كذلك غابت وسائل الإعلام الحكومية التي منعتها السلطات من تغطية المؤتمر، لتعارُض مواقف المشاركين فيه مع طروحات السلطة.
وكانت أبرز مخرجات المؤتمر تعديل موقف أحزاب الكتلة الديمقراطية، وتخلّيها عن فكرة "المجلس التأسيسي" لصالح مؤتمر حوار وطني.
وعقد، اليوم السبت، في الجزائر ثاني أكبر مؤتمر للقوى السياسية والمدنية المعارضة، منذ مؤتمر يوليو/ تموز الماضي. وشاركت في مؤتمر اليوم أحزاب "جبهة القوى الاشتراكية"، أقدم حزب معارض في الجزائر منذ عام 1963، وحزب "التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية"، و"الاتحاد من أجل التغيير"، و"الاتحاد الديمقراطي"، الذي يقبع رئيسه كريم طابو في السجن بسبب مواقفه السياسية، و"الحركة الديمقراطية الاجتماعية" (الحزب الشيوعي سابقاً)، و"حزب العمال" اليساري و"حزب العمال الاشتراكي"، و"الرابطة الجزائرية لحقوق الإنسان"، وعدد من الشخصيات المستقلة، بينها منسق المؤتمر السابق للمعارضة (عقد في يوليو الماضي)، عبد العزيز رحابي.واضطرت الأحزاب والقوى المشاركة إلى نقل الاجتماع من قاعة في قصر المعارض، بعد موافقة إدارة هذه المؤسسة على عقده، إلى مقر حزب "التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية".
وانتقد رئيس حزب التجمع محسن بلعباس، في افتتاح المؤتمر، محاولة السلطات عرقلة عقد "هذه الجلسات من أجل الديمقراطية والسيادة الشعبية"، مضيفاً أنّ مثل هذه الممارسات تعرّي النظام السياسي وتكرس ممارساته في "قمع الحريات الديمقراطية، إذ يشكو الجميع من غياب النقاش في المؤسسات وفي المجتمع، وأولئك الذين يعارضون الخطابات الرسمية بالرأي المعاكس، والقوى السياسية والجمعوية والجامعيون الذين ينخرطون في هذا المسار المعارض لسياسة الأمر الواقع، يكون مصيرهم الإقصاء من وسائل الإعلام ومنعهم من استغلال الفضاءات العامة".
ورأى بلعباس أنّ الحراك "هو تعبير مجتمع استيقظ من أوهام رجل (عبد العزيز بوتفليقة) ظنّه الجميع منزّلاً من السماء؛ النظام الجديد الذي يتطلع له الشعب الجزائري لا يمكن اختزاله في تداول بسيط لمسؤولين، والشعب الجزائري له قناعة أن لا شيء يأتيه من نظام متآكل لا يُتقن إلا المناورات، وكل ما يطلبه هو أُسُس صلبة لبناء دولة القانون ومجتمع تقدمي كي يطوي صفحة الدكتاتورية العسكرية بصفة نهائية".التخلّي عن "المجلس التأسيسي"
وأكد بلعباس أنّ "من يراهن على موت الحراك، ويزعم أنّ المشاكل قد تم حلّها فقط لأنّ هناك رئيساً جديداً للدولة تم فرضه على الجزائريين، عن طريق مهزلة 12 ديسمبر/ كانون الأول الانتخابية، يجهل مدى التصميم الشعبي على عدم إرجاع البلد إلى النفق المظلم الذي كان فيه، وإلى ممارسات الماضي".
ودعا إلى حوار وطني "لا يكون شبيهاً بتلك اللقاءات الثنائية والزيارات البروتوكولية التي يدعو لها رئيس الدولة المفتقر إلى الشرعية، من أجل استغلاله في تلميع صورة مؤسسات سلطة مرفوضة"، وإلى "عقد ندوة وطنية شاملة تناقش قضايا النظام السياسي وتنظيم الدولة والعدالة والاقتصاد والتربية والطاقة ودور الجيش، و"تظهر لوائحها في مشروع دستور يأخذ بعين الاعتبار كل مطالب الشعب التي عبّر عنها في الحراك وتحدّد توجهات الجزائر الجديدة".
ويعكس الخطاب تطوراً لافتاً في موقف أحزاب الكتلة الديمقراطية التي تخلت أخيراً عن فكرة إنشاء مجلس تأسيسي يتولّى صياغة مسودة دستور جديد للبلاد، بعدما تمسكت بهذا الخيار لفترة طويلة، وهو ما كانت تتعارض معه مقاربات قوى المعارضة الإسلامية والمحافظة التي تتخوّف من أن يفتح صياغة دستور في مجلس تأسيسي، الباب نحو مناقشة قضايا الهوية وموقع الشريعة والإسلام والعربية وغيرها.
وقال رئيس "الحركة الديمقراطية الاجتماعية" فتحي غراس إنّ هذا المؤتمر "هو تجديد للالتزامات السياسية لقوى البديل الديمقراطي، والوفاء بالعقد السياسي الموقع بينهم قبل أشهر"، فيما قال السكرتير الأول لـ"جبهة القوى الاشتراكية" حكيم بلعسل إنّ "النظام الحالي بادر باقتراح خيارات حل إداري وبيروقراطي للأزمة السياسية، فيما الوضع يتطلب حلولاً سياسية جذرية وتوافقات وطنية".
وعرضت في المؤتمر وثيقة بعنوان "أرضية لتتويج المسار الديمقراطي للثورة" تتضمن أفكاراً أساسية لبناء الدولة المدنية والديمقراطية والاجتماعية، والفصل والتوازن بين السلطات والاستقلال الفعلي للقضاء، وتقترح الأرضية لما تصفه بـ"الحل السلمي لإنهاء النظام الاستبدادي"، وخطوات تتعلق "بالإفراج الفوري عن المعتقلين السياسيين وسجناء الرأي والتخلي عن جميع التهم الموجهة لهم، ورد الاعتبار القانوني، وإزالة جميع العقبات التي تعترض الحقوق والحريات، وإنهاء جميع التدابير الرامية إلى بيع الثروة الوطنية مع الإلغاء الفوري لجميع القوانين المتعلقة بها، وإلغاء قوانين الأحزاب والجمعيات والإعلام الحالية، وضمان حرية العقيدة مع الحظر الفعلي لأي استغلال للدين في العمل السياسي".
ويلي تنفيذ هذه التدابير "عقد مؤتمر وطني سيجمع كل القوى الناشطة في المجتمع ويناقش فترة الانتقال الديمقراطي والقواعد التوافقية والطرق والمواعيد النهائية للانتقال والمسار التأسيسي السيد، ويكرس القطيعة مع النظام عبر تنظيم فترة انتقالية ديمقراطية يتم خلالها حل المؤسسات غير الشرعية، ويضمن تلبية التطلعات المشروعة للشعب الجزائري، وتكرس للتأسيس التوافقي لعملية تأسيسية".