لجنة التحقيق المستقلة بمجزرة اعتصام الخرطوم: ملاحظات وهواجس

23 سبتمبر 2019
يطالب أهالي الضحايا بمحاكمة المتورطين بالمجزرة (محمود حجاج/الأناضول)
+ الخط -
من دون أن يسمي أعضاءها، أصدر رئيس الوزراء السوداني عبد الله حمدوك قراراً، السبت الماضي، قضى بتشكيل لجنة تحقيق مستقلة للتقصي والتحري في أحداث فض اعتصام محيط قيادة الجيش السوداني. وفي الثالث من يونيو/حزيران الماضي، فضت سلطات المجلس العسكري الانتقالي اعتصاماً بدأ في 6 إبريل/نيسان الماضي، طالب في البدء بتنحي نظام الرئيس عمر البشير. وبعد سقوط النظام، رفض المعتصمون استمرار المجلس العسكري الانتقالي في السلطة، مطالبين بحكومة مدنية. ونتج عن فض الاعتصام مقتل أكثر من 100 من المعتصمين. لكن المجلس العسكري نفى، أكثر من مرة، إصداره أمراً للقوات الأمنية بفض الاعتصام، متهماً جهات مجهولة بالتورط في الحادثة مع أن عشرات الفيديوهات أظهرت جنوداً وعسكريين يقتلون المواطنين ويعتدون عليهم ويرمونهم في نهر النيل. كما شكل لجنة تحقيق من ديوان النائب العام، اتهمت 9 من ضباط الجيش وقوات الدعم السريع باتخاذ قرار الفض من دون العودة إلى القيادة العسكرية.

ورفض الشارع السوداني ومعه تحالف قوى "إعلان الحرية والتغيير" نتائج اللجنة الحكومية، وأصروا على تشكيل لجنة دولية للتحقيق، لكنهم قبلوا، في النهاية، بتشكيل لجنة تحقيق مستقلة، مع منحها حق الحصول على أي دعم أفريقي، على أن يصدر قرار تشكيلها من رئيس الوزراء في غضون شهر من تعيينه. وتم تضمين هذه المطالب في الوثيقة الدستورية التي دخلت حيز التنفيذ عند التوقيع عليها في 17 أغسطس/آب الماضي. ووضع قرار حمدوك إطاراً عاماً للجنة من حيث عدد أعضائها، الذي حدد عددهم بسبعة، برئاسة قاضي المحكمة العليا، وعضوية ممثلين عن وزارات العدل والدفاع والداخلية، بالإضافة إلى شخصية قومية واثنين من المحامين المستقلين. وأعطى منطوق القرار اللجنة جميع السلطات الواردة في قانون لجان التحقيق للعام 1954، ومنها حق استدعاء أي شخص للمثول أمامها وإصدار أمر توقيف بحق أي شخص. كما مُنحت اللجنة حق الاستعانة بمن تراه مناسباً، بما في ذلك دعم أفريقي، واستلام الشكاوى من الضحايا وأولياء القتلى والممثلين القانونيين، على أن تكمل أعمالها خلال 3 أشهر، مع الحق بالتمديد لمدة مماثلة إذا اقتضت الضرورة. وشدد القرار على استقلالية اللجنة والعمل بعيداً عن أي جهة حكومية أو عدلية أو قانونية. لكن اللافت أن حمدوك لم يسمِّ أعضاء اللجنة. وقالت إدارة إعلام مجلس الوزراء، في بيان، إنه سيتم إعلان الأسماء في وقت لاحق.

