نتنياهو يحرق أوراق غانتس والانتخابات أقرب من تشكيل حكومة

18 ابريل 2020
نتنياهو غير معني بالتوصل لاتفاق لتشكيل حكومة(غالي تيبون/فرانس برس)
+ الخط -

حقق رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، هذا الأسبوع، نصراً إضافياً على خصمه الجنرال بني غانتس، بعد أن تمكن من المماطلة وانتزاع يومين إضافيين لغانتس من الرئيس الإسرائيلي رؤبين ريفلين، بما يوحي للرأي العام الإسرائيلي أنه جاد في مساعيه لتشكيل حكومة وحدة وطنية، ليقوم في الدقيقة التسعين، مرة أخرى، بالتراجع عن التوقيع على اتفاق لتشكيل حكومة طوارئ وطنية، كان طالب خصمه فيها، بحجة مواجهة جائحة كورونا.

وقد وقع غانتس، المستجد سياسياً، في فخ دعوات نتنياهو الحثيثة، عشية انتهاء المهلة الرسمية الأولى له الاثنين الماضي، وسافر من بيته في منطقة رأس العين ليلتقي نتنياهو وطاقم المفاوضات في مقر سكن نتنياهو، وليس في مقر رئاسة الحكومة الرسمية، ويمضي ساعات مضنية من المفاوضات من دون أن تتمخض عن التوصل إلى اتفاق. وتكرر الأمر مساء الأربعاء، لتتفجر المفاوضات مجدداً عند منتصف الليل، مع انتهاء المهلة الجديدة، وينقل الرئيس الإسرائيلي مهمة تشكيل الحكومة للكنيست من دون تمديد إضافي لغانتس، أو نقل التكليف لنتنياهو. ورغم محاولة نتنياهو عقد لقاء ثالث مع غانتس، كان يفترض أن يتم أول من أمس الخميس، إلا أن الأخير اكتفى بإيفاد طاقم المفاوضات، معلناً أنه لن يصل إلا للتوقيع على الاتفاق، ليتكرر نفس السيناريو: حديث عن تقدم في المفاوضات وقرب التوصل لاتفاق، ليتبدد الوهم ويتضح أن نتنياهو وطاقمه لا يكلان عن افتعال أزمات ومحاولات لفتح بنود سبق أن تم الاتفاق بشأنها من جديد.

وبحسب التطورات الجارية، والمفاوضات شبه المتكررة، فإنه يبدو أن نتنياهو غير معني حقاً بالتوصل لاتفاق لتشكيل حكومة، يتضمن عملياً تحديد تاريخ رسمي لنهاية مسيرته السياسية، خصوصاً بعد أن فقد خصمه أوراق اللعبة كلها تقريباً، وأضاع الأغلبية البرلمانية التي كانت سلاحه الرئيسي في وجه نتنياهو. وتبدو الأزمة في إسرائيل مستحكمة ومستعصية ما دام حلها لا يضمن لنتنياهو رئاسة الحكومة ومناعة من المحاكمة، وهي الخط الأخير الذي بقي غانتس مصراً عليه في وجه نتنياهو، بعد أن قدم سلسلة تنازلات هائلة، بحجة مواجهة جائحة كورونا. فقد نقض غانتس وعده للناخبين بعدم المشاركة في حكومة تحت رئاسة نتنياهو، وفضّل تفكيك تحالف "كاحول لفان" الذي فاز بمركباته الثلاثة (تيلم، وييش عتيد، وحوسن ليسرائيل) بـ33 مقعداً، مروراً بقبول مشروع فرض الضم على غور الأردن، مكتفياً بموافقة أميركية، وانتهاء بالقبول بشرط نتنياهو بالمساواة في لجنة تعيين القضاة. خسر غانتس أوراقه الرئيسية في مواجهة نتنياهو، ولم يبق من جملة أوراق بيده إلا ورقة رئاسته الكنيست، والتهديد بتشريع قانون يمنع في الانتخابات المقبلة من توجد ضده لوائح اتهام رسمية من تشكيل حكومة جديدة، وهو سلاح فقدَ، بفعل تفكك معسكر "كاحول لفان"، الكثير من قوته، وليس واضحاً ما إذا كان غانتس سيلجأ إليه فعلاً، أم أنه مجرد تهديد للضغط على نتنياهو للتوصل لاتفاق لتشكيل الحكومة حتى الاثنين المقبل.



