يُبدي عدد من الكتل والأحزاب السياسية في العراق، مخاوف مبكرة، من عمليات تزوير وتلاعب في نتائج انتخابات مجالس المحافظات في كافة المدن والمناطق العراقية، المقررة في إبريل/نيسان 2020، مطالبة بالعمل منذ الآن على طمأنة الكتل السياسية على مجمل العمل الانتخابي، لأن ذلك سينعكس إيجاباً على حجم مشاركة المواطنين في تلك الانتخابات التي ينتظر منها ولادة حكومات محلية جديدة للمحافظات العراقية، تتمتع بصلاحيات واسعة، وفقاً للدستور. وتأتي المخاوف الحالية في ظل تنامي نفوذ الميلشيات في مدن ومحافظات شمال البلاد وغربها التي كانت خاضعة لاحتلال تنظيم "داعش"، خاصة مع امتلاك عدد من تلك الفصائل أجنحة سياسية بعضها شُكل حديثاً. وكانت الانتخابات البرلمانية في مايو/أيار 2018 قد شهدت خلافات شديدة، بسبب اتهامات عديدة لمفوضية الانتخابات، ولقوى سياسية أخرى، بالتلاعب في نتائج الانتخابات، وبأصوات الناخبين، كما شهدت بعض المدن المحررة، عمليات تزوير وضغط على النازحين قامت بها مليشيات مسلحة، وأطراف سياسية استخدمت المال أيضاً في حملاتها. وأمر وقتها رئيس الوزراء حيدر العبادي بتجميد مفوضية الانتخابات وفتح تحقيق في اتهامات التزوير.
في السياق، ذكر نائب رئيس مجلس محافظة نينوى، نور الدين قبلان، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن "المحافظة غير جاهزة للانتخابات، فهناك الكثير من النازحين في المخيمات، وأعداد كبيرة من الناخبين خارج العراق أو موزعة بين محافظات عدة". ورأى أن "هناك مناطق مثل سنجار وغيرها خارج سيطرة الدولة، كما أن هناك الكثير من القرى والنواحي التي لم يعد إليها أهلها بعد، بينما سجّلت بعض الوحدات الإدارية عودة 50 في المائة من الأهالي". وأكد قبلان أن "كل تلك الأمور يمكن أن تستغلّ لجهات سياسية معينة، وقد تكون الانتخابات المقبلة غير منصفة، فهناك مخاوف سياسية وشعبية في نينوى وباقي المناطق والمدن المحررة من حصول عمليات تزوير وتغيير في نتائج الانتخابات، خصوصاً مع وجود جماعات مسلحة تسيطر على الملف الأمني لأغلب المناطق".
من جهته، أبدى ائتلاف النصر، بزعامة رئيس الحكومة السابق حيدر العبادي، خشيته من تكرار الأخطاء التي حصلت خلال الانتخابات البرلمانية، في الانتخابات المحلية المقبلة. وأكدت المتحدثة باسم الائتلاف، آيات مظفر نوري، لـ"العربي الجديد"، أنه "لا يخفى على أحد نسبة الاضطرابات التي حدثت قبل الانتخابات البرلمانية السابقة وخلالها وبعدها حتى إعلان النتائج الرسمية، والمشاكل التي ولّدت ردود فعل سلبية مجتمعية وكذلك من بعض القوى السياسية أيضاً".
وأضافت أنه "رغم تعهّد المفوضية العليا حينها بالالتزام بمواعيد إعلان النتائج والحفاظ على انسيابية الانتخابات ونزاهتها، إلا أن شبهات كثيرة شابت العملية أدت إلى أن يقوم رئيس مجلس الوزراء السابق حيدر العبادي بعزل أعضاء المفوضية وتكليف قضاة مكانهم واتخاذ إجراءات قانونية تصاعدية، هدفها الحفاظ على البيئة الانتخابية التي تعد من الركائز الأساسية للعملية الديمقراطية".
