أكدت الجهات الصحية في تونس أن الأيام القليلة المقبلة مرشحة لكي تشهد ذروة انتشار وباء كورونا، وأنه بناء على النتائج التي سيتم تسجيلها يمكن معرفة السيناريو القادم، هل الوباء مرشح للانتشار والتوسع، أم سيعم التفاؤل إذا ما استقر عدد الوفيات والمصابين، وهو ما سيوضح إن كانت الخطة التي تم اعتمادها قد أعطت أكلها، وأن السيطرة على الوباء أصبحت في متناول اليد. وسيتعزز ذلك بعد إجراء ما لا يقل عن مليون ونصف مليون تحليل سريع خلال الأسبوع الجاري، حسبما صرح به وزير الصحة التونسي، عبد اللطيف المكي.
رغم الجهود التي تبذلها أطراف كثيرة من أطباء ومساعديهم إلى جانب المجتمع المدني المتطوع، يستمر الجدل في تونس حول مدى سلامة الخطة المعتمدة رسمياً، ومدى قدرة الحكومة الحالية على إخراج البلاد من المأزق الذي لم يكن متوقعاً. ولم يتجاوز عدد المتوفين بسبب الفيروس الثلاثين شخصاً بعد أن كان البعض يتحدث عن الآلاف بحجة تأخير غلق الحدود خاصة مع إيطاليا وفرنسا، رغم استمرار عدم ملازمة قسم كبير من التونسيين بيوتهم خاصة الفقراء منهم الذين وجدوا صعوبة في التوفيق بين توفير حاجياتهم الضرورية وبين الخضوع للحجر الصحي.
وفي أقل من عشرين يوماً سُجل خمسة آلاف بلاغ حول شبهات فساد تعلقت بمخالفات اقتصادية وإنحراف بالسلطة واستغلال النفوذ وغيرها. وكشفت الأزمة عن وجود شريحة من الذين اعتقدوا بأن الأجواء مناسبة لاستغلال حاجة المواطنين والإثراء غير المشروع. كما أن وزارة الشؤون الاجتماعية أشارت إلى حصول خطأ أدى لتمكين 4 آلاف موظف من منحة بسيطة كانت موجهة لذوي الدخل المحدود، وهو ما جعل الوزارة تعلن بأنها ستتخذ إجراءات قانونية ضد الأشخاص الذين تعمدوا الحصول على المساعدات الاجتماعية بدون وجه حق.
تقتضي الأزمة وقوف الجميع وراء الحكومة ما دام أداؤها مقبولاً بشكل عام رغم النقائص والأخطاء، فهي "أزمة وجود " وفق تعبير وزير أملاك الدولة، غازي الشواشي، الذي وصف الإجراءات التي ستقدم عليها الحكومة بأنها ستكون "موجعة"، وهو ما جعل رجال الأعمال في حالة ترقب وانشغال، كما جعل النقابات متحفزة ومستعدة للمقاومة رغم أن الرياح لم تعد في صالحها.
وقد تشهد الأيام المقبلة جدلاً صاخباً بعد أن حصل رئيس الحكومة، إلياس الفخفاخ، على تفويض من البرلمان يسمح له بإصدار مراسيم نافذة لمواجهة أوضاع استثنائية، فهناك أطراف عديدة متخوفة من احتمال أن يستغل الفخفاخ هذه الفرصة لكي ينفذ ما عجزت عنه الحكومات السابقة، خاصة وأن صندوق النقد الدولي أشار في بيان له إلى أن الحكومة التزمت بتنفيذ إصلاحات سبق أن تعهدت بها الدولة التونسية. لكن المديرة العامة للصندوق، كريستالينا جورجييفا، صرحت بالقول "نحن ندعم تونس لحماية حياة الناس ومعيشتهم"، وذلك بعد المصادقة على منح تونس قرضا بـ745 مليون دولار. فالصندوق يتوقع حصول انكماش الاقتصاد التونسي بنسبة 4.3 بالمائة مع نهاية هذه السنة، وهو "أعمق ركود تشهده تونس منذ الاستقلال".
وفي هذه الأجواء تعرض وزير الصحة لحملة على "فيسبوك" بمجرد أن دمعت عيناه خلال مؤتمر صحافي كان قد نظمه مؤخراً، صحيح أن هناك سياسيين يتعمدون استجداء تعاطف مواطنيهم في مراحل معينة مثلما كان يفعل الرئيس التونسي الراحل، الحبيب بورقيبة في خطبه العديدة، لكن السياق اليوم اختلف تماماً. هناك أزمة حقيقية في البلاد، ولم يكن هذا الوزير بالذات محتاجاً لكسب تعاطف إضافي من التونسيين. فالأغلبية الواسعة من الأطباء والعاملين بالقطاع الصحي والمواطنين عبروا عن تقديرهم للجهود التي بذلها حتى الآن في هذه الأزمة، فهو لم يربك القطاع، ولم يغير الفريق الطبي الذي تركته الوزيرة السابقة، حيث استشار جميع وزراء الصحة الذين تداولوا على الوزارة منذ الثورة، كما استعان بأساتذته السابقين دون تمييز أو استعلاء. ولم يترك لعائلته إلا القليل النادر من الوقت، واضطر إلى تأجيل زواج ابنه.
لكن "عيبه" الأساسي بالنسبة إلى البعض أنه ينتمي إلى حركة "النهضة"، وبالتالي يجب ألا ينجح في مهمته.
إلى ذلك، يكمن الخطر الحقيقي في الوضع الاقتصادي والاجتماعي، بعدما أكدت دراسة شملت 200 مؤسسة تونسية تابعة للقطاع الخاص، أن جميعها أصبحت مهددة بفقدان 220 ألف موطن شغل، وذلك بعد أن أكد 39 بالمائة منها أنها تقترب من التخلي عن جزء من عمالها وموظفيها، في حين أن 34 أخرى هي بصدد تقييم الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية قبل أن تتخذ أي قرار. وهو ما يؤشر على حصول انهيار اقتصادي كبير في حال عدم حصول معجزة ما.
كما يدور جدل حول علاقة البنك المركزي ببقية البنوك التي يطالبها الكثيرون بأن تساهم بشكل فعال في مواجهة هذه الأزمة بحجة أنها رابحة، في حين يؤكد المشرفون عليها على كونها تمر بضائقة مالية وأنها مهددة بالانهيار. لهذا هم يطالبون البنك المركزي بالتخفيض من نسبة الفائدة، ويتهمونه حسبما ورد على لسان الكاتب العام للمجلس التونسي الأفريقي، أنيس الجزيري، بتدمير الاستثمار في تونس.