حوار جنيف الليبي: المسار السياسي يرتهن بموقف حفتر العسكري

27 فبراير 2020
عادت أصوات القصف لتعلو مجدداً في طرابلس(محمود تركية/فرانس برس)
+ الخط -
عادت أصوات القصف وقذائف الصواريخ لتعلو مجدداً في العاصمة طرابلس، في وقت لا يزال فيه أطراف النزاع على مواقفهم الرافضة للمشاركة في محادثات المسار السياسي المنعقدة في  جنيف السويسرية.

وأعلنت إدارة الملاحة الجوية بطرابلس، اليوم الخميس، إغلاق المجال الجوي لمطار معيتيقة بعد تعرضه صباحاً لقصف صاروخي، فيما لا تزال تُسمع أصوات القذائف والصواريخ بشكل واضح في محاور القتال جنوب طرابلس.

وقالت عملية "بركان الغضب"، عبر صفحتها الرسمية، إن "مليشيات مجرم الحرب المتمرد خليفة حفتر قصفت مطار معيتيقة الدولي"، مضيفة أن منطقة شرفة الملاحة المحاذية للمطار تعرضت هي الأخرى لقصف صاروخي بواسطة صواريخ الغراد.


وبينما احتجت العملية على "الخرق المتكرر لقرار وقف إطلاق النار"، أشار علي بوزيد، القائد الميداني بقوات الحكومة، إلى أن الأصوات التي تُسمع حالياً هي أصوات مدفعية. وقال بوزيد لـ"العربي الجديد"، إن "قواتنا تردّ على مصادر النيران، حيث لم تتوقف مليشيات حفتر عن الخروقات، ونحاول قدر الإمكان التخفيف من أضرارها على الأحياء المدنية".

وفي وقت اعترف فيه المتحدث الرسمي باسم قيادة قوات حفتر، أحمد المسماري، بفتح القوات النيران باتجاه الأحياء المدنية، إلا أنه برر ذلك، في مؤتمر صحافي ليل أمس الأربعاء، بأنه أتى "ردّا على مصادر النيران"، وأن قوات الحكومة "تنصب الأسلحة الثقيلة داخل الأحياء السكنية".

ويرد بوزيد بالقول: "شتان بين من يدافع ومن يهاجم، ومن دون شك، فإنّ تصريحات المسماري اعتراف بخرق الهدنة، ولكنه في المقابل يبرّر الأمر".

وعلى الصعيد السياسي، لا تزال البعثة الأممية تصرّ على مواصلة جلسات محادثات المسار السياسي التي افتتحتها في جنيف، ظهر أمس الاربعاء، "بمن حضر"، فيما أعلنت عزة المقهور، إحدى الشخصيات المستقلة المشاركة في جلسة الأمس، انسحابها لـ"عدم وجود توازن بين الحضور".

واعتبرت المقهور، في خطاب وجهته لرئيس البعثة غسان سلامة ونشرته عبر صفحتها الرسمية، "انسحاب البعض الآخر من المشاركين"، من الأسباب التي دعتها للانسحاب، مطالبة بمشاركة ليبية كافية وفعلية وحقيقية في هذا المسار.



من جانبه، نشر المكتب الإعلامي لرئيس المجلس الأعلى للدولة، خالد المشري، نص خطاب وجهه المشري للأمين العام للأمم المتحدة، شرح فيه أسباب تعليق المجلس مشاركته في محادثات المسار السياسي.

وأوضح، في نص خطابه، أنه طالب غسان سلامة منذ البداية بضرورة "بدء تنفيذ ترتيبات المسار العسكري المتفق عليها في مؤتمر برلين المنعقد في 19 يناير/كانون الثاني الماضي، والالتزام بوقف إطلاق النار، وتأمين عودة النازحين"، علاوة على أن يكون اتفاق الصخيرات هو الإطار الوحيد للمسار السياسي بجنيف. لكنه أكد أن البعثة الأممية لم تلبِ مطالبه، ولم يلتزم سلامة بتعهداته في ما يتعلق بعدد المشاركين من خارج المجلسين ومعايير اختيارهم، إضافة إلى عدم التزام قوات حفتر بوقف إطلاق النار، واستمرارها في قصف المدنيين والمرافق الحيوية في العاصمة طرابلس، مشيراً إلى أن "المجلس الأعلى قرّر عدم مشاركته في المحادثات".

ويأتي الخطاب التوضيحي بعد بيانات سابقة للمجلس، أكد فيها عدم مشاركته، تزامناً مع إصرار مجلس النواب المجتمع في طبرق على موقفه الرافض للمشاركة في جلسات جنيف.

