وفور خروجه من اللقاء مع الرئيس ماكرون، أكد سيدريك فيلاني، في لهجة بعيدة عن الرسميات، أنه "اختار أن يظل وفيّا للباريسيين"، من خلال "مواصلته حملته الانتخابية"، في ظل "الاستقلالية"، وهو موقف جرّ عليه، على الفور، انتقاد رئيس الحزب الرئاسي ستانيسلاس غيريني، الذي اعتبر أن المرشح المنشق دخل في "قطيعة مع ماكرون"، وأنه قد غادر الحزب، وهو ما سيؤكده المكتب التنفيذي للحزب، الأربعاء المقبل.
وتأتي هذه "المأساة" الصغيرة، في ظل استطلاعات للرأي تُظهر انفراد العمدة الحالية للعاصمة آن هيدالغو، ومنافِسَتها عن حزب "الجمهوريون" اليميني رشيدة داتي، بالصدارة، حيث إنهما حصدتا نسبتي 23 و20 في المائة (وكان استطلاع سابق قد منح هيدالغو نسبة 25 في المائة، ورشيدة داتي نسبة 19 في المائة، وغريفو ثالثا بنسبة 15 في المائة)، فيما يحل مرشح ماكرون الرسمي بنجامان غريفو ثالثا، بنسبة 16 في المائة، ثم المرشح الإيكولوجي دافيد بيليار رابعا، بنسبة 14.5 في المائة، ثم المرشح المنشق عن الأغلبية الرئاسية سيدريك فيلاني خامسا، بنسبة 10 في المائة.
وتأتي هذه "الصفعة" التي وجَّهها فيلاني، والحاصل على ما يعادل جائزة نوبل في الرياضيات، والذي دخل في السياسة لأول مرة في حياته مع حملة المرشح إيمانويل ماكرون، في ظل أجواء تشاؤمية تسود في أوساط الأغلبية الرئاسية "الجمهورية إلى الأمام"، فيما يخص الانتخابات البلدية القادمة، حيث إن المرشحين الرسميين، في كبريات المدن الفرنسية، كباريس ومارسيليا ومونبوليي وبوردو، لا يَصلون إلى نسبة 20 في المائة، حسب مختلف استطلاعات الرأي، وهو ما ينذر بما يمكن اعتباره هزيمة انتخابية.
ويعتبر جل المراقبين أن هذا الصراع بين الإخوة الأعداء في العاصمة سيحدّ كثيرا من طموحات الرئيس ماكرون، وسيشكل كابحاً، خاصة أن الرغبة الرئاسية كانت جارفة في خطف بلدية باريس من معارضة اشتراكية لا تتورع عن انتقاد السياسات الحكومية، ويمكنها أن تساهم في استعادة اليسار بعض عافيته، خاصة أن استطلاعات الرأي تمنح حظوظا كبرى لعمدة مدينة ليل، الاشتراكية مارتين أوبري، بالاحتفاظ بمقاليد عاصمة الشمال، إضافة إلى رغبة سيغولين روايال في الترشح لرئاسيات 2022، عبر انتقاداتها الحادة لسياسات الرئيس إيمانويل ماكرون "المتسلطة"، كما تصرح في كل لقاءاتها الإعلامية الأخيرة.
وإذا كان مرشح الأغلبية الرسمي لا يزال يطمع في انضمام فيلاني إلى حملته، وهو ما أكده اليوم، وهو انضمام إن تمّ قد يبعث على الأمل، إلا أن المستفيدة الثانية من صراع الإخوة الأعداء هي مرشحة اليمين رشيدة داتي. فبعد بداية حملة خافتة، وسط انتقادات وتشكيك من داخل عائلتها السياسية، وانضمام كثير من سياسيي اليمين الباريسيين إلى المرشح بنجامان غريفو، الذي ركَّز بشكل كبير على التقارب مع اليمين، وهو ما أدى إلى انضمام مرشح يميني إلى حملته، هو بيير غيف بورنازيل، إلا أنها بدأت تستعيد عافيتها، التي جاء الاستطلاع الأخير ليؤكد أن رغبة الرئيس ماكرون في استنزاف اليمين لها حدودٌ.
وقد أصبحت رشيدة داتي تعلن عن قدرتها على استعادة اليمين لمدينة باريس، كما أصبح قياديون يمينيون ينتابهم الأمل في تحقيق إنجاز كبير، لم يكن متوقَّعا، بسبب حالة اليمين المنهكة منذ انتخابات 2017، في العاصمة.
انتخاب آن هيدالغو من جديد؟
من وجهة نظر إحصائية، انتخاب آن هيدالغو من جديد ممكن. ففي الدور الثاني يتحالف الإيكولوجيون، كما فعلوا في السابق، مع آن هيدالغو، وثمة إشارات إلى أن المرشح المنشق عن الأغلبية الرئاسية قد يتقارب أيضا مع هيدالغو، ولا أحد يمكن أن ينسى أن هذا العالِم في الرياضيات كان من أعضاء لجنتها الانتخابية الأولى، قبل ست سنوات، ويحتفظ بعلاقات ودية معها.
شعبية هيدالغو على الصعيد الوطني، لشهر يناير/كانون الثاني 2020، تصل إلى 34 في المائة، كما أن أكثر من 50 في المائة من الباريسيين غير راضين عن سياساتها في مدينتهم، إلا أن غياب منافس سياسي قوي، كاريزمي، وصراع مرشَّحَي "الجمهورية إلى الأمام"، الرسمي والمنشق، يجعل الطريق معبَّدة أمام هذه السيدة، ذات الأصول الإسبانية، ويجعل الناخبين لا يصوتون لصالحها، بل ضد منافسيها، وهذا ما فعلته أغلبية الفرنسيين في الدورة الثانية من رئاسيات 2017، حين أتت بالمرشح إيمانويل ماكرون رئيسا للجمهورية.