وحتى الساعات الأولى لصباح اليوم السبت أصابت القذائف العشوائية التي لم تتوقف منذ مساء أمس الجمعة أحياء مدنية، وأسفرت عن إصابة ثلاثة مدنيين، أحدهم سيدة تعاني وضعا صحيا صعبا، بحسب بيان صحافي لوزارة الصحة، بينما نشرت عملية "بركان الغضب" التابعة لحكومة الوفاق، على صفحتها الرسمية، صورا أظهرت دمارا كبيرا لحق بمنازل المدنيين في أحياء السواني وعين زاره، جنوب العاصمة، وحي المدينة القديمة شمالها.
ورغم الهدوء الذي شهده جنوب العاصمة بعد فجر اليوم، إلا أن المتحدث الرسمي باسم مكتب الإعلام الحربي لعملية "بركان الغضب"، عبد المالك المدني، يشكك في استمرار هذا الهدوء، معتبرا في تصريح لـ"العربي الجديد" أن "مليشيات حفتر تحاول استغلال انشغال الحكومة وأجهزتها في مواجهة كورونا لتحقيق أي اختراق".
ورجح المدني إمكانية عودة محاولات التقدم على الأرض، وقال "كثافة القذائف بالأمس كانت بعد فشل محاولة جديدة للتقدم لكنه كان فشلا قاسيا فقد فقدت مليشيات حفتر أكثر من 30 مرتزقا في عملية واحدة".
Facebook Post |
ورغم إنكاره قصف الأحياء المدنية إلا أن المتحدث الرسمي باسم قيادة قوات حفتر، أحمد المسماري، لم ينكر مواصلتهم محاولات التقدم، خصوصا في منطقة عين زاره، التي شهدت هي الأخرى قصفا مدفعيا عنيفا أودى بحياة مدنيين وإصابة آخرين الخميس الماضي.
وفي وقت تراجع فيه الحديث الدولي عن التباحث في الحلول لأزمة البلاد جراء انشغال العالم بمواجهة فيروس كورونا، يؤكد الباحث السياسي الليبي، مصطفى البرق، أنه الفرصة المناسبة لحفتر لتحقيق بعض الأهداف العسكرية.
وعن تصريحات المسماري الصحفية بشأن إمكانية وقف الأعمال القتالية في جنوب طرابلس، قلل البرق في حديثه لـ"العربي الجديد" من شأن ذلك، قائلا إن "حفتر لم يترك فرصة تمكنه من تعويض خسائره الماضية لمدة قرابة العام دون أن ينتهزها".
Facebook Post |
وكان المسماري قد أكد أمس الجمعة، أن حفتر "يدرس دعوات دولية وشعبية لوقف فوري للقتال في العاصمة طرابلس، وإفساح المجال لمواجهة فيروس كورونا المستجد"، مشيرا إلى أن حفتر سيصدر قراره "خلال الساعات المقبلة"، لكن البرق لا يرى أن لحفتر نية صادقة في وقف القتال.
ودعت الأمم المتحدة وسفارات الجزائر وفرنسا وألمانيا وإيطاليا وهولندا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة وتونس والاتحاد الأوروبي، الثلاثاء الماضي، جميع أطراف الصراع الليبي إلى إعلان "وقف فوري وإنساني" للقتال، بسبب فيروس كورونا.
وتوافق بيان الأمم المتحدة والسفارات على "دعوة الأطراف الليبية لوقف النقل المستمر لجميع المعدات العسكرية والأفراد العسكريين إلى ليبيا من أجل السماح للسلطات المحلية بالاستجابة لتحدي الصحة العامة غير المسبوق الذي يشكله فيروس كورونا الجديد".
وكانت حكومة الوفاق قد رحبت، الخميس الماضي، بالدعوات الدولية والأممية لتفعيل فوري لهدنة إنسانية تمكن الأطراف والسلطات الليبية من الاستجابة الفورية لخطر انتشار الفيروس.
إلا أن حفتر لم يصدر عنه أي موقف رسمي تجاه تلك الدعوات التي بات الوضع الإنساني العالمي يفرضها، رغم محاولة إظهاره التعاطي مع مستجدات الوضع الإنساني في البلاد الذي من المحتمل عدم قدرته على مواجهة الوباء في حال تسربه للبلاد.
وطيلة الأسبوع الماضي، أعلن حفتر عن عدة إجراءات من بينها إغلاق الحدود الجنوبية، وتشديد الرقابة على المنفذ الحدودي الرابط بمصر، بالإضافة لتشكيل لجنة عسكرية عليا لمواجهة الوباء العالمي، وأخيرا فرض حظر التجوال ليلا في المناطق الخاضعة لسيطرته، لكنه في الوقت ذاته يحاول عبر قواته إحراز المزيد من المكاسب العسكرية، بذات الدوافع السابقة ومنها "الغزو التركي"، رغم انشغال تركيا كغيرها من الدول الأخرى بتطويق الوباء المستشري في العالم.
ولم تتوقف الخروقات في الميدان فقط، بل يواصل حفتر استقدام عشرات المقاتلين السوريين، كما أكدت ذلك وزارة الداخلية بحكومة الوفاق، الأربعاء الماضي، وهي من المؤشرات التي يستند إليها البرق في تأكيده على نية حفتر استغلال أي فرصة لتحقيق تقدمات عسكرية أكثر في طرابلس.
ورغم إعلان قيادة قوات حفتر أن انتشار وحدات عسكرية في كافة أنحاء المدن والمناطق الخاضعة لسيطرته، بما في ذلك مدينة بنغازي بشرق البلاد، لإنفاذ قرار حفتر بفرض حظر التجوال كـ "إجراء احترازي لمكافحة انتشار وباء كورونا" بحسب بيان للقيادة، إلا أن البرق يتساءل "وماذا عن مدينة ترهونة التي تخضع أيضا لسلطة حفتر"، مؤكدا أن القرار لم يشملها لأنها تعد خزانا بشريا لعملياته العسكرية في طرابلس.
هذا التأكيد يعززه ما نقلته شعبة الإعلام الحربي التابعة لحفتر، اليوم السبت، التي قالت إن وحدات من قواته دمرت مخزنا للذخيرة في منطقة وادي الربيع وإن قوات الحكومة "تعيش حالة انهيار كبير في صفوفها"، ما يراه البرق أيضا حديثا جديدا لرفع معنويات المقاتلين بهدف المزيد من الضغط العسكري في محاور القتال، ودليلا على نية الاستمرار في العمليات العسكرية.