في المقابل يبدو نتنياهو مصراً، وبشكل علني، بعد أن كانت مكافحة وباء كورونا، ذريعته للدعوة لحكومة وحدة وطنية، على عدم التوقيع على اتفاق ائتلاف حكومة جديدة لا يضمن له حصانة من قرار قضائي يمنعه من تشكيل حكومة، ويصر على التلويح بانتخابات رابعة إذا لم يتحقق له هذا الشرط. وهو شرط لا يستطيع غانتس أن يقبل به، ولا أن يقبل بأكثر من تعهد والتزام بالذهاب لانتخابات جديدة، في حال أقرت المحكمة عدم أهلية نتنياهو لتشكيل حكومة جديدة بفعل القرار الرسمي بمحاكمته بتهم الفساد وتلقي الرشوة والغش.

لكن وبالرغم من حالة انسداد الأفق، كما تجلت أول من أمس الخميس، بعد فشل لقاء طاقمي المفاوضات مرة أخرى، فإن السياسة الإسرائيلية تشهد حراكاً من قبل خصوم نتنياهو وشركاء غانتس في الماضي، يمكن له أن يخرج نتنياهو من أزمته ويرحل الأزمة برمتها لستة أشهر، يتم خلالها تمديد أمد حكومة تصريف الأعمال الحالية لمواجهة كورونا، وتجميد الملفات السياسية كلها إلى ما بعد ذلك، وفق مشروع اقتراح قانون يبادر إليه زعيم "ييش عتيد" يئير لبيد.

وبالرغم من القطيعة بين معسكر نتنياهو وبين يئير لبيد وما بقي من "كاحول لفان"، وهو تحالف "تيلم ــ ييش عتيد" بقيادة لبيد وموشيه يعالون، فإن مثل هذا الاقتراح قد يكون الحل الأمثل لنتنياهو، في حال قرر ألا يتجه إلى انتخابات جديدة. كما أنه يعيد معسكر لبيد للمشهد السياسي، ويؤشر لغانتس بخيارات وفرص جديدة أمام نتنياهو. ويبدو أن نتنياهو يراهن حالياً على حقيقة ضعف غانتس وفقدانه لأوراق اللعبة بعد انشقاقه عن شركائه، وبعد أن انتهت المهلة الرسمية الممنوحة له لتشكيل حكومة. كما يراهن على ما تمنحه إياه استطلاعات الرأي الأخيرة، والتي أكدت أنه في أي انتخابات جديدة ستتراجع قوة المعسكر المناهض لنتنياهو من 61 مقعداً حالياً إلى 56 مقعداً، مقابل ازدياد قوة معسكر نتنياهو وارتفاع عدد مقاعد حزب الليكود إلى 40 مقعداً، وحصول معسكر اليمين المؤيد له على 64 مقعداً.

حالياً انتقل التكليف رسمياً للكنيست، الذي بقي أمامه 19 يوماً لتقديم مرشح لتشكيل الحكومة، وإلا فإنه سيحل رسمياً في السابع من مايو/أيار المقبل لتذهب إسرائيل مباشرة لانتخابات رابعة في الأسبوع الأول من سبتمبر/أيلول المقبل. وتشير موازين القوى لعدم قدرة أي من نتنياهو أو غانتس على تجنيد 61 نائبا، لصالحه. مع ذلك قد يكرر نتنياهو محاولاته مع عضوي الكنيست يوعز هندل وتسفي هاوزر، اللذين انشقا عن "كاحول لفان" أيضاً، مقابل تعهد لهما بفرض القانون الإسرائيلي على المستوطنات وضم غور الأردن، بما يمكن أن يمنحهما مبرراً قومياً لدعم حكومته. وقد يجيد نتنياهو استغلال هذه الورقة لإبطال مفعول تهديدات غانتس بسن قوانين ضده، وإرغامه على الانضمام لحكومة طوارئ بصيغ مختلفة، إذا كان الأخير لا يريد انتخابات جديدة قد يخرج منها بأحسن الأحوال بكتلة برلمانية متوسطة تملك 15-17 مقعداً ولا تشكل تهديداً لنتنياهو، والأهم من ذلك لا تستطيع إيصاله لرئاسة الوزراء.