وقال وجدي صالح، وهو من أحد أسر قتلى الثورة السودانية، إن "أسر الشهداء على ثقة تامة بأن اللجنة ستصل إلى حقائق كاملة، وستقدم المتورطين في قتل الشهداء وغيرها من الجرائم إلى العدالة". وأضاف صالح، وهو في الوقت ذاته متحدث باسم قوى "إعلان الحرية والتغيير"، لـ"العربي الجديد"، أن "رئيس الوزراء التزم في قراره بما نصت عليه الوثيقة الدستورية"، مشيراً إلى أن "تسمية أعضاء اللجنة سيخضع إلى معايير دقيقة جداً وإلى نقاش عميق داخل الحكومة، وأن اللجنة نفسها وبموجب القرار ستعمل وفق المعايير الدولية للجان التحقيق". وأكد أن "علاقة اللجنة برئيس الوزراء ستنتهي بعد تسمية أعضائها، وستكون مستقلة تماماً، إذ ستعلن نتائجها للشعب السوداني وتُسلمها مباشرة للنيابة لاتخاذ الإجراءات القانونية. وحتى قرار تمديد عمرها متروك لها، وليس لأي جهة، كدليل على مدى استقلاليتها". واستبعد "قيام المكون العسكري في المجلس السيادي، أو جهة أخرى، بإعاقة عمل اللجنة".



من جهته، اعتبر الناشط الحقوقي البراق النذير الوراق أن "قرار حمدوك جاء وفقاً لما نصت عليه الوثيقة الدستورية كجزء من مهام الفترة الانتقالية"، مشيراً إلى أن "تشكيل هذه اللجنة، من حيث المبدأ، خطوة مهمة في سبيل تحقيق أهداف هذه الفترة"، ومؤكداً أن "اللجنة تستطيع أن تصل إلى نتائج حقيقية، حتى في ظل وجود ممثلين للجيش والشرطة داخلها، فهؤلاء لن يعملوا بمعزل عن بقية الأعضاء، بل بالعكس فإن وجود شخصيات مشهود لها بالكفاءة أمر ربما يكون محموداً. هنا سيقف الأمر على الشخصيات التي سيتم اختيارها ومعايير الاختيار، فحتى الشخصيات الأخرى، إن لم يُحسن اختيارها، ستكون عبئاً على أعمال اللجنة"، مشيراً إلى أن "أهم نتائج تكوين هذه اللجنة هو مبدأ طرح قضية المجزرة، ونتيجة مهمة أخرى هي التزام القرار بما جاء في الوثيقة الدستورية من شروط لتكوين هذه اللجنة". وأضاف الوراق، لـ"العربي الجديد"، أن عملية "البحث والتقصي بأحداث القتل والاختفاء، والتحقق من الاتهامات التي طالت من قاموا بفض الاعتصام كونهم ارتكبوا جرائم اغتصاب وتعذيب، تشكل مرحلة أولى في تحقيق العدالة. فرؤية العدالة تسير، أمر مُريح للضحايا وللناجين ولذويهم ولجميع الشعب السوداني وشعوب العالم المحبة للسلام والعدالة. وأكثر ما يُعول عليه هو توفر مواد وأدلة وشهود عيان، ما يسهل عملية التحقيق، ومن ثم ملاحقة الجناة المحتملين".

وأوضح أن "الأمر الجدير بالنظر هو أن قرار رئيس مجلس الوزراء أتاح للجنة الاستعانة بمن تراه مناسباً، بما في ذلك الاستعانة بدعم أفريقي، واستلام الشكاوى من الضحايا وأولياء الدم والممثلين القانونيين"، لافتاً إلى أنه "لو تم هذا الأمر بالشكل المطلوب، فإنه سيسمح بأن تتكون فرق متعددة المشارب والخبرات، كالخبراء في الأدلة والتحقيقات الجنائية وعلماء مختصين في الطب الشرعي والجنائي، ما سيساهم في معرفة نوع الأسلحة التي تم استخدامها وكيف تمت عمليات القتل ومن أين أتى السلاح. كما يمكن التوصل إلى مزيد من الأدلة الموثوقة. ولن يقف الأمر عند هذا الأمر، بل سيتعداه للوصول إلى من أعطى الأوامر ووظيفته وموقعه". واعتبر الوراق أن "الموضوع، بهذا الشكل المنهجي والقانوني، سيغلق الباب أمام التكهنات والتحليلات المجردة، باعتبار أن اللجنة، بخلاف أنها مستقلة بالكامل حسب القرار، ستعمل تحت سمع وبصر كل الشعب السوداني والعالم، وهذا في حد ذاته سبب كافٍ لكي تحاول إنجاز المهمة بالصورة المستحقة". ورفض الناشط الحقوقي "التكهن بما إذا كان عمل اللجنة قد يؤدي إلى أي نوع من أنواع الصراع، إلا إذا شهدنا تدخلات من أطراف غير مخولة بذلك. وأي نوع من التدخلات هو تهمة في حد ذاتها، وسيضع شبهة حول الهدف من التدخل، وأي جهة أو أشخاص يفعلون ذلك ستلتصق بهم التهمة دون مواربة. لكن ما يدعو للتفاؤل أن المدنيين والعسكريين، وخلال مرحلة التفاوض الأخيرة، لم يواجهوا اختلافات كبيرة في موضوع الاتفاق على نص تكوين اللجنة. كما أن هناك تصريحات عديدة لمن طالتهم الاتهامات سابقاً أعلنوا فيها استعدادهم لأي تحقيق متى تطلب الأمر ذلك".

