وسبق لعبدي أن أطلق مبادرة لـ"توحيد الخطاب السياسي الكردي"، عقب العملية العسكرية التركية في شمال شرق سورية، في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، وشكّلت خطراً وجودياً على قوات "قسد" لولا التدخل الأميركي والروسي. ودعت المبادرة إلى اتخاذ خطوات عدة في هذا الاتجاه، أهمها إزالة العوائق القانونية أمام نشاط "المجلس الوطني الكردي" (جزء من الثورة السورية) في مناطق سيطرة قوات "قسد"، من أجل فتح مكاتبه التنظيمية والحزبية ومزاولة نشاطه السياسي والإعلامي والاجتماعي، من دون الحاجة إلى أي موافقة أمنية مسبقة، مع إسقاط القضايا المرفوعة أمام القضاء بحق شخصيات وقيادات المجلس المقيمة خارج مناطق "الإدارة الذاتية" من دون أي استثناء. مع العلم أن الإدارة الذاتية تمنع أحزاب "المجلس الوطني الكردي" من ممارسة أي نشاط سياسي في مناطق سيطرتها، بل وصل الأمر إلى حد اعتقال أعضاء في "المجلس" خلال السنوات الماضية حاولوا تحدي هذا القرار.
بدوره، أكد عضو "المجلس" عبد الله كدو في حديث لـ"العربي الجديد" وجود اتصالات بينهم وبين "قسد" بإشراف أميركي وسلطات إقليم كردستان العراق. وأضاف أن "المجلس" يشترط انفصال حزب الاتحاد الديمقراطي عن حزب العمال الكردستاني، مؤكداً رفض اعتبار تركيا دولة عدوة.
في السياق، ذكرت مصادر مطّلعة ومقرّبة من قسد لـ"العربي الجديد" أن عدداً من أعضاء المجتمع المدني الكردي في الشمال الشرقي من سورية، يسعون إلى ردم هوة الخلاف بين "المجلس الوطني الكردي" وحزب الاتحاد الديمقراطي، أكبر الأحزاب المنضوية في الإدارة الذاتية، الذي يمتلك ذراعاً عسكرية ضاربة، وهي "الوحدات الكردية"، الثقل الرئيسي في قوات "قسد". وهذه ليست المرة الأولى التي تحاول أطراف توحيد الصف الكردي السوري، ولكن جميع المحاولات السابقة فشلت بسبب التباين الكبير في الرؤى بين أحزاب الإدارة الذاتية وأحزاب "المجلس الوطني الكردي"، المنضوي في الائتلاف الوطني السوري، والممثل في الهيئة العليا للمفاوضات، بخلاف أحزاب الإدارة الذاتية. ويحتفظ المجلس بعلاقات جيدة مع الجانب التركي، فيما تعتبر أنقرة حزب الاتحاد الديمقراطي نسخة سورية من حزب العمال الكردستاني، المصنّف من قبلها في خانة "التنظيمات الإرهابية". و"المجلس الوطني الكردي" الذي يضم نحو 15 حزباً تشكّل في أكتوبر/ تشرين الأول 2011، في مدينة أربيل العراقية، برعاية رئيس إقليم كردستان العراق السابق مسعود البارزاني. ويدعو إلى الاعتراف الدستوري بالهوية القومية الكردية، ويطالب بإلغاء السياسات والقوانين المطبّقة على أكراد سورية وتحقيق اللامركزية السياسية في الحكم في سياق وحدة الأراضي السورية. وتتهم المعارضة السورية أحزاباً كردية في الإدارة الذاتية التي تشكلت في عام 2013، وفي مقدمتها حزب الاتحاد الديمقراطي، بتبني توجه انفصالي، وهو ما دفعها إلى إبعاد هذه الأحزاب عن مؤسسات قوى الثورة والمعارضة وفي مقدمتها الائتلاف الوطني، واعتبار "المجلس الوطني الكردي" ممثلاً لأكراد سورية.
