بيّنت النتائج النهائية للانتخابات الإسرائيلية، التي أعلنت مساء الخميس، بشكل قاطع، أن إعلان رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو "الانتصار الكبير"، بعدما كشفت نتائج استطلاعات عينات التصويت للقنوات الإسرائيلية عن حالة تعادل مطلقة بين معسكر نتنياهو بحصوله على 60 مقعداً مقابل 60 مقعداً للمعسكر المناهض، كان مبكراً لأوانه، لجهة قدرة نتنياهو على تشكيل حكومة ائتلاف، أولاً، ثم تراجع قوة المعسكر المؤيد له بفعل صدور النتائج الحقيقية والنهائية، إلى 58 مقعداً، مقابل 62 مقعداً للمعسكر المناهض له. وقد بدأ نتنياهو منذ تكريس هذه النتائج، بشكل جزئي خلال يومي الثلاثاء والأربعاء، قبل إعلانها رسميا أمس، تمهيد الأرضية لحالة شعبوية وتعبئة الرأي العام، خصوصاً لدى مؤيديه، لرفض خيار آخر غير خيار تشكيل حكومة بقيادته، معتبراً وبشكل عنصري صريح ومعلن، أنه لا يمكن في إسرائيل تشكيل حكومة بالاعتماد على أصوات القائمة المشتركة للأحزاب العربية، متهماً القائمة في اجتماع مع قادة ونواب معسكره في الكنيست، يوم الأربعاء، بأن أعضاءها يعادون الدولة ويحتقرون جنود جيش الاحتلال، وأن أي سيناريو لتشكيل حكومة بقيادة زعيم "كاحول لفان" بيني غانتس، بالاعتماد على نواب القائمة المشتركة، هو حرف ونكث لوعود غانتس الانتخابية ولا يقل في خطورته عن "سرقة الانتخابات".
وهدد نتنياهو بأنه "ورفاقي وملايين الناخبين الذين صوتوا لنا، لن نسمح بأن يحدث هذا"، في إشارة وتهديد خفي بعدم شرعية أية حكومة بديلة لحكومة بقيادته. والتقط قادة "الليكود" والمعسكر المؤيد له، في أحزاب الحريديم (شاس ويهدوت هتوراة ويمينا) العبارة ورددوها بشكل متواتر، بما يكرس الأزمة السياسية في إسرائيل ويهدد بحسب تعليق في صحيفة "هآرتس"، أمس الجمعة، عملياً، بحرب أهلية.
ولم يقف نتنياهو عند هذا الحد، فهو الذي حرّض في الانتخابات المعادة في سبتمبر/أيلول الماضي، قائلاً إن العرب يسرقون الانتخابات، من خلال اتهامه إياهم بالتزوير في مراكز الاقتراع وسعيه لتثبيت نصب كاميرات مراقبة؛ فقد أوعز نتنياهو أمس لحزبه بإعلان قرار تقديم التماس لمحكمة العدل العليا لإرغام لجنة الانتخابات المركزية على فتح تقارير مراكز الاقتراع وتمكين "الليكود" من الاطلاع على سجلات تسجيل الأصوات، بحجة الادّعاء بوجود عمليات تسجيل غير دقيقة وعمليات تزييف، وبالتالي طالب "الليكود" بعدم نشر النتائج النهائية التي أعلنت الخميس، كنتائج رسمية في الجريدة الرسمية.
ويبدو هذا الإعلان محاولة واضحة من "الليكود" لكسب الوقت والمماطلة لتأخير بدء إطلاق المشاورات الرسمية في ديوان رئيس الدولة، كي لا تتمخض هذه المشاورات عن تكليف زعيم "كاحول لفان"، بتشكيل الحكومة المقبلة، وليس نتنياهو، علماً بأن القائمة المشتركة للأحزاب العربية لم تحدد حتى الآن موقفاً نهائياً لجهة ترشيح غانتس والتوصية لتشكيله الحكومة الجديدة، خلافاً لما حدث في انتخابات سبتمبر عندما أوصى 10 من أصل 13 نائباً في القائمة المشتركة، يومها بتكليف غانتس بتشكيل الحكومة.
ووفقاً للجدول الزمني القانوني، فإنه من المفروض أن يبدأ رئيس الدولة الإسرائيلي، رؤوفين ريفلين، هذا الأسبوع بعد تسلمه النتائج الرسمية، بمشاورات مع الكتل البرلمانية لتحديد هوية المرشح الذي سيكلفه بتشكيل الحكومة المقبلة. ووفقاً للموازين الحالية، فإن نتنياهو يملك ترشيح 58 نائباً مقابل عدم توفر عدد أكبر، لغاية الآن، يرشح غانتس، من دون أن يكون بمقدور نتنياهو، حتى لو حصل على التكليف، أن يشكل حكومة.
في المقابل، وبحسب محلل الشؤون الحزبية في الإذاعة الإسرائيلية، حنان كريستال، فإن اتصالات تجري بين "كاحول لفان" والقائمة المشتركة للأحزاب العربية، وأخرى مع أفيغدور ليبرمان، لجهة ضمان تكليف غانتس بتشكيل الحكومة، والسعي لتشكيل حكومة ضيّقة من 40 نائباً مدعومة من الخارج من ليبرمان وجزء من القائمة المشتركة.
وكان الجنرال موشيه يعالون، أحد أقطاب حزب "كاحول لفان"، قد أعلن الخميس، أنه لن يعارض أن تدعم القائمة المشتركة باستثناء نواب التجمع حكومة كهذه؛ لكن النائب عايدة توما من القائمة المشتركة ردت على هذا الإعلان، بمنشور على صفحتها على "فيسبوك" قالت فيه: "ليفهم يعالون وغيره من الجنرالات في حزبه، الجمهور منح وحدتنا الثقة، الجمهور قدّر تعاوننا وتكاتفنا، والجمهور لن يقبل بالتفرقة والتجزئة. كل محاولة تهدف لدق الأسافين وتقسيمنا لعرب جيدين وعرب سيئين هي محاولة بائسة لن نقبل بها. نحن اليوم نؤمن بأنفسنا، بقوتنا وقدرتنا على التأثير أكثر من أي وقت مضى".
وتشير التطورات الحالية إلى أن الأزمة السياسية في إسرائيل مرشحة لأن تبقى على ما هي عليه، وأن تضطر دولة الاحتلال إلى الذهاب لانتخابات رابعة إذا لم يتجه الحزبان الكبيران "الليكود" و"كاحول لفان" نحو تسوية لتشكيل حكومة وحدة وطنية، وإذا لم يتم التوصل إلى تفاهمات بين "كاحول لفان" والقائمة المشتركة تضمن عدم تصويت نوابها أو جزء منهم ضد حكومة يعرضها غانتس في حال حظي بتكليف لتشكيل الحكومة.