وذكرت أن "المتغيرات التي حصلت أعادت نفس المفوضية إلى مواقعها من دون الوصول إلى نتائج محسومة حول تلك الشبهات، وهذه إحدى المسائل التي تجعلنا نشعر بالقلق من تكرار الأخطاء السابقة، بالإضافة إلى قانون الانتخابات الحالي الذي نسجل تحفّظنا على بعض بنوده". وتابعت قائلة إن "كل هذا، وبالإضافة إلى قلق الناخب العراقي من التوجه إلى صناديق الاقتراع الذي سيسهم في إضعاف نسب المشاركة، يجعلنا نراقب وبقلق إعلان المفوضية إجراءاتها واحترازاتها للمرحلة المقبلة. وبناء على كل ما ذكر أعلاه سنحدد موقفنا الرسمي تجاه الانتخابات، فهي مسؤولية شرعية وأخلاقية ووطنية تجاه جماهيرنا".
من جانبه، رأى رئيس كتلة الوركاء الديمقراطية، جوزيف صليوا، لـ"العربي الجديد"، أن "هناك مخاوف حقيقية وعميقة من حصول عمليات تزوير وتغيير كبير في نتائج انتخابات مجالس المحافظات، خصوصاً أن التزوير في العراق أصبح جزءا لا يتجزأ من الوضع العام في البلاد، فتمّ سرقة التاريخ والإنجازات". وأضاف أن "تزوير الانتخابات في العراق أصبح شيئا طبيعيا، والانتخابات في العراق هي أكذوبة لم يعد يصدقها أي مواطن واعٍ". واعتبر أن "أعضاء مفوضية الانتخابات في العراق، ممثلون عن أحزاب السلطة، وهم أساس المشكلة، فيتلاعبون بأصوات الناخبين حسبما تشاء أحزاب السلطة، عبر أجهزة هم من جاء بها، بحجة حفظ أصوات الناخبين". وأكد أن "هناك مخاوف حقيقية من تزوير كبير في انتخابات مجالس المحافظات، كما أن هناك نتائج ستكون كارثية، بسبب عمليات الترهيب والترغيب، وشراء الذمم". وطالب صليوا بأن "توكل الانتخابات المحلية المقبلة إلى الأمم المتحدة من أجل التخلّص من عمليات التزوير، ويأخذ كل ذي حق حقه".
في المقابل، أكدت المفوضية العليا المستقلة للانتخابات في العراق، اتخاذها خطوات وإجراءات في انتخابات مجالس المحافظات، لمنع حصول أي عمليات تزوير أو تلاعب في النتائج. وقال عضو مجلس المفوضين في المفوضية حازم الرديني، لـ"العربي الجديد"، إن ضمان نزاهة الانتخابات، وعدم حصول تلاعب وتزوير في النتائج، يبدأ باستخدام الأجهزة البيومترية في التصويت، خصوصاً أنه تمّ استخدامها في الانتخابات السابقة وأثبتت نجاحها، وفي هذه الانتخابات ستكون هناك رصانة أكثر، بعد تأشير بعض الملاحظات. وأضاف الرديني أن "استخدام الأجهزة البيومترية في التصويت، سيمنع حدوث أي تزوير أو تغيير في الانتخابات ونتائجها".
أما في شأن النازحين، فكشف أنه "لا يمكن لأي نازح التصويت إلا في حال امتلاكه البطاقة البيومترية، التي تحمل صورة وبصمة، وكل نازح لا يملك بطاقة انتخابية لا يمكن له المشاركة في الانتخابات المقبلة. وهذا الإجراء سيمنع أي تلاعب أو تزوير لأصوات النازحين". وتابع الرديني قائلاً إن "المفوضية العليا المستقلة للانتخابات موجودة منذ أكثر من ستة أشهر في جميع مخيمات النزوح، من أجل منح جميع النازحين البطاقة البيومترية، وقبل موعد الانتخابات بفترة طويلة، نكون قد سلّمنا جميع النازحين في العراق البطاقة".