ووصف الخبير الشرطي عمر عثمان، من جانبه، قرار تشكيل اللجنة بالمهم، لكنه أبدى بعض التحفظ على الطريقة التي جاء بها التشكيل، "حيث إنه من بين 7 شخصيات، هم أعضاء اللجنة، فإن هناك أربعة يتبعون لجهات رسمية قضائية ونظامية، أي أكثر من نصف أعضاء اللجنة، وهو أمر لا يتناسب مع معيار الاستقلالية الواجب توفرها في اللجنة بحسب نص الوثيقة الدستورية". وأوضح أن "اللجنة التي شكلها البشير في العام 2004 برئاسة رئيس القضاء الأسبق مولانا دفع الله الحاج يوسف، لتقصي الحقائق في دارفور، لم يكن بين أعضائها أي شخص يعمل في الجهات الرسمية، وهي اعتمدت في تشكيلها على المتقاعدين من القضاة والقوات النظامية والمستقلين". وأشار إلى "أمر آخر للتوضيح بشأن عدم قبول الأقوال التي يُدلى بها أمام اللجنة في المحاكم، حسب نص المادة 12 من قانون لجان التحقيق للعام 1954 (لا يجوز قبول أي أقوال أدلي بها أثناء أي تحقيق يجرى بموجب أحكام هذا القانون كبينة أمام أية محكمة، سـواء كانت مدنية أم جنائية)"، معتبراً أنه "يجب ألا يفهم من هذا النص أنه يغل يد اللجنة عن التوصية بما تراه مناسباً، استناداً لما يتوفر لها من بينات، ويمكنها، وفقاً لذلك، التوصية بفتح تحقيق قضائي جديد في مواجهة أي شخص أو أشخاص حول وقائع أو اتهامات محددة".

أما القيادي في حزب "البعث" كمال بولاد فقد اعتبر أن "قرار حمدوك واحد من أهم أهداف الثورة، لأنه يبحث عن تحقيق العدالة في مجزرة فض الاعتصام وكافة الشهداء والمظالم التي مهرت بالدم خلال سنوات النظام الدموي والفاشي". وأضاف، لـ"العربي الجديد"، أن "القرار يحتاج لجهود أخرى حتى يحقق مراميه، ومنها تعيين رئيس قضاء عادل لا تشوبه شائبة عقائدية الإسلام السياسي الذي كان مسيطراً في عهد البشير، وأن تستكمل بقية المؤسسات الوطنية المرتبطة بالموضوع، حتى تعبر عن جوهر العدالة وإحقاق الحق"، مؤكداً أنه "إذا حدث هذا الأمر، فإن يد العدالة ستطال جميع المتورطين في كل الجرائم". واستبعد بولاد "حصول تأثير سياسي على مكونات السلطة الانتقالية بعد إعلان نتائج اللجنة"، وذلك لقناعته بأن "من نفذ الجرائم قام بهذا الأمر لأجندته الخاصة، وليس باسم المؤسسة العسكرية". لكنه جزم بأن "العدالة ستطال كل من يثبت تورطه، مهما كان منصبه ووظيفته، وهو أمر سيتضح عندما تصدر اللجنة المستقلة نتائجها".