مُنيت العائلة الوسطية التقدمية في تونس بهزيمة في الانتخابات الرئاسية، إذ قاد التشتت والانقسامات والتجاذبات التي سيطرت عليها إلى خسارة أغلب مرشحيها، ومن بينهم مرشح "تحيا تونس" ورئيس الوزراء يوسف الشاهد، ووزير الدفاع السابق عبد الكريم الزبيدي (مستقل تم دعمه من "نداء تونس")، ورئيس حزب "البديل" مهدي جمعة، وعدد آخر من المرشحين، منهم حتى من ينتمي إلى الحزب "الحر الدستوري"، وبعضهم محسوب على المعارضة مثل "التيار الديمقراطي"، ما حرمهم جميعاً من المرور إلى الدور الثاني.
ولئن برزت قبيل الانتخابات محاولات لحثّ بعض المرشحين من العائلة الوسطية على التنازل لمصلحة بعضهم البعض خشية الهزيمة والتشتت، وتكثفت حينها الاجتماعات والاتصالات والتسريبات، إلا أن غالبية المساعي مُنيت بالفشل، في ظل تمسّك غالبية المرشحين بحظوظهم في الوصول إلى الدور الثاني، آملين حصول مفاجأة لصالحهم يوم الانتخابات. لكن مباشرة بعد الإعلان عن النتائج، برز التشتت الذي تعانيه أغلب التيارات والأحزاب، خصوصاً العائلة الوسطية. ودعا الشاهد، الزبيدي، إلى الجلوس حول طاولة الحوار وتوحيد الجهود بهدف إنقاذ البلاد. مضيفاً، في تصريح إذاعي، أنه سيتجاوز الخلافات وكل ما قيل ضده بهدف توحيد الصفوف والدخول إلى الانتخابات التشريعية في 6 أكتوبر/تشرين الأول المقبل، موحدين حتى لا تتشتت الأصوات، ولكي تتمكن العائلة الديمقراطية من تكوين كتلة برلمانية ذات وزن.
وقال القيادي في حزب "التيار الديمقراطي" غازي الشواشي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إنّه لا بد من تعريف العائلة الوسطية، لأنه يوجد من هو في السلطة، مثل "نداء تونس" وحزب "البديل"، وأخرى محسوبة على المعارضة، مثل "التيار الديمقراطي"، الذي يعتبر أيضاً حزباً ديمقراطياً اجتماعياً تقدمياً ووسطياً، وبالتالي فهناك إشكاليات حتى في تعريف العائلة الوسطية، مضيفاً أن الانتخابات الرئاسية أفرزت مفاجآت، وهذه المفاجآت لو تواصلت في التشريعية فإنها حتماً ستفرز برلماناً مشتتاً وكتلاً صغيرة ومتوسطة غير قادرة على الانسجام وتكوين حكومة. وأكد الشواشي أن المخاوف من التشتت الحاصل تعني أن الحزب الذي سيفوز في الانتخابات التشريعية قد يعجز عن تشكيل أغلبية، والانسجام مع بقية الأحزاب، وبالتالي سيؤدي ذلك إلى الفشل في تكوين الحكومة وحتى حل البرلمان، مضيفاً أنّ هناك إشكاليات ونفوراً من الانتخابات، ولا بد من صحوة التونسيين لاختيار الأنسب من العائلة الديمقراطية والوسطية. وأشار إلى أنهم غير مستعدين للتوافق مع العائلة الوسطية الحاكمة، لأنهم لا يحملون نفس المشروع، لكنهم سيسعون إلى التنسيق مع الأحزاب الوسطية القريبة منهم بعد الانتخابات التشريعية، على أمل الحد من التشتت الحاصل.
واعتبر القيادي في "نداء تونس" منجي الحرباوي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن الدعوات إلى تجميع العائلة الوسطية الديمقراطية مجرد شعارات، لأن "نداء تونس" كان من بين الأحزاب التي دعت إلى توحيد الصفوف، وأغلب بيانات الحزب منذ 2014 تؤكد هذا المسعى، مضيفاً أن الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي كان في كل مناسبة يُذكر العائلة الوسطية بضرورة تجميع صفوفها. وأشار الحرباوي إلى أنه وبعد أن صدرت نتائج الانتخابات الرئاسية، ونقلت قيس سعيد ونبيل القروي إلى النهائي، فإن مثل هذه الدعوات تعتبر في غير محلها. واعتبر أن هذه الدعوة تأتي من أناس كانوا ضد توحيد الصفوف، مشيراً إلى أن السبسي سبق وأن دعا الشاهد للعودة إلى "نداء تونس" ورفع التجميد عنه عله يعود للحزب، لكنه لم يتفاعل مع هذه الدعوات، وبالتالي فصدور هذه الدعوات الآن هي مجرد شعارات لا غير، مؤكداً أنهم، مع ذلك، ما زالوا يؤمنون بأن العائلة الوسطية لا بد أن تلتقي بعد الانتخابات التشريعية، لأن التشتت قد يعصف بالمسار ككل. وبين أن القوائم للانتخابات التشريعية أودعت، وهناك اليوم تنافس بين العائلات الوسطية، وبعد النتائج سيتم الحسم وستكون الدعوات أكثر جدية وليس مجرد دعوات لتحقيق نقاط انتخابية.
ورأى المحلل السياسي عبد اللطيف الحناشي أنّ نتائج الانتخابات الرئاسية فرضت نوعاً من الاصطفاف حول مرشحي الرئاسية، لكن هذا الاصطفاف والتجميع المنتظر حول أحد المرشحين سيختلف عن الانتخابات التشريعية. وأضاف، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن حصول تحالفات لاحقة في البرلمان أمر ممكن، خصوصاً أن الأحزاب فهمت أن التشتت لن يجدي ولن يخدم أي طرف، فلو توحد مرشحان فقط للرئاسة، هما يوسف الشاهد وعبد الكريم الزبيدي، لمرّ أحدهما إلى الدور الثاني، ولو توحدت مجموعات أخرى لتغيرت الكثير من النتائج، لكن للأسف لم يحصل هذا التوافق، وربما في المستقبل قد تتضح الرؤى.
وأوضح أنه دافع عن فكرة الأقطاب بين العائلات السياسية، بمعنى وجود 4 أقطاب كبرى تساهم في اضمحلال التشتت الحالي وتبنّي الحياة الحزبية على أسس صحيحة، لكن الأمر قد يحتاج إلى مزيد من الوقت لتعزيز هذه التجربة أكثر، مبيناً أن ضرب التشتت لا يكون إلا بأقطاب كبرى تجمع العائلة الوسطية التقدمية واليسارية وبقية العائلات. ولفت إلى أن فشل أغلب محاولات توحيد العائلة الوسطية الديمقراطية يعود إلى ما قبل الثورة التونسية، والأسباب ذاتية وموضوعية، وأغلب التجارب كانت هشة، ولم تفرز أحزاباً قوية تمكنها من التطور، إلى جانب الأنانية المُفرطة لدى قيادات غالبية الأحزاب والنرجسية التي كانت على حساب المصلحة الوطنية، وهو ما أدى إلى النتائج الحالية، وربما حان الوقت لقيادات بعض الأحزاب لأن تخجل من نفسها بعد هذه الضربات الموجعة، وأن تنصهر في المجموعة لصالح الأحزاب والوطن.