وقالت مصادر دبلوماسية محلية، إن وزارة الخارجية المصرية تلقت، مساء أول من أمس، من مستشار الشؤون الخارجية للمستشارة الألمانية، يان هيكر، مسودة أولية لمشروع البيان المقترح إعلانه في نهاية أعمال المؤتمر، والتي تضمّنت 6 محاور رئيسية، هي: الوقف الفوري لإطلاق النار واستحداث آلية للمراقبة، وحظر توريد الأسلحة لكل الأطراف المتحاربة، والبدء في مسار تفاوض سياسي ينتهي بإجراء انتخابات شاملة من دون استبعاد أي طرف، وإجراء إصلاحات أمنية تدعم قوة الدولة الليبية، والإصلاح الاقتصادي بصورة تضمن توزيع الثروات بصورة عادلة على المواطنين، وأخيراً ترسيخ ضمانات حقوق الإنسان في ليبيا، وتحسين أداء المؤسسات القانونية والقضائية.
وكشفت المصادر المصرية أن السيسي طالب ألمانيا وروسيا والدول الأوروبية الأخرى بضرورة تمثيل مصر والإمارات في اللجان التي سيتم تشكيلها لمراقبة وقف إطلاق النار، انطلاقاً من النقاط التي طرحها حفتر خلال مفاوضات موسكو الأخيرة، ليكون من حق مليشيا حفتر المسماة "الجيش الوطني الليبي" مواجهة "المليشيات الإرهابية" الخارجة عن الاتفاق. وأضافت المصادر أن مصر والإمارات ستطالبان بشكل صريح خلال المؤتمر بتفعيل حظر استيراد الأسلحة بالنسبة للمليشيات المحاربة مع حكومة الوفاق فقط، ورفع الحظر عن مليشيا حفتر باعتباره "الجيش الوطني"، الأمر الذي من المتوقع أن يثير أزمة، خصوصاً أنه سبق لبرلين أن أبلغت السيسي، نهاية العام الماضي، أنها ستسعى لعدم تفضيل فصيل على حساب آخر، أياً كان وضعه السياسي قبل وبعد اتفاق الصخيرات.
وبالنسبة للمسار السياسي، فإن المطالب المصرية الإماراتية أيضاً تؤكد ضرورة استبعاد جميع التيارات الإسلامية، المساندة لحكومة الوفاق، من العملية السياسية التي ينوي المؤتمر إعلان إطلاقها، بهدف إنشاء مجلس رئاسي قوي وتشكيل حكومة ليبية موحدة قوية، مدعومة من برلمان موحد، الأمر الذي سيؤدي أيضاً إلى خلافات، خصوصاً مع الجانب التركي المشارك في المؤتمر. وفي سياق الحديث عن الإصلاحات الأمنية، سيطالب السيسي خلال المؤتمر بالبناء على مليشيا حفتر، باعتبارها "الجيش الوطني" كنواة للقوات المسلحة الموحدة، وسيعرض دعم مصر اللوجيستي والعملياتي لإنشاء قوة شرطة موحدة، مقابل رفع كل صور الحماية عن المليشيات غير القانونية. وفي هذا الإطار، ستتم الإشارة، بحسب المصادر، إلى الجهود التي سبق وبذلت لتوحيد السلاح الليبي برعاية مصرية بين عامي 2014 و2016.
وكان السيسي قد أبلغ المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل ووزير خارجيتها هايكو ماس، أثناء التحضيرات المتعثرة لمؤتمر برلين بشأن ليبيا، بضرورة استبعاد كل التيارات الإسلامية من المشهد السياسي قبل الدخول في أي مفاوضات، وكذلك اعتبار مليشيات حفتر جيشاً نظامياً ورفع حظر التسليح عنه. كما أبدى تحفّظه على الهدف الأول المعلن من المؤتمر وهو الوقف الفوري لإطلاق النار، فضلاً عن تنافر موقفه مع الهدف الثاني للمؤتمر، بحسب ما أعلنت عنه برلين والمبعوث الدولي غسان سلامة، والذي يتمثل في خلق آلية تمكّن لجنة العقوبات من محاسبة الدول المزودة للأطراف المتصارعة بالسلاح وتجار السلاح، في ظل شواهد وتقارير دولية تؤكد تزايد خرق قرار حظر التسليح، علماً أن ألمانيا نفسها هي رئيسة لجنة العقوبات بمجلس الأمن وبالتالي فلديها الفرصة لإدارة تلك الآلية.
وتغير موقف السيسي من هذا المسار السياسي بسبب عاملين مهمين، أولهما الفشل الميداني الذي يسيطر على حملة حفتر على العاصمة طرابلس منذ إبريل/نيسان الماضي، وهي الحملة التي لم يكن السيسي متحمساً لها في البداية، لكن رفضه التضحية بحفتر جعله يصر على دعمها بقوة، في الأطر المحسوبة، ويعارض رغبة الإمارات في تغيير قيادة مليشيا شرق ليبيا الصيف الماضي، ويراهن على إمكانية تحقيق انتصار يلغي حكومة الوفاق ويمنع ظهور تياراتها لاحقاً على طاولة المفاوضات. أما العامل الثاني، وهو مترتب على الأول، فهو أنه بات واضحاً، خصوصاً بعد تدفق المساعدات التركية بصورها المختلفة لحكومة الوفاق، أنه حتى باستمرار الدعم الروسي والإماراتي والمصري فمن المستحيل نجاح حفتر من دون مساهمة عسكرية مصرية نظامية على الأرض، بينما يرى السيسي أن من المخاطرة إنفاق الأموال على حرب، بالنسبة لبلد مأزوم اقتصادياً مثل مصر، وهو ما تبدى سابقاً في تملصه الدائم من محاولات السعودية والإمارات الزج بمصر في أتون حرب اليمن.
وسبق أن قالت مصادر أوروبية وأخرى مصرية، لـ"العربي الجديد"، إن القاهرة وموسكو وأبوظبي شاركت في تحديد مجموعة من المهمات المطلوبة من أنقرة بعيداً عن مسار برلين، ومن بينها القبول بدور سياسي لحفتر في حال تم التوصل إلى اتفاق سياسي يُنهي المعارك المندلعة في الوقت الراهن، وتهيئة البلاد للاستحقاقات الانتخابية المعطلة، إلى جانب ضمان حماية الثروات واقتسامها، والسيطرة الكاملة على المليشيات الإسلامية وتحجيمها، ربما بأسلوب أقرب لما حدث بتجميع العديد من مليشيات الشرق تحت لواء حفتر، ولكن بصورة أكثر نظامية، سواء تحت قيادة ذات هيكل واضح من حكومة الوفاق والقوات التنسيقية التركية أو في صورة كيان آخر.