لحظة احتقان أميركية ومخاوف من تطورات خطيرة

25 ابريل 2020
تراجع ترامب عن دعوته لحقن المرضى بالمعقمات (فرانس برس)
+ الخط -

يقال إن المصيبة العامة تجمع، لكنها هذه الأيام تفرّق وتزيد من التأزم في واشنطن، حيث حوّلت أزمة كورونا الخلاف إلى تناحر وتمزق بما وسّع الهوّة بين الأطراف التي لا تلتقي على كيفية مواجهة كارثة بحجم فيروس كورونا، ناهيك عن التعامل مع تداعياته الاقتصادية المزلزلة.

ويعود ذلك في الأساس إلى عمق التنافر السياسي الذي زادت الأزمة من تعميقه، وجعلت البيت الأبيض يتصرف بطريقة تثير "التخوف من إقدامه على مفاجآت مجهولة"، بحسب تعبير الخبير السياسي الجمهوري سابقاً بيل كريستل. خشية كانت تتردد بالهمس في المدة الأخيرة، أما الآن فصارت علنية بعدما استفحلت الأزمة وضغوطها وتعقدت مواجهتها.

وهي تلخص إلى حدّ بعيد أجواء اللحظة الراهنة الموتورة في واشنطن، لا سيما وأن التداعيات تشعبت وتنذر إدارتها السيئة بالأسوأ وسط أجواء عكرة بدرجة تثير الكثير من القلق لدى جهات ودوائر أميركية كثيرة.

فالرئيس وفريقه الطبي على تناقض مكشوف وخطير، وهو على تنابذ كبير مع بعض حكام الولايات، وهؤلاء على علاقة متوترة مع كثير من التحدّي مع قيادات في الكونغرس، وهذه القيادات بعضها في شبه قطيعة مع البيت الأبيض، وفي حالة جفاء أكثر من العادة مع بعضها الآخر. كل ذلك وسط كارثة صحية وشبه انهيار اقتصادي أدى إلى تبخّر 26 مليون وظيفة في خمسة أسابيع، والمزيد قد يتبع.

يواكب ذلك تصعيد خطير مع إيران وتوتر مع الصين ومناكفة مع منظمة الصحة العالمية. كله في وقت يتراجع فيه رصيد الرئيس بسبب تعثر إدارته لأزمة كورونا التي تجاوزت وفياتها في أميركا وحدها الخمسين ألفاً. ويزيد من ثقل اللحظة بالنسبة للبيت الأبيض أن الدعوة التي أطلقها الرئيس لفك العزلة والعودة إلى دورة الحياة الطبيعية والتي بدأتها اليوم ولاية جورجيا، قد يرتد سلباً عليه لو تسبب بموجة جديدة للفيروس حسب التحذيرات الطبية التي تنهى عن مثل هذه الخطوة قبل الأوان. وهي عودة مستبعدة بكل حال في الوقت القريب، إذ إن 78% من الأميركيين يفضلون الاستمرار بملازمة المنزل ولغاية صدور التطمينات الطبية.

مع ذلك يصرّ الرئيس ترامب على تدوير الزوايا والترويج لحلوله التي تبشّر بفرج قريب. آخر وصفاته أمس كان "حقن المصاب بالمطهرات ومبيدات للجراثيم". تبسيط مخيف أثار الذعر وحمل أهل الاختصاص إلى المسارعة لنهي الجمهور عن اللجوء إلى مثل هذا العلاج وخطر استخدامه القاتل. ولتنفيس الضجة تراجع الرئيس عن "علاجه" بزعم أنه طرحه من باب "المزاح".

لكن أجواء الإدارة وواشنطن أبعد ما تكون عن المزاح وأقرب ما تكون إلى التشنج. ولا يقتصر ذلك على احتكاكات الرئيس ترامب اليومية بالصحافة وتعارضاته مع فريقه الطبي، بل شمل أيضاً علاقات قيادات في الكونغرس بحكام الولايات. فرئيس الأغلبية الجمهورية في مجلس الشيوخ السناتور ميتش ماكونيل، رفض تخصيص مبالغ في حزمة التحفيز والإعانة لمساعدة بعض الولايات الديمقراطية المتأذية من الأزمة، مقترحاً أن عليها "إعلان إفلاسها". وهو موقف غير مسبوق في أزمات من هذا النوع، ويؤشر إلى حدة التباعد والاشتباك السياسي بين الفريقين. وقد استثار كلامه ردوداً ناقمة جاء أشدها على لسان حاكم ولاية نيويورك الديمقراطي أندرو كومو الذي وبّخ السناتور على كلامه "المتهور وغير المسؤول".



الواقع أن هذا الخطاب ليس ابن ساعته. هو حصيلة تفسخ تفاقم في السنوات الأخيرة. وجاء تداخل الأزمة الراهنة مع الانتخابات ليعمل على تظهيره وبما يؤشر إلى المزيد من عياره كلما تفاقم كورونا وكلفته الاقتصادية وكلما اقتربت الانتخابات.