قررت إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، ولأسباب داخلية بحتة، عدم التورط في حروب الشرق الأوسط، لا بتوجيه ضربات مباشرة لردع إيران ولا بحماية الملاحة الدولية في مضيق هرمز ولا في تعزيز النفوذ الأميركي في سورية. ولملء هذا الفراغ الأميركي في ظل الوهن العربي، يبدو أن هناك اتجاهاً أميركياً غير مسبوق ومحفوف بالمخاطر، لتفويض إسرائيل بتوسيع مسرح المواجهة مع النظام الإيراني أبعد من لبنان وسورية، وهي خطوة إذا استمرت فعلياً قد تكون لها ارتدادات على الأمن الإقليمي. تراكم الأحداث خلال الأسابيع الماضية يشير إلى نقطة تحول في إعطاء إدارة ترامب ضوءاً أخضر لإسرائيل كي تردع إيران نيابة عنها. أربعة تفجيرات غامضة منذ 19 يوليو/ تموز الماضي، استهدفت مخازن أسلحة الحشد الشعبي في العراق، وفي 6 أغسطس/ آب الحالي أعلن وزير الخارجية الإسرائيلي يسرائيل كاتس في جلسة سرية في الكنيست، أن تل أبيب تشارك "بمساعدة ومجالات أخرى غير محددة" في التحالف البحري في الخليج، الذي تسعى الولايات المتحدة لتشكيله لحماية الملاحة الدولية في مضيق هرمز. في كلا الساحتين، أي العراق ومضيق هرمز، هناك غموض إسرائيلي متعمّد لإرباك إيران في تكرار لسيناريوهات القصف الإسرائيلي لأهداف إيرانية في سورية بغطاء روسي.
كما يتوقع أن يشارك مسؤول إسرائيلي منخفض المستوى في مؤتمر "أمن الملاحة البحرية"، الذي تنوي إدارة ترامب عقده في البحرين في شهر أكتوبر/ تشرين الأول المقبل، وهي خطوة إذا حصلت ستعقّد أكثر الجهود الأميركية لتشكيل هذا التحالف البحري المفترض. هذا المؤتمر تسعى إدارة ترامب عبر تنظيمه إلى تحقيق ثلاثة أهداف. أولاً تخفيف العبء المالي كي لا تتحمل وحدها مسؤولية حماية الملاحة الدولية، وثانياً ردع إيران عن محاولات الهيمنة على مضيق هرمز، وثالثاً استدامة السعي الأميركي لتصفير الصادرات النفطية الإيرانية. وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف حذّر في 13 أغسطس الحالي، من أن "إضافة أساطيل بحرية أجنبية إلى برميل بارود ضيق ومزدحم تزيد من خطر الاحتراق". وبحسب إدارة معلومات الطاقة الأميركية، فإن 76 في المائة من النفط الخام الذي عبر مضيق هرمز العام الماضي كانت وجهته الأسواق الآسيوية، بينما وصل استيراد النفط الأميركي من دول الخليج إلى 1.05 مليون برميل يومياً في شهر مارس/ آذار الماضي، بعدما كان 3.08 ملايين برميل يومياً في إبريل/ نيسان 2003.
عندما عطلت الملاحة الدولية في مضيق هرمز، فرضت طهران خيارين على إدارة ترامب: التدخل لمساعدة الحلفاء الخليجيين مع مخاطر مواجهة مباشرة مع النظام الإيراني، أو البقاء مكتوفة الأيدي طالما أن الأهداف ليست أميركية. إدارة ترامب فضّلت الخيار الأخير وتخلّت بالتالي عن سياسة دامت أربعة عقود، حمت خلالها تحركات النفط الخليجي ويبدو أنها مستعدة حتى لتفويض هذه المهمة إلى إسرائيل لتحمي مضيق هرمز من التهديدات الإيرانية.
كاتس صرح للكنيست أن قرار إسرائيل الانضمام إلى التحالف جاء بعد زيارته إلى أبوظبي الشهر الماضي، وذلك ضمن مقاربة إدارة ترامب التي تسعى لتعزيز التحالف العربي - الإسرائيلي ضد النظام الإيراني، وهذا كان واضحاً في الوساطة الأميركية لإجراء مباحثات بين اسرائيل والإمارات في الفترة الماضية، كما كشفت صحيفة "وول ستريت جورنال". ولفت كاتس أيضاً إلى أن خطوة مشاركة إسرائيل في التحالف البحري في الخليج "هي مصلحة إسرائيلية لتحسين العلاقة بين إسرائيل والدول العربية، وأن إسرائيل هي جزء من التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة لحماية طرق التجارة في الخليج". لكن يبدو أن هناك تصدعات في هذا التحالف العربي - الإسرائيلي الذي ترغب إدارة ترامب في تشكيله في ظل عدم وجود حماسة خليجية وقرار الإمارات توسيع مروحة خياراتها، عبر انفتاح جزئي على النظام الإيراني. كل هذه العوامل ساهمت في إقناع إدارة ترامب بأن عليها الاعتماد على مساعدة إسرائيل في مضيق هرمز باعتبارها القوة الإقليمية المستعدة والقادرة على ردع إيران.
