مصادر مصرية تكشف محددات المسودة الأميركية لاتفاق سد النهضة

17 فبراير 2020
ستقلل مصر الأراضي الزراعية (خالد دسوقي/فرانس برس)
+ الخط -



أفادت مصادر مصرية في وزارتي الخارجية والري لـ"العربي الجديد"، بأن "الصياغة الأميركية لمسودة الاتفاق النهائي بشأن قواعد تشغيل سد النهضة الإثيوبي وملئه، ستعتمد أساساً على الدمج بين المصفوفة المصرية الخاصة بكميات المياه المطلوب وصولها إلى مصر في فترات الجفاف، والمصفوفة الإثيوبية الخاصة بكميات المياه المطلوب تخزينها بشكل مستديم لضمان توليد الكهرباء من السد لمدة خمس سنوات تالية لبدء التوليد في صيف 2021". وكان الخلاف قد احتدم بين مصر وإثيوبيا حول الشقّ المتعلق بـ"إعلان حالة الجفاف واتخاذ التدابير الاستثنائية"، ذلك لأن القاهرة تطالب باتخاذ هذه التدابير إذا انخفض المنسوب عن الـ40 مليار متر مكعّب، بينما تتمسّك إثيوبيا برقم الـ35 مليار متر مكعّب، فضلاً عن تمسكها بوضع جدول زمني محدود للغاية، لا يزيد على 7 سنوات لملء السد بشكل كامل ومستديم، بغية إنتاج أكبر قدر من الكهرباء والحفاظ على وتيرة الإنتاج في الفترة بين صيف 2021 وخريف 2026 على أقل تقدير.

وأضافت المصادر أن "المسودة الأميركية ستعتمد على المعيار الرقمي الخاص بكمية المياه المحجوزة والمنصرفة كل عام، على أن تكون الأولوية لمبدأ الاستفادة العادلة من المياه لجميع الأطراف، وذلك بغضّ النظر عن تحديد عدد قطعي من السنوات للملء الأول للخزان"، الأمر الذي يبدو إيجابياً للجانب المصري، ومقللاً بشكل نسبي للآثار الضارة التي ستعود بالتأكيد على دولة المصب. وأوضحت المصادر أن "فريق وزارة الخزانة الأميركية الذي أُسندت إليه مهمة إعداد مسودة الاتفاق سيعمل على تلبية الأهداف الأساسية المتناقضة لكل من مصر وإثيوبيا، فيتم ضمان تمكن أديس أبابا من الملء السريع للبحيرة الرئيسية وإنتاج الكهرباء لبضع سنوات متواصلة، لأن القاهرة لا تقبل بفكرة استمرار منسوب المياه في بحيرة السد ثابتاً لأكثر من 5 سنوات، في المقابل يُضمَن تقليل مصر نسبة المساحات المزروعة التي من المنتظر أن تخرج من الخدمة أو يصعب وصول المياه إليها، إلى 3 آلاف فدان بدلاً من 12 ألف فدان مع الانخفاض المتوقع في منسوب بحيرة ناصر (خزان السد العالي) عن 170 متراً".

وذكرت المصادر أن وصول الصيغة الأميركية إلى حل متوسط بين مصر وإثيوبيا، سيقي مصر ضرراً جسيماً كان متوقعاً في حال تحديد مدة قطعية للملء الأول، وهو خروج 200 ألف فدان من نشاط الزراعة في الدلتا والصعيد، فيمكن من خلال اتّباع إجراءات "صعبة" ضمان استمرار الزراعة في جميع مساحات الأراضي بتحويل نشاطها إلى الزراعات قليلة الاستهلاك للمياه. لكن المصادر شدّدت في الوقت نفسه على أن "المساحات المزروعة بالرزّ ستكون الأكثر تضرراً لمدة 3 سنوات على الأقل، وفقاً للمصفوفة المصرية، التي تحدد الطريقة المثلى لتخفيف الأضرار".

وحول التناقض الذي بدا واضحاً بين لهجة البيانات الصادرة عن الأطراف المختلفة بعد جولة التفاوض الأخيرة في واشنطن، وبصفة خاصة بين مصر التي أعلنت "النجاح في التوصل إلى اتفاق في انتظار الصياغة" وبين إثيوبيا التي أعلنت خارجيتها "عدم التوصل إلى اتفاق"، قالت المصادر إن "حكومة أديس أبابا تخاطب الشعب الإثيوبي في المقام الأول لتفادي حدوث أي اضطرابات اجتماعية بسبب الهجوم المستمر من معارضي رئيس الوزراء أبي أحمد على المسار التفاوضي بالكامل، في الوقت الذي يقع فيه أحمد تحت ضغوط دولية كبيرة لإتمام الاتفاق، خاصة من الرئيس الأميركي دونالد ترامب".

