجنة التأسيسية للهيئة البرقاوية، المكونة من مهجري مدن الشرق الليبي، إعلان حفتر أنه "محاولات للقفز والوصول للسلطة بعدما باءت محاولاته العسكرية بالفشل".
وعبرت اللجنة عن رفضها للإعلان واستنكارها لزج حفتر بـ"أبناء إقليم برقة في الحرب والعدوان على أشقائهم في غرب البلاد"، مؤكدة بأن هذه الحرب "وسيلة للوصول إلى الحكم وإجهاض مسار بناء الدولة الديمقراطية التي تسعى إليها كافة مكونات الأمة الليبية".
أما مندوب ليبيا لدى الأمم المتحدة، الطاهر السني، فقد اعتبر أن حفتر أراد بإعلانه "التغطية على فشله بتقمص دور فخامة الرئيس فيما تبقى له من نفوذ متهالك". وأكد السني على ضرورة انتظار موقف المجتمع الدولي من إعلان حفتر.
وقال السني على "تويتر": "من المفيد متابعة موقف المجتمع الدولي من هذا الانقلاب"، مطالبا المجتمع الدولي بالاجابة عن سؤاله "هل هناك لبس في كونه المعرقل للعملية السياسية وقرارات مجلس الأمن؟ وهل لديه وقواته أي شرعية وغطاء سياسي بشكل مباشر أو غير مباشر من مجلس النواب كما كانت تتحجج به الدول الداعمة له؟".
وفي وقت لم تعلق فيه عملية "بركان الغضب" على إعلان حفتر، نشرت الصفحة الرسمية للعملية إيجازاً صحافياً للمتحدث، محمد قنونو، أكد فيه استهداف سلاح الجو التابع للجيش مواقع لمليشيات حفتر.
وقال قنونو إن سلاح الجو شن خمس غارات على تمركزات مليشيات حفتر في قاعدة الوطية، جنوب غرب طرابلس، استهدف خلالها آليات عسكرية ومسلحين داخل القاعدة، رداً على استمرار القصف المتواصل على الأحياء المدنية في طرابلس.
وجاء تصريح قنونو بعد ساعة من إعلان وزارة الصحة بحكومة الوفاق عن وفاة مواطنين وإصابة اثنين آخرين من عائلة واحدة، جراء قصف مليشيات حفتر لحي سكني بمنطقة الشريدات، جنوب شرق طرابلس.
وليست هذه المرة الأولى التي يظهر فيه حفتر في بيان انقلاب عبر شاشات التلفاز، فخلال شهر إبريل/نيسان من عام 2014، ظهر على شاشة قناة "العربية" الفضائية، معلناً عن إسقاط الإعلان الدستوري والمؤتمر الوطني العام (البرلمان) والحكومة المؤقتة، قبل أن يختفي خلال ساعات ويتحول إلى مطارد من قبل السلطات.
وجاء انقلاب حفتر الجديد بعد مطالبته، في كلمة متلفزة الخميس الماضي، الشعب الليبي بتفويض مؤسسة صالحة لقيادة المرحلة المقبلة وإدارة شؤون البلاد.
كما طالب حفتر بـ"إصدار إعلان دستوري جديد يمهد لبناء الدولة المدنية"، معتبراً أن ما وصفه بـ"تصرفات المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق كانت سبباً في انتهاء صلاحية الاتفاق السياسي".
واتهم حفتر المجلس الرئاسي بمسؤولية انحدار المشهد السياسي وتدمير اقتصاد البلاد، و"استثمار موارد النفط لتمويل المليشيات".
ورغم محاولة وسائل إعلام موالية له نشر بيانات خطية ومرئية لأنصاره ومواليه القبليين في مناطق سيطرته تطالب بتوليه إدارة البلاد، إلا أن مناطق أخرى يغلب على قاطنيها الولاء للنظام السابق أعلنت عن تفويضها نجل القذافي سيف الإسلام، وأخرى تجاهلت الدعوة.
وانبثق عن الاتفاق السياسي، الموقع في الصخيرات المغربية نهاية 2015، المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق، والمجلس الأعلى للدولة، ومجلس النواب بعد انتهاء مدته القانونية.
وكان رئيس مجلس النواب عقيلة صالح قد أعلن، الخميس الماضي، عن مبادرة سياسية ملخصها إعادة تشكيل المجلس الرئاسي بواقع ثلاثة أعضاء يمثلون أقاليم ليبيا الثلاثة، مع استمرار مجلس النواب كجهة تشريعية.
رفض أميركي
في مقابل ذلك، عبّرت سفارة الولايات المتحدة الأميركية في ليبيا عن رفضها إعلان حفتر توليه إدارة البلاد، واعتبرت، في بيان لها، أن إعلان حفتر يمس الهيكل السياسي في البلاد، الذي لا يمكن تغييره بشكل أحادي.
ودعت السفارة حفتر وجميع الأطراف إلى حوار جاد حول كيفية حلحلة الأزمة وإحراز تقدّم في البلاد.
وفي وقت أشارت فيه السفارة إلى ما تعانيه البلاد جراء تهديد وباء كورونا، حثت حفتر على الانضمام إلى حكومة الوفاق الوطني في إعلان وقف فوري للأعمال العدائية لدواع إنسانية.
البعثة الأممية تتجاهل إعلان حفتر
تجاهلت البعثة الأممية في ليبيا إعلان حفتر إسقاط الاتفاق السياسي، وأعربت عن ترحيبها بمبادرة أطلقها رئيس مجلس النواب بطبرق، عقيلة صالح، لحل الأزمة سياسياً.
واعتبرت رئيسة بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا بالوكالة، ستيفاني وليامز، مبادرة صالح أنها "إشارة إيجابية"، مؤكدة أنها تواصلت هاتفياً مع صالح لبحث آخر التطورات "والجهود المستمرة لإيقاف الحرب وإيجاد حل سياسي للأزمة الليبية".
ودون أي اشارة لإعلان حفتر قالت وليامز، على "تويتر"، إن حديثها مع صالح "تطرق للمبادرة التي قدمها أخيراً"، مبدية ترحيبها بأي مبادرة تهدف لإنهاء حالة الاقتتال والانقسام والعودة إلى الحوار السياسي في إطار مخرجات مؤتمر برلين.