في المقابل، فرضت طهران خلال الأسابيع الماضية قواعد الاشتباك في مضيق هرمز، وتخطط لمناورات بحرية مع روسيا لاستعراض القوة في رد رمزي على التحالف البحري الذي تحاول واشنطن تشكيله. هذه المناورة الإيرانية - الروسية المتوقعة بحلول نهاية العام الحالي لن تؤثر على الدينامية البحرية في المضيق ولن تتطور إلى تحالف بحري، لأن طهران بكل بساطة لا ترغب باستدراج النفوذ الروسي إلى حديقتها الخلفية. كما وجّهت إيران رسائل إلى إسرائيل بهذا الخصوص، حين حذّر قائد القوة البحرية في الحرس الثوري الإيراني علي رضا تنكسيري في 11 أغسطس الحالي من أن "أي وجود غير شرعي للصهاينة في مياه الخليج الفارسي قد يشعل حرباً".
وعلى المستوى الاستراتيجي، هناك تداعيات مباشرة وغير مباشرة لتورط إسرائيل، ولعل أبرزها جعل سلامة الملاحة في مضيق هرمز مشكلة إسرائيلية بدلاً من أن تكون حاجة دولية، وبالتالي تمنح طهران ذريعة لعسكرة الملاحة في المضيق. وعلى الرغم من عدم وجود مؤشرات على أن إسرائيل سترسل وحدات بحرية إلى الخليج، التلميح بدور إسرائيلي يعيد فتح النقاش حول سيناريو توجيه ضربة إسرائيلية إلى المنشآت النووية الإيرانية بمباركة أميركية. وهناك تقارير إعلامية تتحدث عن غواصات إسرائيلية مسلحة تمركزت في الخليج في حال كان هناك حاجة لتدخلها، كما تجدر الإشارة إلى أن المخابرات الإسرائيلية هي التي أبلغت البيت الأبيض بأن هناك مخططاً إيرانياً ضد أهداف أميركية في الخليج، ما دفع البيت الأبيض إلى إرسال حاملة طائرات إلى المنطقة وتسريب تقرير إلى صحيفة "نيويورك تايمز" عن خطط لنشر 120 ألف جندي أميركي في المنطقة في شهر مايو/ أيار الماضي.
وفي العراق، السيناريوهات المحتملة مشابهة، حيث إسرائيل تلمح منذ العام الماضي إلى نيتها التدخل وتوسيع قدراتها على ردع إيران أبعد من لبنان وسورية. ولطالما اعتبر البنتاغون أن التدخل الإسرائيلي في العراق خط أحمر باعتباره منطقة نفوذ أميركية، ومن هنا سارعت وزارة الدفاع الأميركية إلى نفي أي دور لها في قصف مخازن الأسلحة التابعة للحشد الشعبي. دفعت هذه الضربات الغامضة رئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي، إلى إلغاء جميع رخص استخدام المجال الجوي العراقي التي لم تمنع آخر جولة من قصف مراكز الحشد الشعبي هذا الأسبوع. البنتاغون يمر في مرحلة التفكير بمصير بقاء القوات الأميركية، حيث هناك نقاش في واشنطن بشأن ما إذا كان يجب الاستمرار في محاربة "داعش"، لكن إمساك المحافظين بمفاصل الأمن القومي يعطي غطاءً ضمنياً لإسرائيل لتوسيع أنشطتها لردع إيران، ما يُحرج الجيش الأميركي الذي يضطر للتعامل مع تحديات لا يرغب بمواجهتها في المرحلة الحالية، كما يضعف الحكومة العراقية الهشة أصلاً ويعزّز دور الحشد الشعبي على حساب المؤسسات الأمنية الرسمية. لكن لا يتوقع توسع هذه المواجهات في العراق، في وقت لعب النظام الإيراني أوراقه في اليمن حيث تمكن الحوثيون من إسقاط طائرة أميركية من دون طيار. ساحات المواجهة تتسع بين أميركا وإيران قبل الوصول المحتوم إلى طاولة المفاوضات، لكن تفويض إدارة ترامب لإسرائيل بردع إيران يعزز الانطباع بأن هناك تواطؤاً أميركياً - إسرائيلياً يقوّض النفوذ الإيراني في المنطقة، ويعرض القوات الأميركية لخطر التقلبات السياسية التي ينتهجها البيت الأبيض.