وفي آخر مواقف مجلس النواب، أكد المتحدث باسمه، عبد الله بليحق، في تصريح لتلفزيون محلي ليل أمس الأربعاء، أن النواب المشاركين في جلسة الأمس في جنيف "لا يمثلون المجلس"، مشيراً إلى أن المجلس لا يزال معلقاً لمشاركته إلى "حين ردّ البعثة الأممية بشكل رسمي على تساؤلات مجلس النواب وأجندة الحوار".

وقال إن "مجلس النواب غير مشارك بالجلسات التي انطلقت في جنيف"، وإن من شارك فيها من النواب "لا يمثلون إلا أنفسهم".

وعلى الرغم من كلّ هذه المواقف، لا يبدو أنّ المشهد يحمل مستجدات كبيرة، إذ بدا واضحاً أنّ المسار السياسي يرتهن بنتائج المسار العسكري، بحسب المحلل السياسي مروان ذويب، الذي رأى في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "موقف المجلس الأعلى، الذي ربط المسار السياسي بضرورة التقدم في محادثات المسار العسكري، أكثر صدقاً ووضوحاً من موقف مجلس النواب"، مشيراً إلى أن النواب يستخدمون ذات الاستراتيجيات المعروفة بالمماطلة لصالح أهداف حفتر.

واعتبر أن كل الخطابات والمواقف الحالية تنتظر مواقف الطرفين من مسودة وقف إطلاق النار، التي أعلنت البعثة اتفاق ممثلي الطرفين عليها في نهاية الجولة الثانية من محادثات المسار العسكري، وقال: "تنتظر بالتحديد موقف حفتر، لأنه المطالَب بوقف إطلاق النار، فهو الطرف المهاجم، أمّا القوة المقابلة، وهي الحكومة، فهي في موقف دفاع".

وبينما يرى ذويب أن نتائج كل المسارات رهينة بموقف حفتر من مشروع البعثة لوقف إطلاق النار، ترى أوساط ليبية على اطلاع على كواليس الأحداث الأخيرة، أن ممثلي الطرفين في المسار السياسي لن يتأخرا كثيراً عن الالتحاق بجنيف.

وتتطابق معلومات مصدرين مطلعين، برلماني من طبرق وحكومي من طرابلس، حول أن مجلسي الدولة والنواب واقعان تحت ضغوط كبيرة من أطراف دولية، من أجل الموافقة على الذهاب إلى جنيف، وتؤكد تلك المعلومات أن البعثة ترغب في أن يلعب السفير الأميركي لدى ليبيا دوراً مماثلاً للدور الذي لعبه مع ممثلي الطرفين في محادثات المسار العسكري عندما علّقا مشاركتهما؛ وهو ما يرجحه أيضاً الناشط السياسي الليبي، عقيلة الأطرش، على الرغم من إقراره بأن نتائج كلّ المسارات تتوقف على نتائج المحادثات العسكرية.

ويشرح الأطرش ما يذهب إليه، بالقول لــ"العربي الجديد" إن "مشاركة طرفَي الأزمة السياسيَّين ستشكل دعماً لمحادثات المسار العسكري، وستشير إلى انخراط كلّ الأطراف الليبية في محادثات الحلّ السياسي"، معتبراً أنه هدف غسان سلامة الذي يطمح لتسجيل نجاح شخصي. لكنه يرى أن مشاركة الأطراف السياسية في محادثات جنيف تختلف أهميتها بين دولة وأخرى من الدول المتنفذة في الصراع الليبي، ويوضح أن "المسار السياسي مهم لحلفاء حفتر كونه سينتج حكومة جديدة، يمكن من خلالها إزاحة أي شرعية للقوات التركية التي تدعم خصوم حفتر"، لكنه يرى أن "انعقادها في الوقت الحالي يمكن أن يعرقل أهدافه التي يسعى إليها من خلال المسار العسكري، وعلى رأسها تثبيت وجوده في أحياء جنوب طرابلس، ولذلك، فإنّ مجلس النواب مستمر في عرقلة انعقاد المسار السياسي".

وعلى الرغم من أن عقيلة يلفت إلى جانب مهم في المسار السياسي، يتمثل في غموض تعامل البعثة الأممية مع هذا المسار، من خلال عدم وضوح أجندته وجدول أعماله، بل وإصرارها على إجبار مجلسَي النواب والدولة بالقبول به على الرغم غموضه، إلا أنه يعود ويؤكد أنه "لا نجاح لأي مسار قبل وضوح موقف حفتر من مسودة الوقف المستدام لإطلاق النار، سيما وأن خروقاته لم تتوقف حتى الآن".