وذكرت المصادر أن الموقف الفني الرسمي الإثيوبي الذي عبّر عنه وزير الري سيليشي بيكيلي بأن "المفاوضات حققت تقدماً مع استمرار بعض الملفات العالقة" قريب من الواقع، كاشفة أن "إسناد مهمة إعداد صياغة مسودة الاتفاق إلى الجانب الأميركي والبنك الدولي كان حصيلة نقاشات طويلة استغرقت يوماً كاملاً بين وزراء الخارجية والري للدول الثلاث، انتهت إلى هذا القرار، شرط ألا تكون الصياغة ملزمة، حتى لا تكون الولايات المتحدة قد اعتبرت بشكل رسمي وسيطاً ملزماً للجميع، وذلك بهدف تمكين الأطراف المختلفة من التعديل والرد بالملاحظات على المسودة قبل توجيه الدعوة إلى زعماء الدول لحضور مراسم التوقيع". وأوضحت المصادر أنه قد اتُّفق على أن ترسل واشنطن المسودة إلى العواصم المعنية خلال الأسبوع الحالي.



وعلى الرغم من أن صياغة بنود الاتفاق بأيادٍ أميركية وأخرى تابعة للبنك الدولي، تعتبر خطوة مُرضية لمصر على المدى القصير وتسمح للنظام بإعلان "النجاح في التوصل إلى اتفاق"، حتى بغضّ النظر عن محتواه وآثاره، لكنها تثير بحسب المصادر، مخاوف مستقبلية لدى القاهرة تتمثل بإمكانية انقلاب إثيوبيا عليه في أي لحظة، سواء بسبب خلافات فنية مع مصر أو بسبب تغيير نظام الحكم أو اتجاهات السلطة هناك. وذكّرت المصادر بما حدث في أديس أبابا إزاء اتفاق المبادئ الذي وقع عليه رئيس الوزراء السابق هايلاميريام ديسالين مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي والرئيس السوداني المخلوع عمر البشير في مارس/ آذار 2015.
وسبق أن ذكرت مصادر دبلوماسية مصرية لـ"العربي الجديد" أن "فكرة تصدي الولايات المتحدة لصياغة الاتفاق كانت مطروحة من البداية، في ضوء أن تقتصر على الصياغة فقط، وليس التدخل في المسائل الفنية، لكن الممارسة العملية للمفاوضات أثبتت أنه لا توجد إمكانية للصياغة كعمل فني مستقل عن المسار الفني، ولذلك فإن الولايات المتحدة الآن تؤدي دوراً أقرب للوساطة، منه إلى التسهيل والمراقبة".

ومنذ اتصال ترامب بأحمد، مطلع الشهر الحالي، يبدو كأن المفاوضات تسير في اتجاه سياسي رُسم لها بغية التوصل إلى اتفاق دون الإفصاح عن طبيعة ما يُتَّفق عليه. وتلقت مصر طمأنات من واشنطن بحتمية توقيع الاتفاق، أما المسؤولون الرسميون الإثيوبيون، فبدأوا التمهيد إعلامياً لفكرة ضرورة عقد هذا الاتفاق، كرد فعل على مقالات صحافية وشائعات انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي، بعضها كان متطرفاً في الهجوم على أبي أحمد بحجة أن توقيع الاتفاق يفرط في السيادة الإثيوبية على السد، وبعضها الآخر ادّعى أن أحمد سيستمر في خداع مصر والولايات المتحدة بالمماطلة في المفاوضات، كما عقد وزير المياه الإثيوبي سيليشي بيكيلي الذي يقود المفاوضات عن بلاده، مؤتمراً صحافياً في الرابع من الشهر الحالي قال فيه إن "إثيوبيا حريصة على استكمال التفاوض وحل المشاكل مع مصر والسودان دون تنازل عن مكتسباتها ومصالحها العليا".

ووفقاً للمصادر ذاتها، إنّ الاجتماع الأخير في واشنطن المقرر نهاية الشهر الحالي سيُخصَّص لبندين أساسيين: الأول توقيع الاتفاق الذي تفضل أميركا أن يكون بواسطة الرئيس المصري ورئيس الوزراء الإثيوبي ورئيس مجلس السيادة السوداني عبد الفتاح البرهان، بحضور الرئيس الأميركي دونالد ترامب. أما البند الثاني، فهو إعلان واشنطن تقديم دعم مالي وفني للدول الثلاث لرفع كفاءتها الفنية وتحقيق أقصى استفادة ممكنة من مياه النيل، فضلاً عن إعلان رعايتها لبعض المشاريع الأخرى التي جرى التطرق إليها خلال المفاوضات الممتدة، ومنها زراعة حزام شجري للاستمطار، على أمل زيادة فيضان النيل الأزرق.

وسبق أن شددت المصادر على أن إعلان التوصل إلى اتفاق هو في الحقيقة أقصى ما تطمح إليه مصر في الوضع الحالي، بغضّ النظر عن تأثير هذا الاتفاق واقعياً بحصتها من مياه النيل، وكذلك إن إعلان التوصل إلى اتفاق هو أقصى ما يمكن إثيوبيا منحه لمصر والسودان في الفترة الحالية، بغضّ النظر عن المحتوى، وذلك كله قياساً بتوقيع السيسي على اتفاق المبادئ في مارس 2015، الذي كلف مصر تبعات سياسية وقانونية وفنية سلبية كبيرة لا يمكن تداركها حالياً، ولم تتح للمفاوض المصري الكثير من الخيارات.