يشهد محيط العاصمة الليبية طرابلس توتراً أمنياً كبيراً وسط تصريحات متبادلة من طرفي الصراع عن استعدادات لاستئناف وشيك للمعارك، في ما يبدو مؤشراً لانهيار جهود الحل السلمية التي تقودها الأمم المتحدة بعد استقالة المبعوث الأممي إلى ليبيا غسان سلامة.
وأكد المتحدث الرسمي باسم مكتب الإعلام الحربي لعملية "بركان الغضب" التابعة لحكومة "الوفاق"، عبد المالك المدني، "استمرار قصف قوات اللواء خليفة حفتر لمطار معيتيقة حتى صباح اليوم الخميس"، موضحاً في حديث لـ"العربي الجديد" أن "القذائف العشوائية التي أطلقتها مليشيات ومرتزقة حفتر على المطار أدت إلى إصابة برج مراقبة الطيران المدني بالمطار".
وبينما أكد المدني أن إدارة المطار توقفت عن العمل حتى إشعار آخر، أعلنت الغرفة الأمنية للمنطقة العسكرية الوسطى التابعة لقوات الحكومة عن "حظر التجول في الطريق الساحلي" الرابط بين مدينتي الخمس (110 كم شرق طرابلس) ومنطقة القربولي (30 كم شرق طرابلس) ليلاً ابتداءً من اليوم الخميس.
من جانبها، أكدت مصادر حكومية وعسكرية مقربة من الحكومة في طرابلس لـ"العربي الجديد" أن محيط طرابلس يعيش لحظات توتر كبيرة وسط استعدادات لصد أي هجوم وشيك من قبل قوات حفتر.
في المقابل، أعلنت قيادة قوات حفتر اليوم، عن صدها لهجوم شنته قوات الحكومة في منطقة عمارات العزيزية جنوب العاصمة، مشيرة إلى أن قواتها "عززت" مواقعها في محور عين زاره و"تتقدم" في مواقع أخرى لم تسمها، وبررت التقدم بـ"خرق" قوات الحكومة لهدنة وقف إطلاق النار في عدة مناسبات.
وكان الناطق الرسمي باسم قوات حفتر، أحمد المسماري، قد أعلن في مؤتمر صحافي ليل البارحة الأربعاء، عن أن "الساعات القادمة ستكون ساخنة جداً في جميع قطاعات العمليات العسكرية في المنطقة الغربية"، في إشارة لاستئناف القتال في أكثر من محور بالمنطقة الغربية، مبرراً الخطوة بالقول إن "هناك تحشيدات كبيرة لقوات الوفاق في منطقة الهيرة والعزيزية".
وجاءت تصريحات المسماري بعد يومين من إعلان وزير الداخلية بحكومة الوفاق، فتحي باشاغا، الثلاثاء، أنه "سنتحول من الدفاع إلى الهجوم خلال فترة قصيرة من أجل طرد قوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر وإخراجه من طرابلس".
"نذر حرب وشيكة"
ويقرأ الخبير الأمني الليبي، محيي الدين زكري، تصريحات المسماري وباشاغا بأنها "نذر حرب وشيكة"، وقال لـ"العربي الجديد" إن "تصريحات الطرفين تؤكد وجود استعدادات لم يعلن عن تفاصيلها"، لكنه يرى في قول المسماري بأنها ستكون ساخنة في قطاعات كل المنطقة الغربية يعني أنها لن تقتصر على طرابلس فقط.
والأسبوع قبل الماضي قالت عملية "بركان الغضب"، على صفحتها الرسمية، إن الإمارات أوصلت لقواعد ومعسكرات حفتر قرابة 6300 طن من العتاد العسكري عبر 100 رحلة جوية نفذتها طائرات اليوشن، وبحسب زكري فإن تصريحات المسماري تعني تكامل وصول الدعم لقوات حفتر.
لكن الخبير الأمني يرفض في حديثه لـ"العربي الجديد" استخدام تعبير استئناف القتال، متسائلاً "متى توقف حفتر عن القتال فطيلة المدة الماضية كان ماضياً فيه".
ورغم تأكيد باشاغا على استعداد القوات التابعة للحكومة لهجوم على مواقع حفتر في طرابلس، إلا أنه لا يعرف حجم استعدادها لمرحلة الهجوم، فيما يعرف أن الحكومة تتلقى دعماً عسكرياً من الحكومة التركية وفق اتفاق أمني موقع معها منذ نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، فيما رفض المدني تقديم المزيد من التفاصيل عن الاستعدادات القائمة لعملية الهجوم التي أعلن عنها باشاغا.
وقال المتحدث باسم الرئاسة التركية، إبراهيم قالن، إن الأزمة في ليبيا "ستتفاقم وتتسبب في المزيد من الخسائر"، مشيراً إلى أهمية تقديم الحكومة التركية لمزيد من الدعم والخدمات الاستشارية لحكومة الوفاق في إطار الاتفاق المبرم.
وأوضح قالن في مؤتمر صحافي، الأربعاء، أنه "بفضل جهود تركيا جرى تحقيق التوازن في المعادلة اللبيبة والجميع يرى هذه الحقيقة".
وكانت البعثة الأممية تطمح للتوصل إلى حل للأزمة الليبية عبر ثلاثة مسارات، اتفق عليها في قمة برلين في 19 يناير/ كانون الثاني الماضي، عسكري وسياسي واقتصادي، لكن الغموض والمجهول لا يزالان يلفان مصيرها بعد إعلان رئيس البعثة الأممية، غسان سلامة، لاستقالته من منصبه، والتي عدها كثير من المراقبين مؤشر فشل لجهود الحل السلمية للازمة الليبية.