وأشار المصدر العسكري للمعارضة السورية إلى أن الجانب التركي، خلال الاجتماع الذي دام أكثر من أربع ساعات، أصرّ على تطبيق مخرجات سوتشي بالكامل، وبالتالي انسحاب قوات النظام من كافة المدن والبلدات التي دخلتها خلال المواجهات التي انطلقت منذ ربيع العام الماضي ولا تزال مستمرة. وقابل ذلك "تعنّت روسي بعدم الموافقة على ذلك، مع إبداء ليونة للانسحاب من بعض المناطق"، يعتقد المصدر أن من بينها مدينة سراقب ومحيطها.
وأشار كذلك إلى أن الأتراك أبلغوا الجانب الروسي بأنهم سيطبقون اتفاق سوتشي بحدوده الجغرافية، ما يعني استمرار تركيا بالتصعيد والتحضير لعملية عسكرية وشيكة، وفي المقابل أبلغ الروس نظراءهم الأتراك بأنهم "ماضون بالعمليات العسكرية حتى تطهير المنطقة من الإرهاب".
وفي السياق ذاته، أكد مصدر تركي مطلع لـ"العربي الجديد" أن اللقاءات "لم تحقق أي تقدم بين الطرفين، ووصلت إلى طريق مسدود وتستدعي إجراء اتصال هاتفي بين الرئيسين رجب طيب أردوغان ونظيره الروسي فلاديمير بوتين اليوم أو غدا، للنظر في طريقة حلحلة المشاكل المستعصية".
ولفت المصدر إلى أن تركيا، من خلال الجهود الأخيرة، ستعطي الفرصة الأخيرة قبل انطلاق العملية العسكرية وإعلان الحرب على النظام، بعد أن رفض الروس الانسحاب بعد التقدم الأخير الذي حققه النظام على الطرق الدولية والبلدات المحيطة بها.
تهديد روسي بـ"سحق" إدلب
كما أكد المصدر، الذي فضل عدم ذكر اسمه، أن روسيا ردت على تهديدات تركيا بالمطالبة بتطبيق اتفاق أضنة، ما يعني حدودا ضيقة تتراوح ما بين 5-10 كم، مع التهديد "بشن حرب على إدلب وسحقها، بدءا من مدينة جسر الشغور".
واعتبر المصدر أن الموقف الروسي عبارة عن "تهديدات لرفع سقف التفاوض، ولا يمكن الوصول إلى هذه المرحلة، حيث ينتظر أن تلجأ تركيا إلى حلف الشمال الأطلسي الناتو في حال تدهورت الأمور، خاصة أن أنقرة تنتظر زيارة المبعوث الأميركي إلى سورية جيمس جيفري، الأربعاء المقبل".
وأكدت أنه لحين تبلور كل هذه الأمور والحراك الدبلوماسي، فإن تركيا ستواصل دعم فصائل المعارضة بهدف إنهاك النظام واستهدافه قبيل إعلان الحرب، في حال فشلت الجهود الدبلوماسية في التوصل إلى اتفاق.
ويأتي هذا الاجتماع، الذي عقد على عجل، بعد يوم من اجتماع مماثل فشل طرفاه في التوصل إلى اتفاق جديد حول إدلب و"منطقة خفض التصعيد"، التي تضم كامل إدلب، وأجزاء من أرياف حماة الشمالي، وحلب الغربي والجنوبي، واللاذقية الشرقي.
وكان من المقرر أن يعقد اجتماع اليوم بعد أسبوعٍ من الاجتماع الأول، الذي استضافته أنقرة يوم السبت الماضي، إلا أن التطورات الميدانية على الأرض دفعت موسكو إلى إرسال وفدها برئاسة نائب وزير الخارجية الروسي السفير سيرغي فيرشينين، والمبعوث الخاص للرئيس الروسي إلى سورية ألكسندر لافرنتييف إلى أنقرة على وجه السرعة، بعدما حشد مقاتلون يتبعون لـ"الجبهة الوطنية للتحرير" وجنود أتراك أنفسهم مع معدات وعربات عسكرية تحضيراً لعملٍ عسكري في الريف الشرقي من إدلب.