من جانبها، ترفض "الإدارة الذاتية" هذه الاتهامات، وتعتبر مشروعها وطنياً سورياً "لا يمس بقيم سورية كوطن ولا وحدتها". وتملك أحزابها أوراق قوة أكثر من "المجلس"، بفعل سيطرتها من طريق قوات "قسد" على مجمل منطقة شرق الفرات، التي تعادل ثلث مساحة سورية، أي نحو 60 ألف كيلومتر مربع، وتضمّ أغلب ثروات البلاد المائية والزراعية والنفطية. غير أن "المجلس" يحتفظ بعلاقة تحالف مع قيادة إقليم كردستان العراق، التي حاولت أكثر من مرة تقريب وجهات النظر بين الطرفين، ولكنها فشلت بسبب رفض الإدارة الذاتية دخول مقاتلي "البشمركة" السورية، الذراع العسكري لـ"المجلس" إلى منطقة شرق نهر الفرات. وتضمّ البشمركة السورية آلافاً من المقاتلين الأكراد السوريين، الذين تلقوا تدريبات في شمال العراق خلال سنوات الحرب السورية، تحت إشراف الولايات المتحدة، وهم لا يتبعون "قسد"، وليسوا على وفاق معها. ومن الواضح أن أحزاب "الإدارة الذاتية" تبدي مرونة أكثر للتفاهم مع "المجلس الوطني الكردي" نتيجة ضغط أميركي، خصوصاً بعد انسداد الآفاق أمام أي تفاهم مع النظام السوري، ظلّت هذه الأحزاب تسعى إليه طويلاً.
وسبق أن فشلت جولات حوار عدة بين "قسد" والنظام السوري برعاية روسية، بسبب إصرار النظام على استرجاع شرق الفرات من دون شروط مسبقة، ما خلا حقوقاً ثقافية، فيما يرفض الأكراد عودة الوضع إلى ما كان عليه قبل الثورة السورية في عام 2011، مطالبين بأن تكون "قسد" جزءاً من قوات النظام، وأن تتمتع المنطقة بوضع خاص من خلال نظام لامركزي يعطيهم حصة كبيرة من عائدات نفط سورية. وإلى جانب "الإدارة الذاتية" و"المجلس الوطني"، تبرز قوة سياسية أخرى في المشهد الكردي السوري، هي "رابطة الأكراد المستقلين" التي تتخذ من تركيا مقراً لها، وتحتفظ بعلاقات جيدة مع الحكومة التركية.
ومن الواضح أن الرابطة لا تنظر بعين الرضى إلى مبادرة التقارب ما بين "الإدارة" و"المجلس"، مرجّحة أن يكون مصير هذه المبادرة الجديدة الفشل كما حدث لمبادرات قبلها. وفي هذا الصدد، قال نائب رئيس الرابطة رديف مصطفى، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن الحوارات السرية الجارية حالياً تأتي بعد ثلاث محاولات فاشلة رعاها البارزاني. وأضاف أن هذه الحوارات سرية وتجري وفقاً لمبادرة مبهمة أطلقها قائد "قسد"، وقد لا تختلف عن سابقاتها باستثناء الحديث عن رعاية وضغط أميركيين.
ورأى مصطفى أن "سياسة حزب العمال الكردستاني تاريخياً تجاه كل كردي خارج تنظيمه، إما بالقضاء عليه أو تذويبه في هذا الحزب"، مؤكداً أن الأكراد المستقلين "ما زالوا مع الثورة السورية وفقاً لأهدافها ومبادئها، وبالتالي لا مكان لهم في مبادرات كهذه، وليس لهم أي موقع فيها". واعتبر أن أحزاب "الإدارة الذاتية" ترفض حتى الحوار معنا، ونحن نرفض أن نكون جزءاً من مبادرات كهذه، إلا ضمن شروط أقلها قطع العلاقة مع نظام العصابة (النظام السوري)، وفك الارتباط مع جبال قنديل العراقية (مقرّ حزب العمال الكردستاني) وإلغاء التبعية السياسية، وإعلان الانحياز إلى الثورة، وأهدافها، فضلاً عن الاعتذار عن الجرائم والانتهاكات ومحاسبة المسؤولين عنها وإخراج العناصر غير السورية من سورية.