وكانت المدفعية التركية، المتمركزة في نقاط المراقبة في إدلب، قد بدأت فعلياً صباح اليوم بدكّ نقاط لقوات النظام، قبل أن يسود الهدوء على الجبهات انتظاراً لانتهاء الاجتماع.
وقال مصدر عسكري آخر، إن عملاً عسكرياً كان قد بدأ فعلاً صباح اليوم، إلا أن الأتراك طلبوا التوقف بعد الزيارة المفاجئة للوفد الروسي إلى أنقرة، ريثما تخرج نتائج الاجتماع. وأشار المصدر إلى أن غرفة العمليات للعمل العسكري باتت جاهزة من عسكريين سوريين وأتراك، وأن العملية قد تستأنف في أي وقت من الساعات المقبلة.
وخلال الاجتماع، تعرضت النقطة التركية الجديدة، التي أنشأها الجيش التركي في مطار تفتناز العسكري شمالي مدينة سراقب، للقصف من قبل قوات النظام، ما أوقع خمسة قتلى من الجنود الأتراك، بالإضافة إلى خمسة جرحى آخرين، بحسب ما أعلنت وزارة الدفاع التركية.
وعلى أثر ذلك، قال رئيس دائرة الاتصال في الرئاسة التركية، فخر الدين ألطون، إن القوات التركية "ردت مباشرة على الهجوم الذي استهدف جنودنا في إدلب، ودمرت مواقع العدو وانتقمت لشهدائنا". مضيفاً: "أترحم على أرواح شهدائنا الذين سقطوا جراء هجوم خائن في إدلب، التي يوجدون فيها في إطار القوانين الدولية بهدف إنهاء العنف والمأساة الإنسانية".
وأشار ألطون إلى أنه "تم الرد بالمثل على الهجوم ودُمرت مواقع العدو على الفور وتم الانتقام لشهدائنا، ومجرم الحرب الذي أعطى أمر هذا الهجوم لم يستهدف تركيا فحسب، بل استهدف المجتمع الدولي برمته".
وأردف: "قواتنا المسلحة التي تعمل على إرساء السلام والاستقرار في كافة أرجاء العالم ستواصل بث الرعب في نفوس الأعداء وغرس الطمأنينة في قلوب الأصدقاء".
وتتصاعد وتيرة التطورات الميدانية والعسكرية في ريف إدلب، إذ يواصل النظام زحفه باتجاه المدن والبلدات في الريفين الشرقي من إدلب والجنوبي من حلب، للسيطرة على كامل الطريق الدولي حلب – دمشق "أم 5"، ومن ثم التوسع باتجاه طريق حلب – اللاذقية "أم 4".
يأتي ذلك في وقت يحشد فيه الجيش التركي قوات ضخمة في إدلب وعلى حدودها، وتشير المعلومات الواردة من الحدود السورية – التركية، إلى أن الجيش التركي أدخل، خلال الشهر الأخير وحده، حوالي 1250 عربة معظمها تحمل دبابات وعتاداً هجومياً، بالإضافة إلى الزج بحوالي 5000 آلاف جندي، منهم مقاتلون من وحدات "الكوماندوس" (القوات الخاصة)، إلى إدلب.
وفي الخامس من الشهر الحالي، أمهل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان النظام السوري حتى نهاية شباط/ فبراير الحالي للانسحاب إلى ما وراء النقاط التركية المحيطة بـ"منطقة خفض التصعيد"، التي تضم كامل محافظة إدلب، وأرياف حماة الشمالي، وحلب الغربي والجنوبي، وريف اللاذقية الشرقي.
وهدّد أردوغان النظام، في حال عدم الانسحاب، بأن "تركيا ستضطر لإجباره على ذلك"، وقال أردوغان في خطاب غاضب رداً على مقتل 8 من جنوده إثر استهداف نقطتهم في مدينة سراقب من قبل قوات النظام: "قواتنا الجوية والبرية ستتحرك عند الحاجة بحرية في كل مناطق عملياتنا وفي إدلب وستقوم بعمليات عسكرية إذا ما اقتضت الضرورة".